عودة الفساد لموضوع مستودع ومجمع المفتية للمنتجات النفطية في البصرة
احمد موسى جياد
بعد ان اثمرت الجهود في إيقاف قرار وزير النفط الأسبق جبار لعيبي الارتجالي والخاطئ في إزالة مستودع ومجمع المفتية للمنتجات النفطية في البصرة، تحاول نفس القوى المنتفعة من تلك الإزالة الى إثارة الموضوع من جديد وتطلب من رئيس مجلس الوزراء الموافقة، ولكن هذه المرة من قبل محافظة البصرة!!!
فقد سبق ان قامت محافظة البصرة بمفاتحة وزارة النفط “لإنشاء مشروع المفتية السكني الترفيهي” الممنوح إجازة استثمارية في 24 حزيران 2020. ردت وزارة النفط بمو جب الكتاب 13115 في 16/4/2023 تعذرها عن النظر في الطلب وذلك “لوجود رؤية خاصة لاستغلال الموقع من قبل شركة توزيع المنتجات النفطية” التابعة للوزارة.
ردا على ذلك وقع محافظ البصرة، اسعد عبد الأمير العيداني، كتاب المحافظة المرقم 2260 بتاريخ 1/6/2023 الموجه الى مكتب رئيس مجلس الوزراء يرجو فيه “التفضل بتوجيه وزارة النفط بنقل المشروع المراد انشائه على هذه الأرض الى أحد المواقع التابعة الى وزارة النفط ضمن المواقع النفطية لكون الأرض مصادق عليها في التصميم الأساسي لمشروع سياحي وترفيهي لتقليل الملوثات البيئية. وتوجيه وزارة النفط بتحويل ملكية الأرض وعائديتها الى ديوان المحافظة لغرض السير في إجراءات استملاكها وفق ما يناسب التصميم الحديث لمدينة البصرة”
انني ادعو الأخ رئيس مجلس الوزراء الى رفض الاستجابة لطلب محافظ البصرة بشكل قاطع نهائي وذلك لوجود الكثير من المعلومات والإجراءات القانونية وحقوق الملكية وتقارير ديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والتي تناولت جميعها مخالفة وزير النفط الأسبق جبار لعيبي التي أدت الى تفكيك وإزالة مصفى ومستودع المفتية بشكل ارتجالي مستعجل للغاية وقرار خاطئ وبإشراف مباشر من قبله.
تمتلك الأمانة العامة لمجلس الوزراء ملف واسع حول الموضوع، ارجو من الأخ رئيس مجلس الوزراء الرجوع اليه والاطلاع على تفاصيله وتقارير الجهات الرسمية حول الموضوع. وقد تم تفصيل ذلك في متابعتي للموضوع بتاريخ 15 حزيران 2020 بعنوان ” ازالة مستودع ومجمع المفتية للمنتجات النفطية في البصرة فساد ام تخريب متعمد ام قرار ارتجالي خاطئ”- المشار اليها ادناه.
إزالة مستودع ومجمع المفتية للمنتجات النفطية في البصرة
فساد ام تخريب متعمد ام قرار ارتجالي خاطئ
سبق لي ان اثرت هذا الموضوع بموجب الرسالة الالكتروني المؤرخة في 4 تشرين ثاني 2018 التي تم ارسالها وتعميمها على نطاق واسع جدا، بضمنه جميع الجهات العليا المعنية بالامر وخاصة الجهات الرقابية والتحقيقية. وقد استلمت منذ ذلك التاريخ العديد من الوثائق الرسمية والصور والفيديوهات والمعلومات المهمة للغاية تتعلق بتحرك مختلف الجهات الرسمية التنفيذية والرقابية والتشريعية ووسائل الاعلام حول الموضوع وخاصة الموقف الجديد لوزارة النفط الذي يتعارض بالكامل مع توجهات ويلغي اجراءات وزير النفط الاسبق جبار لعيبي الذي عمل وبسرعة فائقة على ازالة مستودع المفتية.
كل هذا الكم الكبير من الوثائق الرسمية اضافة الى قاعدة المعلومات التي امتلكها تدفعني لإثارة الموضوع من جديد والتساؤل وليس الاتهام هل جاء تفكيك وبيع معدات ومنشئات المجمع بالسرعة والطريقة غير المسبوقة نتيجة لنية مسبقة بدوافع الفساد ام التخريب المتعمد لاحد نشاطات القطاع النفطي ام لقرارات ارتجالية خاطئة ارتكبها وزير النفط في حينه جبار لعيبي. اي كانت الاسباب والدوافع فإنني اميل الى الرأي القائل ان ممارسات الفساد او التخريب المتعمد او القرارات الارتجالية الخاطئة ذات التاثيرات السلبية الموثقة والتي تتعارض مع المصلحة الوطنية لا تسقط بالتقادم وعلى المتورطين في مثل هذه الممارسات الخضوع الى المسائلة القانونية وتحمل تبعة القرارات القضائية.
بعد دراسة، بشكل معمق ودقيق، كل هذه الوثائق والادلة التي سيتم الاشارة اليها والى تفاصيلها في سياق هذه المطالعة اتضح ما يلي:
بدأ الوزير جبار لعيبي بتفكيك المستودع وبيع بعض مكوناته ونقل الاخرى دون حتى اشعار الجهات الرسمية العليا المعنية؛
لا يوجد ما يشير الى عرض الموضوع على رئيس الوزراء في حينه (د. حيدر العبادي) او حصول موافقته على المقترح الذي تقدم به الوزير جبار بإقامة مشروع ترفيهي على الموقع بعد ان اكمل تفكيك المستودع. كذلك لا يوجد ما يشير الى عرض الموضوع على مجلس الوزراء او لجنة الطاقة في المجلس ذاته ولا موافقة اي منهما على مقترح الوزير؛
تعارض معظم البيانات والمعلومات التي وردت في الوثائق المتعلقة بالموضوع مع ما عرضه الوزير جبار من تبريرات لتفكيك المستودع؛ وهذا يدفع الى التساؤل هل عدم الدقة وعدم المصداقية في عرض الامر على الجهات العليا كان بقصد او تقصير. كما يتضح من كتاب الوزير الى افتقار مقترحاته لأبسط متطلبات الجدوى الفنية والاقتصادية واولويات تنفيذ المشاريع؛
هل استخدم الوزير هذا المشروع لأغراض انتخابية للترويج لعضويته في مجلس النواب في انتخابات عام 2018؟ ولماذا كثف جهوده لإحالة المشروع الى الشركة الاماراتية بعد ان اتضح عدم فوز الكتلة التي ينظم اليها الوزير (كتلة النصر) في تلك الانتخابات، وان حكومة د. العبادي اصبحت حكومة تصريف اعمال لا يسمح لوزارة النفط فيها من عقد عقود استثمارية لمدة 40 عاما وبدون اية موافقات رسمية؛
بعد انتخابات عام 2018 والتغيير الحكومي والوزاري نتيجة لذلك اعادت وزارة النفط النظر في الموضوع وقررت استمرار بقاء مستودع المفتية بعهدة الوزارة ولن يتحول الى مشروع آخر (كما اقترحه الوزير جبار) ويتم تطويره واستغلاله لأغراض القطاع النفطي. وهذا، بنظري، دليل مادي ثبوتي على خطأ وخطورة ما اقدم جبار لعيبي على القيام به بتفكيك المستودع وما تسبب ذلك من كلفة اقتصادية هائلة على القطاع النفطي بشكل مباشر وغير مباشر؛
ان ما قام به جبار لعيبي قد يشكل سابقة خطيرة سيئة ومكلفة للغاية مما يحتم اتخاذ كافة الاجراءات الوقائية والاحترازية والعقابية الرادعة والفاعلة للحيلولة دون تكرارها مستقبلا وعلى كافة المستويات والاصعدة.
