عندما تكون النار مندلعة في بيتك، يصبح الحديث عن ما ينقض الوضوء لحظتها ضرباً من السفه!!
د. نزار محمود
أوردت هذه العبارة كعنوان للموضوع تعمداً لالقاء الضوء على ما ننشغل به أحياناً كثيرة بمواضيع تتراوح بين المهمة والأقل أهمية والتافهة حقاً.
وقد يكون من المهم أن ابدأ بالتنويه كذلك إلى أن تحديد “ أهمية” موضوع ما، هو الآخر مسألة نسبية وشخصية. فلا يدعي أحد منا انه يمتلك الميزان الحق في تقدير أهمية الموضوعات، التي هي في كل الاحوال مسألة نسبية في الزمان والمكان وتبعاً للحاجات والرغبات. فما يثير الشباب من موضوعات هي ليست بذلك القدر لدى الشيوخ، والعكس بالعكس صحيح، وهكذا لدى الأغنياء عنهم لدى الفقراء، وقس على ذلك.
وعلى العموم، هناك، بالتأكيد، من المشاركات التي تعيننا على تلمس معايير في الموضوع.
ومنذ اندلاع جائحة كورونا واضطرارها لاعتماد برامج اللقاءات عن بعد، مثل برنامج زوم وغيره، أصبحت تمطرنا المحاضرات والنقاشات. وهي من الناحية المبدئية والنظرية، ظاهرة صحية وصحيحة، لا تشوبها غير ما ينشغل به بعضها، ناهيك عن أسلوب ادارتها.
حديثي اليوم من موضوعات النقاشات التي تغرب بعيداً، وبعيداً جداً عن سلم حاجاتنا الزمكانية الآنية والعاجلة، ناهيك عن أساسياتها. أنا أعرف كيف يمكننا، نحن المثقفين والمتفيقهين، أن نضخم ونكبر ونبالغ في أهمية شيء ما، على الأقل هذا ما نحاوله في تبرير موضوعات تبنيناها. وربما يتعمد البعض في اختيار تلك الموضوعات كنوع من التميز أو التمايز والتظاهر والتبجح!
نحن العرب نعيش هذه الأيام حال تخلف وضعف كبيرين. فقد تكالبت علينا أمم كثيرة في ثأر، تارة، ومن أجل نهب وهيمنة تارة أخرى. ونسينا نحن العرب ما توجب علينا من تعلم وعمل واخلاص وتضحية، شعوباً وحكام. ارتضينا السبات والتقاعس والكسل، وقبلنا التخلف والخنوع والتبعية والاستسلام واليأس. فحل بنا ما حل!
ومن أجل أن ننهض من جديد لا بد لنا من اشتراطات وعمل