في ضوء ما تعرضه هذه المساهمة ارى ما يلي:
اولا: استكمال التحقيقات بشان تفكيك مستودع المفتية واحالة نتائج التحقيق الى الجهات القضائية لإصدار حكمها وتحميل المسؤولية لمن تسبب بهذا العمل وتحديد ما اذا كان تفكيك المستودع ناجم عن فساد او تخريب متعمد او قرارات ارتجالية خاطئة فنيا واداريا واجرائيا وتخطيطيا؛
ثانيا: لقد تعرض احد منسبي الوزارة (الشركة العامة للمنتجات النفطية-هيئة توزيع الجنوب) الى الاعفاء والعقوبة والنقل (بتوجيه من الوزير جبار) ثم التهديد لأسباب يبدو انها تتعلق بموقفه من تفكيك المستودع؛ وارى ان بإمكانه اقامة دعاوى ادارية وقضائية شخصية لرفع الغبن والعقوبة خاصة بعد تعرضه وعائلته لتهديدات موثقة بكتب رسمية وتقارير اعلامية ومواقف اعضاء في مجلس النواب دفاعا عنه.
قبل الخوض في تفاصيل الموضوع اود التاكيد ان هذه المتابعة تعتمد على العديد من المراسلات والكتب الرسمية التي استطيع تقديمها الى الجهات الرسمية ان تطلب الامر ذلك وانني لا استطيع ولا يمكن ان اذكر اسماء او مناصب او اماكن عمل او اماكن سكنى من ساهم في تزويدي باي من هذه الوثائق. وسأقوم بعرض الموضوع حسب التسلسل الزمني لتوجيهات واجراءات ازالة المستودع وما يتعلق بها من مراسلات واوامر ادارية وتهديدات موثقة.
معلومات لابد منها بخصوص مستودع المفتية
حسب الموقع الالكتروني لشركة توزيع المنتجات النفطية (شركة عامة تابعة لوزارة النفط) يوجد لدى هياة فرع الجنوب/البصرة (كما في 11 حزيران 2020) ثلاثة مواقع لمستودعات المنتجات النفطية في الشعيبة والمفتية وخور الزبير. وان مستودع المنتجات النفطية في المفتية هو الاكبر من ناحية الطاقة الخزنية (قبل تفكيكه) والوحيد في اكبر واهم محافظة منتجة للنفط، البصرة الفيحاء.
الوزير الاسبق جبار لعيبي يعلم، او يفترض انه يعلم بل يجب ان يكون يعلم بخلفية واهمية وواقع مستودع المفتية في محافظة البصرة، ولكن كتابه الى الامانة العامة لمجلس الوزراء (الذي سأعالجه لاحقا) لم يعكس ذلك.
ينص كتاب شركة توزيع المنتجات النفطية رقم 1235 في 25/1/2012 “لا يمكن الاستغناء عن مستودع المفتية.. لانه المستودع الوحيد للمحافظة.. بعد ان تم صيانة الخزانات وشبكات الانابيب من الاضرار.. وسيتم الغاء المستودع (عمليات الخزن والتفريغ والتحميل) حال الانتهاء من انشاء المستودع البديل في منطقة الطوبة (مستودع البصرة الجديد) الذي توقفت المباشرة به”.
كذلك يؤكد كتاب نفس الشركة-هيئة توزيع الجنوب- فرع البصرة رقم 4632 في 15/3/2012 بان موقع المفتية مستغل من قبل الشركة اضافة الى منشئات اخرى تابعة الى شركة نفط الجنوب وشركة مصافي الجنوب مؤكدا ان الموقع “هو المأخذ الرئيسي لتزويد مصفى البصرة بالمياه”. ثم كتاب نفس الشركة- هيئة توزيع الجنوب رقم 4872 في 4/12/2014 المتعلق بإعداد تقرير فني يتضمن “احتياجات مستودع المفتية من خزانات وملحقاتها لزيادة الطاقة الخزنية”.
كما يتضح من كتاب شعبة الفحص الهندسي (عن خزانات مستودع المفتية) عدد 176 في 11/4/2017 ان تسعة خزانات “تعمل حاليا بكامل طاقتها” يبلغ مجموع سعتها 11852 م3 ؛ ثلاثة خزانات “صالحة” بطاقة كلية 84 م3؛ خمسة خزانات بطاقة كلية 33300 م3 متضررة بنسبة 30%؛ سبعة خزانات بطاقة كلية 44812 م3 متضررة بنسبة 50%؛ اثنى عشرة خزان بطاقة كلية 10075 م3 متضررة بنسبة 100%.
وهذا يعني وجود امكانية جيدة لزيادة الطاقة الخزنية للمستودع عن طريق اصلاح الخزانات المتضررة بنسبة 50% واقل وبشكل تدريجي واستخدام العديد من الوسائل المتاحة لاصلاحها.
توضح شركة مصافي الجنوب بكتابها رقم 42 في 18/1/2018 ضرورة ومبررات وتطلب الابقاء على “المحطة القديمة لتعاملات المياه الاولية في المفتية بكامل منشاتها” والتي اوصى تقرير “فريق الاشراف الوزاري” (الذي شكله الوزير جبار) على شطبها بكامل منشاتها؛
اشار كتاب شركة توزيع المنتجات النفطية رقم 22188 في 28/5/2019 انه بعد تفكيك مستودع المفتية تم نقل المواد التالية الى مواقع اخرى اما للاستفادة منها او الاحتفاظ بها على شكل امانة الى حين: 8 خزانات؛ 25 مضخة؛ 6 اذرع تحميل؛ مجموعة من الانابيب والهياكل الحديدية وملحقاتها. اي ان جميع هذه المواد كانت عاملة وصالحة للاستعمال قبل تفكيك المستودع.!!!
كل هذه المعلومات تفند ما ذهب اليه الوزير جبار في كتابه الى الامانة العامة لمجلس الوزراء من جهة وانها من جهة اخرى تدفع الى التساؤل لماذا لم يتناولها الوزير جبار بكتابه المذكور؟!!.
اولوية تفكيك مستودع المفتية وانجاز التفكيك بسرعة غير معهودة
اصبح جبار لعيبي وزيرا للنفط في منتصف شهر آب 2016 في حكومة د. حيدر العبادي اثر استقالة وزير النفط عادل عبد المهدي. وبعد اسبوعين فقط من تسلمه مهامه الوزارية بدأ بإصدار توجيهات تفكيك المستودع!!!!
يشير كتاب وزارة النفط/الدائرة الفنية المرقم 5037 في 31/8/2016 الى توجيهات الوزير جبار لعيبي في 29/8/2016 الى القيام “بتفريغ مستودع المفتية من كافة المتعلقات النفطية في موعد اقصاه نهاية هذا العام”؛ اي انه وجه باكمال عملية التفكيك وتفريغ المستودع بفترة اربعة اشهر فقط.
بتاريخ 4 شباط 2017 وجه الوزير ذاته خلال زيارته الى مقر شركة المنتجات النفطية في المفتية بنقل مقرها الى مكان اخر في اقرب وقت وذلك لتحويل الموقع الحالي الى ” متنزه عائلي على نفقة الوزارة”.
وهنا لابد ان نتساءل: متى توصل الوزير الى هذا القرار: هل هو قرار ارتجالي ام نتيجة تفكير مسبق مدبر تعود جذوره الى فترة ما قبل توليه منصبه حيث من المعروف انه كثير الاقامة في الامارات؟ كيف يبرر الوزير اعطاء هذا التوجيه اولوية في ظل الظروف المالية والامنية الحرجة في ذلك الوقت؟ واين الاوليات التي تشير الى جدوى واوليات هذا القرار؟ وما هي المناقشات والمواقف التي تم طرحها وتداولها خلال اجتماع غرفة العمليات الرابع عشر المنعقد في 29/8/2016 وما بعد ذلك؟
ان اي مسؤول يمتلك الحد الادنى من الخبرة الادارية والفنية ويشعر بالمسؤولية الوظيفية يقوم، في مثل هذه الحالة، بتشكيل لجنة متكاملة التخصصات لدراسة وتقييم المقترح قبل اتخاذ اي اجراء تنفيذي. وهذا ما لم يفعله الوزير جبار لعيبي حيث انه امر بتشكيل لجنة “تهديم” المستودع بدلا من لجنة “تقييم” الجدوى الاقتصادية والفنية للبدائل الممكنة للاستفادة من المستودع، وهذا ما سأوضحه في ادناه.
ومن الامور الغريبة، والتي تدعو حتما الى التساؤل، هي السرعة الفائقة وغير المعهودة في تنفيذ توجيهات تفكيك مستودع المفتية، وما سببته هذه العجالة في تنفيذ توجيهات الوزير جبار من اضرار. فقد اشار كتاب ديوان الرقابة المالية الاتحادي/دائرة تدقيق المنطقة الثانية عدد ن/14/28/2/14913 في 3/7/2019 الى “قيام الشركة بتفكيك بعض الخزانات العاملة.. وبيعها بالمزايدة العلنية بدلا من تفكيكها بشكل اصولي واعادة نصبها في موقع اخر للاستفادة منها في زيادة الطاقة الخزنية في محافظة البصرة”.
يشير كتاب شركة توزيع المنتجات النفطية-هيأة توزيع الجنوب عدد 1027 في 28/3/2017 عن بدء عمليات التقطيع فعلا في 27/3/2017، وتبع ذلك تاكيد وزارة النفط/دائرة الدراسات والتخطيط والمتابعة رقم (ت4/13373) في 3/4/2017 على توجيهات الوزير جبار لعيبي “بالتعجيل في اعمال القطع لخزانات وشبكة الانابيب وملحقاتها لمستودع المفتية ورفع الانقاض وتهيئة الموقع لتحويله الى منتجع المفتية عن طريق الاستثمار”.
لجنة التهديم بدلا من لجنة التقييم او الترميم. بتوجيه من الوزير جبار لعيبي شكلت وزارة النفط/الدائرة الادارية بموجب كتابها المرقم 19409 في 16/5/2017 لجنة “تتولى الاشراف على اعمال تاهيل ورفع الانقاض والشطب واعمال التسوية في منتجع المفتية” و “تمنح اللجنة الصلاحيات الادارية والمالية التي تمكنها من انجاز اعمالها”؛ اي ان مهمة هذه اللجنة حصرا هي تهديم المستودع دون اي اعتبار او مراجعة او تقييم او ترميم وتحديث المستودع بالضد من التوصيات السابقة. كما توجد “لجنة مركزية مشكلة بموجب الامر الوزاري المرقم 45378 في 26/11/2017… معنية بمتابعة تنفيذ توجيهات.. وزير النفط المتعلقة بالمشروع.. وباتصال مباشر مع مكتب الوزير”.
كان التوجيه والتوجه وبوضوح هو استكمال تهديم المستودع باسرع وقت بغض النظر عن الدراسات والدعوات التي تدعو الى الابقاء على المستودع وتحديثه. وهذا ما اكد عليه ايضا كتاب ديوان الرقابة المالية الاتحادي/دائرة تدقيق المنطقة الثانية عدد ن/14/28/2/14913 في 3/7/2019 حيث اشار الى “وجود دراسات لكيفية اعادة تأهيل الخزانات الروسية وملحقاتها في مستودع المفتية تم ايقافها… نتيجة لتوجيهات وزارة النفط باخلاء مستودع المفتية من كافة المتعلقات النفطية في موعد اقصاه نهاية عام 2016”.
للتحقق من سرعة تفكيك المستودع وبيع اجزاءه بالمزايدات العلنية فقد قمت بمراجعة ارشيف مناقصات شركة توزيع المنتجات النفطية – هياة توزيع الجنوب/ فرع البصرة ووجدت العديد من المناقصات المتعلقة ببيع العديد من المواد والمكونات المتعلقة بتفكيك مستودع المفتية. وان تاريخ اعلان اول مناقصة كان في 17 ايار 2017 وتتعلق ببيع (انابيب وخزانات متضررة وبكمية الفي طن تقريبا)، وتبعتها مناقصات اخرى لبيع بقية مكونات المستودع وخاصة الخزانات والهياكل الحديدية والانابيب وغيرها.
هذا يعني ان عملية تفكيك المستودع بدأت فعليا ومباشرةُ بعد زيارة جبار لعيبي للشركة في 4 شباط 2017 حيث تم اعداد كافة اجراء اول مناقصة لبيع المواد بعد ثلاثة اشهر فقط من تلك الزيارة. علما ان عملية بيع المواد يتطلب القيام بإجراءات يجب ان تتم وفق المتطلبات والاسس التي وردت في قانون بيع وايجار اموال الدولة رقم 21 لسنة 2013 المعدل. اي ان عملية تفكيك المستودع تمت بسرعة قياسية غير معهودة!!!!
مفاتحة مجلس الوزراء والتفسير الخاطئ المقصود للتوجيهات
الغريب في الامر ان الوزير جبار لعيبي رفع كتاب الى الامانة العامة لمجلس الوزراء/الامين العام عدد(و/387 في 7 آب 2017) بعنوان “مشروع تطويري وترفيهي في محافظة البصرة” بعد ان تمت عملية تفكيك المستودع بتوجيه الوزير فقط ودون علم او موافقة رئيس مجلس الوزراء او الجهات العليا المعنية.
بعد الدراسة الدقيقة لصيغة ومحتويات هذا الكتاب اتضح ما يلي:
اولا؛ لم يذكر الوزير في الفقرات (1) و(2) الكثير من الحقائق المهمة، التي تؤكدها الوثائق (كما ذكر اعلاه) التي تم الاطلاع عليها، التي تشير الى اهمية مستودع المفتية والتقارير الفنية الهادفة لزيادة طاقته الخزنية والعديد من مكوناته التي كانت تعمل الى ان تم تفكيكها بموجب توجيهات الوزير. كما يتضح عدم ادراك الوزير لأهمية وتعقيد مشكلة تمليك اراضي المستودع لانه لم يذكرها مطلقا باستثناء ذكر المساحة (التي تتناقض ايضا وبالكامل مع ما هو مثبت في الوثائق)؛ علما ان الوثائق تشير وبوضوح الى وجود اعتراضات ومشاكل معقدة وتعدد الملكية وان قسم من تلك الاراضي قد خصصت بموجب قوانين ولا يجوز التصرف بها إلا بعد الغاء او تعديل تلك القوانين (كما سيوضح لاحقا)؛
كما كان الوزير على خطأ ويناقض نفسه؛ ففي الوقت الذي يبرر فيه تفكيك مستودع المفتية لانه قريب من “نهر شط العرب” وهذا يتعارض، حسب رايه الخاطئ، مع “المعايير العالمية” التي تحتم ان تكون المستودعات “في مواقع خارج المدن وبعيدا عن مياه الانهر والمسطحات المائية”، وهذا غير صحيح بالمطلق بالنسبة لمستودعات المنتجات النفطية، فانه يعود ليناقض نفسه بالقول “فقد اتخذ قرار ببناء مستودع اخر بديل وحديث في منطقة الشعيبة وعلى شط البصرة”. فهل “نهر شط العرب” مسطح مائي و”شط البصرة” (جزء من المصب العام او النهر الثالث والذي تستخدم جزء من مياهه لأغراض حقن الماء في الابار النفطية) جاف ومندثر؟ وهل يقع مستودع المفتية في “محيط سكني” بينما منطقة الشعيبة مهجورة؟؟؟
ثانيا؛ ان جوهر مقترح الوزير يدلل على اولوياته المقلوبة (او بالأحرى اولويات خاطئة) حيث ما اقترحه لا يتناسب مطلقا مع الظرف الاقتصادي والمالي والامني الصعب الذي كان يواجه العراق في حينة وطيلة فترة استيزاره بسبب: انهيار اسعار النفط، التدمير الذي قام به تنظيم داعش والتكاليف الهائلة لمحاربة داعش، العجز الكبير في موازنات اعوام 2016-2018، استيلاء حكومة الاقليم على بعض حقول النفط في الشمال، استفتاء انفصال الاقليم، محدودية صادرات نفط كركوك عبر تركيا؛ وغيرها.
اما البصرة، كغيرها من المحافظات الجنوبية، كانت ولا زالت تعاني من شحة الكهرباء والماء الصالح للشرب والخدمات الصحية والمدارس وغيرها من الخدمات الاساسية اضافة الى مستويات البطالة المرتفعة. فهل تُحَلْ هذه المشاكل بايجاد “حديقة حيوانات عالمية المواصفات” و “نهر صناعي يخترق الموقع” يربط بين طرفي شط العرب و “شاليهات ومنصات مائية” و “مدينة مائية” وغيرها التي تضمنها مقترح الوزير!!!
ثالثا: ادرج الوزير عناوين ثلاثة مقترحات/بدائل دون ان يقدم اي تقييم او دراسة او تقديرات الكلف الرأسمالية والتشغيلية والعوائد او الفوائد المتوقعة او سلبيات كل مقترح/ بديل. كما انه لم يتناول مطلقا الكلف والخسائر المترتبة عن تفكيك المستودع ولم يذكر مطلقا الطاقات الخزنية المتاحة حاليا (في حينه) التي سيعتمد عليها للتعويض عن الطاقة الخزنية لمستودع المفتية لحين بناء طاقات خزنية جديدة. وهذا يدلل على عدم دراية الوزير باهمية وكيفية تقييم الجدوى والمفاضلة بين البدائل المقترحة وضرورة ذلك لاتخاذ القرار بشانها؛
رابعا؛ يقترح الوزير “اطلاع” رئيس الوزراء على “المعالم الرئيسية للمشروع”، وفي حالة موافقته يقترح عرضه على مجلس الوزراء “لمناقشة المشروع الحيوي وتنفيذه باحد المقترحات” الثلاثة المشار اليها اعلاه. يبدوا ان الوزير لم يضع في حسبانه احتمالية “عدم موافقة رئيس الوزراء او عدم موافقة مجلس الوزراء” على مقترحه؛ وفي هذه الحالة ماذا سيفعل بعد ان قام بتفكيك المستودع وما يعنيه ذلك من كلف اقتصادية هائلة مباشرة وغير مباشرة وفي الوقت الذي يحتاج القطاع النفطي الى الطاقة الخزنية التي كان يوفرها المستودع، كما ذكر اعلاه. وهنا نتساءل: هل يعكس هذا التصرف اي حكمة ونضوج وفهم لأبسط قواعد ومتطلبات المسؤولية الادارية والقيادية لاهم قطاع في الاقتصاد العراقي ام هو جهل بسياقات العمل الرسمي على المستويات العليا؟ هل تعمد الوزير وضع رئيس الوزراء ومجلس الوزراء “امام الامر الواقع” لتمرير ما بذهنه؟ ام هو استخفاف بسلطة رئيس الوزراء ومجلس الوزراء؟ ام ان هذا السلوك يعكس خلفية “نفذ ثم فاتح” (وهو مماثل لسلوكية “نفذ ثم ناقش”) التي تتصف بها العقليات النرجسية التسلطية؟ ام غير ذلك او كل ذلك؟
اجابت الامانة العامة لمجلس الوزراء بموجب الكتاب رقم ق/2/1/7/32569 في 9/10/2017 على كتاب وزارة النفط اعلاه ببيان ملاحظات على المقترحات الثلاثة الواردة فيه. وعلى قدر تعلق الامر بمقترح الاستثمار نص كتاب الامانة “بالنسبة للمقترح (ت) الخاص بتنفيذ المشروع بطريقة المساطحة الاستثمارية نشير الى عدم وجود مانع من التنفيذ على وفق احكام قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل مشيرين الى احكام المادة (10/ثالثا.أ) التي عالجت الموضوع” وطلبت تزويدها “بصورة قيد العقار المراد انشاء المشروع عليه” وطلبت ايضا من كل من الهيئة الوطنية للاستثمار وهيئة استثمار محافظة البصرة “بيان الراي” بما ورد بكتاب وزارة النفط و “اعلامنا في حالة كون الموضوع يتعلق بتطبيق قانون الاستثمار رقم 13 لسنة 2006 المعدل”.
يتضح من كتاب الامانة اعلاه ما يلي:
1-ان ما تضمنه الكتاب “نشير الى عدم وجود مانع” انما يشير الى عدم وجود مانع في حالة كذا وكذا وهذا لا يشكل موافقة ولا يمكن ان يفسر على انه “موافقة” حتى من قبل الامانة العامة ؛
2- كذلك يطلب الكتاب تزويد الامانة بمعلومات مهمة اضافية، وهي قيد العقار ورأي هيئتي الاستثمار، لم تكن متاحة للامانة، مما يعني ضرورة توفيرها كي يمكن اتخاذ قرار بشانها، فكيف يفسر كتاب الامانة على انه موافقة في حين انها تطلب معلومات تتعلق بالموضوع؛
3- لا يشير كتاب الامانة مطلقا انه تم عرض الموضوع على رئيس الوزراء او على مجلس الوزراء التي طلبها الوزير بالنص، فكيف تفسر الوزارة رد الامانة على انه تلبية لما طلبه الوزير؟ الم يكن من الواجب والمسؤولية ان تقوم وزارة النفط بتزويد قيد العقار واعادة مفاتحة الامانة العامة بعرض الموضوع على رئيس الوزراء او على مجلس الوزراء؟؟!!
التناقض والتغيير من هدف المشروع المقترح
تظهر المراسلات والتصريحات والمذكرات تناقض واضح للعيان او عدم وضوح الرؤيا او تغيير الهدف من المشروع الذي من اجله تم تفكيك مستودع المفتية. كما ذكر اعلاه طرح الهدف اولا على انه تحويل الموقع الحالي الى ” متنزه عائلي على نفقة الوزارة”، حسب ما ذكره الوزير في 4/2/2017 ثم تغير الى “منتجع المفتية عن طريق الاستثمار” خلال اقل من شهرين بعد ذلك التصريح!!.
اما الهيئة الوطنية للاستثمار فتشير بموجب كتابها عدد 2305 في 24/7/2018 الى التزام الجهة المالكة، وهي شركة توزيع المنتجات النفطية،” بمفاتحة دائرة التسجيل العقاري في البصرة لإفراز وتثبيت جنس العقار ويشمل (سكني، تجاري) وتوحيدها بسند عقاري واحد”؛ اي اصبح هدف المشروع الاستثماري سكني تجاري!
جاء بكتاب وزارة النفط/الدائرة القانونية رقم 35178 في 3/9/2018 بان الجدوى الاقتصادية من انشاء المشروع هو انشاء مجمعات (سكنية وترفيهية) لموظفي وزارة النفط من سكنة محافظة البصرة!!!
في مذكرة (عدد 1259 في 24/3/2019) بخط يد وزير النفط السابق ثامر الغضبان تتعلق بلقائه مع “حسين السجواني/رئيس الشركة الاماراتية (التي اتفق الوزير جبار معه بشان المشروع) كتب “ذكر انه (اي حسين)- بناء على مقترح الوزارة سابقاً- قد ابدى استعداده لتشييد مشروع سكني/ترفيهي/سياحي — واجه المشروع بعض المشاكل…. وهو لا يزال مستعدا ان طلبت الوزارة منه تنفيذ المشروع”
اجد من الضروري جدا تسجيل الملاحظات التالية:
لم يرد مطلقاً ذكر “مجمع او مشروع سكني او تجاري” في كتاب الوزير جبار الى الامانة العامة لمجلس الوزراء المذكور اعلاه، فكيف ومتى واستنادا الى موافقة اية جهة عليا تم اضافة مجمع او مشروع سكني او تجاري الى مكونات المشروع الذي اقترحه الوزير جبار والذي لم تحصل موافقة اية جهة عليا عليه اصلا، كما ذكر اعلاه؛
ان قول وزارة النفط/الدائرة القانونية بان الجدوى الاقتصادية من انشاء المشروع هو انشاء مجمعات (سكنية وترفيهية) لموظفي وزارة النفط من سكنة محافظة البصرة أمر غريب للغاية وغير مسبوق وبالتاكيد غير صحيح لان الجدوى الاقتصادية لأي مشروع تعني القيام باعداد الحسابات التي تتعلق بكلف وعوائد كافة المتغيرات واستخدام الوسائل والمؤشرات في تقدير الجدوى الاقتصادية وتحت افتراضات وحالات معينة وعديدة باستخدام منهجيات كمية معروفة وليس حسب مقولة “وفسر الماء بعد الجهد بالماءِ”؛ وهل اتفقت الدوائر المعنية بالدراسات الفنية والاقتصادية في مركز الوزارة على هذا التفسير الفريد للجدوى الاقتصادية الذي ابتكرته الدائرة القانونية؟؟ علما اننا في شركة النفط الوطنية العراقية في عقد سبعينات القرن الماضي كنا نقوم باعداد دراسات الجدوى الاقتصادية وانني شخصيا قمت بكتابة دليل عن كيفية اعداد الجدوى الاقتصادية للمشاريع النفطية.
لوحظ تغير هدف المشروع من متنزه عائلي لأبناء البصرة الى “مشروع تطويري ترفيهي” الى “منتجع استثماري” الى “سكني تجاري” الى انشاء مجمعات (سكنية وترفيهية) لموظفي وزارة النفط حصرا من سكنة محافظة البصرة حصرا!!!!. وعلينا ان نتساءل هل هذا التغيير في الهدف دليل على التخبط وعدم وضوح الرؤيا بل والتناقض في توجهات وزارة النفط، ام هو تطبيق عملي لمبدأ تهيئة الاقناع المتدرج للتغطية على الهدف الحقيقي (المُبيت) من تفكيك المستودع: اي البدء بالتركيز على الاعتبارات الاجتماعية (متنزه عائلي) ثم الترويج الى الهدف الحقيقي (مجمعات سكنية تجارية استثمارية) وذلك بعد بدء عملية تفكيك المستودع!! فهل هذه حالة خداع ام استخفاف ام تجاهل ام تسويف ام ماذا؟
مشكلة ملكية الارض والعقارات
اظهرت الوثائق تباين تقديرات المساحة التي سيقام عليها المشروع المقترح وتعقيد ملكية اراضي مستودع المفتية التي لم يذكرها الوزير جبار في مذكرته الى الامانة العامة لمجلس الوزراء المذكورة سابقاً.
ذكر الوزير جبار ان مجموع مساحة المشروع هي 500 دونم في حين تذكر شركة توزيع المنتجات النفطية ان مساحة موقع المفتية الكلية 249 دونم. فما سبب مضاعفة الوزير جبار للمساحة، ام انه ينوي ضم اراضي اضافية تعادل مساحة المستودع، ولكن من يملك هذه الارض الاضافية؟ وكيف ومتى سيتم استملاكها ومن يتحمل دفع قيمة هذه الارض بهدف استملاكها لأغراض المشروع المقترح؟
اعترضت شركة توزيع المنتجات النفطية على تقدير بدلات الايجار والبيع لاراضي موقع المفتية لانها لا تتناسب مع القيمة الحقيقة التي تم اعتمادها عند استملاك الشركة لتلك الاراضي، وبالتالي فان تلك التقديرات “تضر بمصلحة شركتنا من الناحية المالية” (كتاب الشركة عدد 43956 في 30/7/2018). فلماذا تم تقييم تلك الارض في عام 2018 باقل من سعر شرائها في عام 2011، علما ان اسعار الاراضي تتزايد، ولا تتناقص، بمرور الزمن!!! وهل تم ذلك التقييم المنخفض لقيمة الارض لصالح الشركة الاستثمارية الاماراتيه على حساب شركة توزيع المنتجات النفطية؟ وهل هذا ناجم عن جهل او فساد او تجاهل للمصلحة الوطنية او عدم المحافظة على الممتلكات العامة؟؟ كما ان معالجة هذه القضية بالذات من قبل الهيئة الوطنية للاستثمار (بموجب كتابها رقم 2084 في 13/8/2018 الموجه الى مكتب وزير النفط) يؤشر على مدى تعقيد الموضوع وزيادة اللايقين القانوني بشكل كبير لمساحة الارض قيد الاعتراض، علما ان هناك تفاوت في تقدير تلك المساحة بين 53 دونم و57 دونم و59 دونم؛
يشير كتاب شركة توزيع المنتجات النفطية رقم 16854 في 5/11/2008 الى ان قسم من اراضي المفتية قد تم وضع اليد عليها “للمنفعة العامة باقامة مستودعات الخزن..” استنادا الى قراري مجلس قيادة الثورة (المنحل) المرقم 1443 في 16/8/1969 والمرقم 160 في 25/1/1971. وهنا تبرز الاشكاليات القانونية التالية التي تشير على مدى تعقد مشكلة ملكية الارض: أ- بما ان وضع اليد على الارض تم بموجب قرارات المجلس المذكور المنحل فان التصرف في ملكية الارض يتطلب الغاء تلك القرارات وبعكسه فان ذلك يعتبر مخالفة دستورية (المادة 130 من الدستور)؛ وهذا ايضا قد يفتح الباب للطعن “بقرارات وتعليمات واجراءات” وزارة النفط امام المحكمة الاتحادية العليا، استنادا الى المادة (93)- ثالثا من الدستور؛ ب- ان تخصيص ارض المفتية لأغراض الاستثمار من قبل الشركة الاماراتيه يلغي مبرر “المنفعة العامة باقامة مستودعات الخزن..” لوضع اليد او حتى استملاك تلك الارض بشكل اصولي؛ وهذا قد يعطي الحق القانوني لاصحاب الارض الاصليين او ورثتهم باقامة الدعوى وطلب اعادة استملاك الارض تطبيقا لمبدا تغير الظروف وانتفاء مسببات وضع اليد. وهذه المسالة معقدة قانونيا ولها جوانب اقتصادية مهمة تتعلق بتقييم الارض وتحديد حقوق الملكية، وما يترتب عليها، عندما تصبح تلك الارض فرصة استثمارية خاصة ولشركة اجنبية؛
رغم كل هذه التعقيدات، وربما غيرها، نجد من الغريب جدا وغير المعتاد على الاطلاق ان توجه وزارة النفط/ الدائرة القانونية (بموجب كتابها رقم ق3/20040 في 17/5/2018 ) شركة توزيع المنتجات النفطية بتسليم ارض المفتية الى شركة دايكو العالمية القابضة المحدودة ” خلال فترة اسبوع واحد على ان تستكمل باقي الاجراءات والمتعلقات لاحقاً” استجابتاً لكتاب الشركة المذكورة رقم 135 في 17/5/2018. وهنا لابد من تسجيل ما يلي: أ- ان تاريخ جواب الوزارة جاء في نفس يوم وتاريخ كتاب الشركة؛ وهنا نتساءل هل بعد هذه الكفاءة في الاداء اي كفاءة ام ان هناك تنسيق عالي المستوى وغير مسبوق لتسليم الارض رغم عدم وجود اية موافقة رسمية من الجهات العليا على المشروع؟؟؟؟ ب- ان ما ورد في كتاب الهيئة الوطنية للاستثمار/القانونية عدد 2305 في 24/7/2018 المتعلق بالتزامات الجهة المالكة (شركة توزيع المنتجات النفطية) يضع الكثير من الشكوك على صواب وقانونية توجه وزارة النفط/ الدائرة القانونية (بموجب كتابها رقم ق3/20040 في 17/5/2018 ) المذكور اعلاه!!!
اعلنت وزارة النفط، يوم الخميس 26/4/2018 عن توقيع العقد النهائي مع شركة (دايكو) الاماراتية لتنفيذ منتجع المفتية السياحي. ولكن كتاب شركة دايكورقم 155 في 30/5/2018، الموجه الى مدير عام شركة توزيع المنتجات النفطية والموقع من قبل ” المخول بالتوقيع – ماجد حسين الغزالي” يشير الى اجتماعه مع الوزير جبار في ذلك اليوم. الغريب وغير الاعتيادي ان ترسل الشركة “المسودة النهائية لعقد استثمار ارض المفتية” كمرفق لكتابها وتطلب شركة دايكو من مدير عام شركة توزيع المنتجات النفطية “الاطلاع وابداء الراي لتحديد موعد نهائي لتوقيع العقد المرفق”!!!!!!!!!!!!!!! في ضوء هذه الممارسات الغريبة وغير المعهودة وتناقضها الواضح نسجل ما يلي:
كيف يمكن لوزارة النفط ان تعلن انها وقعت على العقد النهائي في 26/4/2018 في حين ان العقد لم يوقع كما يظهره كتاب الشركة الاستثماري في 30/5/2018 فلماذا اعلنت الوزارة معلومات خاطئة ومضللة؟
لماذا لم يوجه الوزير جبار شركة توزيع المنتجات النفطية ببيان الراي بشان مسودة العقد فهل كان يعتقد بان مسودة العقد جيدة لا تحتاج الى مراجعة اي طرف، ام انه اراد فرضه على شركة توزيع المنتجات النفطية ، ام انه ترك المهمة الى ممثل شركة دايكو للقيام بها وهل هذا يتفق مع سياقات العمل القيادي للقطاع النفطي؟؟؟
قامت شركة توزيع المنتجات النفطية/هياة توزيع الجنوب/البصرة/ القسم الفني/الهندسة المدنية بموجب كتابها عدد 178 في 20/6/2018 بادراج العديد من الملاحظات على مسودة العقد. وهنا اتساءل هل تم اخذ هذه الملاحظات بنظر الاعتبار وتم تعديل مسودة العقد نتيجة لذلك؟ وهل قدمت الجهات الاخرى في الشركة (القانونية والمالية واقسام الرقابة والتدقيق) ملاحظاتها على مسودة العقد؟ وهل تم توحيد جميع الملاحظات على مسودة العقد وارسالها الى الوزارة او الى شركة دايكو او غيرهما وما مصير تلك الملاحظات؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
جهود ديوان الرقابة المالية الاتحادي الموقر
اخذ ديوان الرقابة المالية الاتحادي زمام المبادرة وبدا بالتقصي وتناول موضوع تفكيك المستودع بشكل متواصل. فقد وجه الديوان (دائرة تدقيق المنطقة الثانية/الهيئة الثالثة/النفط الاولى بكتابه عدد 205 في 22/6/2017) حيث ذكر بعد ورود” بعض الاخبار في وسائل الاعلام المرئية والمسموعة عن نية قيام وزارة النفط بتحويل موقع المفتية..” وطلب من الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية/هيئة الجنوب تزويد الديوان بالمعلومات والاوليات التي تضمنها الكتاب.
لقد بين كتاب الديوان (دائرة تدقيق النشاط الصناعي) عدد: 11/28/2/947 بتاريخ 29/7/2018 “ان وزارة النفط تقوم بإزالة هذا المستودع وتنفيذ مشاريع” ….”لا تتعلق بنشاط واختصاص وزارة النفط” وطلب تزويد الديوان بالمعلومات المتعلقة بثمانية امور ليتسنى للديوان “استكمال اعمال الرقابة والتدقيق”.
وقد وجه الديوان (دائرة تدقيق المنطقة الثانية/الهيئة الثالثة/النفط الاولى) كتابه المرقم 339 في 30/9/2018 الى الشركة العامة لتوزيع المنتجات النفطية/هيئة الجنوب/فرع البصرة-مدير الهيئة، يرجو فيها تزويد الديوان “بالأوليات والمعلومات” المبينة بالكتاب خلال مدة حددها الكتاب، مذكرا ان عدم الاجابة على مراسلات ومذكرات الديوان يعتبر مخالفة مالية حسب قانون الديوان رقم 21 لسنة 2011 ومحذرا “وبخلاف ذلك سيتم مفاتحة مراجعنا بالموضوع واعلامهم بامتناعكم عن الاجابة واعتذارنا عن ابداء راينا بصحة الاجراءات المتخذة من قبلكم بهذا الموضوع”. تنفيذا لما ورد في كتاب الديوان اعلاه ارسل مدير هيئة توزيع الجنوب الكتاب رقم 16503 في 8/10/2018 مع كافة الاوليات المطلوبة (مما عرض مدير الهيئة الى العقوبات والتهديد كما سأتناوله لاحقا).
تضمن كتاب الديوان (دائرة تدقيق المنطقة الثانية) عدد: ن/14/28/2/14913 في 3/7/2019 معلومات وتفاصيل وبيانات مهمة تتعلق بمستودع المفتية وتؤيد بمجملها ما تضمنته هذه الداخلة، وعليه ارى ان تكون تقارير الديوان الموقر من الوثائق التي يجب الاسترشاد بها عند اجراء التحقيقات القانونية.
قرار وزارة النفط حول المشروع، بعد التغيير الوزاري 2018
اوصت الدائرة الفنية في وزارة النفط (بموجب مذكرتها المرقمة 6884 في 10/7/2019 بابقاء مستودع المفتية بعهدة الوزارة. وقد صادق الوزير (الجديد في حينه) ثامر الغضبان على هذه التوصية مؤكدا بعدم تحويل المستودع الى مشروع اخر ويتم تطويره واستغلاله وفق توصيات الدائرة المذكورة. جاء ذلك بكتاب الدائرة الفنية في الوزارة رقم 7959 في 18/8/2019.
ومن الجدير بالذكر انه لغاية شهر نيسان 2019 لم يتم انجاز وادخال للخدمة اي خزان للخدمة في مستودع الشعيبة وذلك بدلالة ما ورد بكتاب الدائرة الفنية لوزارة النفط رقم ف1/2/183/4185 في 23/4/2019، المعمم بموجب برقية وزارة النفط/الدائرة القانونية عدد 5132 في 11/11/2019. وهذا يدلل على عدم مصداقية وفشل الوزير الاسبق جبار لعيبي في اضافة اية طاقة خزنية في موقع الشعيبة بعد سنتين ونصف من تفكيك مستودع المفتية!!!!!!
كذلك من المهم الاشارة الى كتاب شركة توزيع المنتجات النفطية عدد 23520 في 11/6/2019، الموجه الى وزارة النفط/مكتب وكيل الوزارة لشؤون التوزيع؛ حيث يؤكد الكتاب الى ان المشروع الاستثماري في موقع المفتية “ليس له جدوى اقتصادية كما وانه لا يدخل ضمن نشاطات شركتنا التي تم النص عليها في النظام الداخلي وخصوصا انه ظهرت حاجة للأرض تتمثل في انشاء مستودع جديد… ” على الرغم من وجود بعض التباين بشأن الجدوى الاقتصادية التي ذكرتها نفس الشركة بكتابها المرقم 22188 في 28/5/2019 تعقيبا على “السؤال البرلماني” الذي وجهه النائب د. جمال عبد الزهرة المحمداوي بموجب الكتاب عدد 464 في 6/5/2019.
ولا بد من الاشارة ايضا الى كتاب شركة المنتجات النفطية/هيأة الشؤون القانونية عدد 13163 في 18/11/2019 (عاجل جدا م/قرار قضائي- طلب شكوى) الذي يشير الى برقية الدائرة القانونية في الوزارة اعلاه ويطلب من هيئة توزيع الجنوب/فرع البصرة “احاطة هياة النزاهة بالموقف النهائي والصريح لشركتنا واعتبار ذلك من الامور الهامة والمستعجلة”. وهذا يدلل على مفاتحة الشركة المذكورة لهيئة النزاهة حول موضع المستودع ويشير الى تقديم شكوى الى تلك الهيئة.
العقوبة والتهديد لمدير هيئة توزيع الجنوب
اصدرت وزارة النفط/الدائرة الادارية كتابها عدد 42202 في 22/10/2018 بعنوان ” امر وزاري” استنادا الى توجيه الوزير جبار لعيبي تضمن: اعفاء حيدر جبار عبد الله- من مهام منصب مدير هيئة توزيع الجنوب التابع الى شركة توزيع المنتجات النفطية؛ توجيه اليه عقوبة لفت نظر؛ ينقل الى شركة المشاريع النفطية بدون الدرجة الوظيفية؛ ينفذ الامر الوزاري من تاريخ 21/10/2018.
يمكن تسجيل الملاحظات التالية على هذا الامر الوزاري:
لم يذكر الكتاب اي اسباب او خلفية ادت الى توجيه الاعفاء والعقوبة والنقل باستثناء “توجيه الوزير بتاريخ 20/10/2018 المثبت على مذكرة مكتب الوزير ذاته بعدد (و/718 في 21/10/2018. فكيف “يثبت” توجيه الوزير في يوم سابق لتأريخ المذكرة ذاتها؟؟؟؟؟؟
الموظف المعني يحتل موقع قيادي في هيئة توزيع الجنوب، يعمل في شركة عامة تابعة لوزارة النفط ولكنها تتمتع بالاستقلال الاداري والمالي ولها مجلس ادارة ومدير عام فكيف يتم الاعفاء والعقوبة والنقل دون شكوى من او علم الشركة العامة ذاتها او التنسيق معها بل ارسلت نسخة من الامر الوزاري للشركة “للاطلاع واتخاذ الازم” : اي للتنفيذ حصرا؟ ألا يؤثر هذا الامر الوزاري على سير العمل في الهيئة المعنية خاصة وانه نفذ باثر رجعي (قبل تاريخ اصداره!!!!) دون تسمية البديل؟ وهل يعتبر ذلك تجاوزا للوزير واساءة في استخدام صلاحياته ودليل على افتقاره للحكمة والمعرفة الادارية القيادية؟
تزامن تحرير واصدار الامر الوزاري بعد قيام الموظف المعني بأداء واجبه والاجابة بموجب كتاب هيئة توزيع الجنوب رقم 16503 في 8/10/2018 على كتاب ديوان الرقابة المالية الاتحادي (رقم 329 في 30/9/2018). وهنا نتساءل: هل هناك من علاقة بين ارسال هذه الاجابة الى ديوان الرقابة المالية الاتحادي والامر الوزاري بتوجيه الاعفاء والعقوبة والنقل؟ وان كانت هناك علاقة، فهل يشكل اجابة الديوان مخالفة يعاقب عليها بتوجيه الاعفاء والعقوبة والنقل، علما ان عدم الاجابة على كتاب الديوان يعرض هيئة توزيع الجنوب للمخالفات المالية، كما ذكر اعلاه؟ هل تم الاتصال بالموظف المعني من قبل الوزير جبار او من مكتبه قبل او بعد اصدار الامر الوزاري اعلاه وماذا كان موضوع الاتصال ولغته وهل تضمن نوع من التهديد المباشر او المبطن؟
وبعد قرار الوزارة بابقاء المستودع بعهدتها اقترحت شركة المنتجات النفطية/هيئة توزيع الجنوب بموجب كتابها عدد 831 في 24/9/2019 “اعداد دراسة لاعادة بناء مستودع المفتية بطاقة عملاقة ليكون خزين ستراتيجي لتفادي جميع الازمات المحتملة والاستفادة من الخط الناقل شعيبة – مفتية…..”
بسبب المواقف اعلاه تعرض مدير هيئة توزيع الجنوب الى مجموعة من التهديدات له ولعائلته: فقد تناولت وسائل الاعلام والمواقع الالكترونية تلك التهديدات (منها مثلا موقع الاخبار في 4/11/2018 ؛ موقع بغداد اليوم في 1/4/2019؛ موقع سكاي بسر عراق في 14/4/2019 ؛ وموقع كتابات في 7/6/2020)؛ كما واستنكر كل من النائب الحقوقية نجاح المياحي والنائب هيبت الحلبوسي (كلاهما اعضاء في لجنة النفط والطاقة النيابية) التهديدات التي طالت مدير هيئة توزيع الجنوب، وطالبا بالتحقيق العاجل وتقديم الجناة للعدالة ومحاسبتهم امام القضاة. وقد سبق لمجلس محافظة البصرة توجيه كتاب الى مكتب وزير النفط عدد 5225 في 8/4/2019 يطلب فيها تامين الحماية لمدير هيئة توزيع الجنوب نظرا لتعرضه للتهديدات وحفاظا على حياته. كما طلبت وزارة الدفاع/المديرية العامة للاستخبارات والامن/ مديرية استخبارات وامن محافظة البصرة بموجب كتابها عدد: أم/2/1/735 في 15/5/2019 الاوليات المتعلقة بالتهديد.
النتائج والتوصيات
اولا: تساؤلات وليست اتهامات. تثير المعلومات الواردة اعلاه الكثير من التساؤلات ولا توجه اتهامات؛ فالتساؤل حق مشروع لكل مواطن عراقي داخل او خارج الوطن. اما توجيه الاتهام فانه، ويجب ان يكون حصرا، من صلاحيات وواجبات الجهات التحقيقية الرسمية التي عليها توجيه الاتهامات المحددة بعد اكتمال تحقيقاتها، ثم احالة كافة ملف القضية للقضاء لاصدار حكمه؛
ثانيا: تعتبر قضية تفكيك مستودع المفتية (بالطريقة والسرعة التي تمت بها، والمبررات المتناقضة التي طرحت لتنفيذ المشروع الاستثماري على ارض المستودع بدون حصول الموافقات الرسمية من الجهات العليا وغيرها من التفاصيل الواردة في هذه المطالعة) من القضايا غير المسبوقة والخطرة للغاية وتشكل سابقة سيئة مدمرة لا بد من وضع حد قضائي لها لتكون عبرة للوزراء والمسؤولين في وزارة النفط مستقبلا؛ فالمال العام ومنشئات القطاع النفطي لا يمكن ولا يجوز ان يتم التصرف بها كما يتم التصرف بالممتلكات الخاصة؛
ثالثا: في ضوء ما ورد في هذه المطالعة فانني اتساءل وبالتحديد: هل كان تفكيك مستودع المفتية بسبب الفساد او التخريب الاقتصادي او قرار ارتجالي خاطئ من قبل وزير النفط الاسبق جبار لعيبي؟
وعليه اقترح ما يلي:
اولا: قيام الجهات التحقيقية الرسمية ببدء او استكمال التحقيق في قضية تفكيك مستودع المفتية، وهي هيئة النزاهة الاتحادية و لجنة النزاهة في مجلس النواب والمجلس الاعلى لمكافحة الفساد (فرادا او ضمن جهد منسق) بهدف التقرير ان كان تفكيك مستودع المفتية بدافع الفساد او التخريب الاقتصادي او قرار ارتجالي خاطئ من قبل وزير النفط الاسبق جبار لعيبي؛
ثانيا: في ضوء التحقيق اعلاه يتم توجيه تهمة الفساد او التخريب الاقتصادي او قرار ارتجالي خاطئ اوكل ذلك او بعض من ذلك الى وزير النفط الاسبق جبار لعيبي. وتطلب الجهة (او الجهات التحقيقية المعنية) بالطلب من مجلس النواب رفع الحصانة النيابية عن النائب (حاليا) جبار لعيبي بهدف رفع دعوى قضائية ضده تتعلق بتفكيك مستودع المفتية؛
ثالثا: تقوم الجهة (او الجهات التحقيقية المعنية) بإقامة دعوى قضائية ضد (المتهم) جبار لعيبي وترفع كافة اوراق القضية للمحكمة المعنية لاصدار حكمها القضائي؛
رابعا: ارى ان يقوم مدير هيئة توزيع الجنوب باقامة دعوى امام القضاء الاداري بهدف الغاء الامر الوزاري رقم 42202 في 22/10/2018؛
خامسا: ارى ان يقوم مدير هيئة توزيع الجنوب باقامة دعوى قضائية تتعلق بالتهديدات التي تعرض لها وعائلته بهدف تحديد من يقف خلف هذه التهديدات لينال العقاب القضائي الرادع؛
سادسا: ارى ان تقف منظمات المجتمع المدني والهيئات المدنية الاخرى المعنية بمحاربة الفساد وغيرهم دعم ومتابعة التحقيقات والاجراءات القضائية المقترحة في هذه المطالعة.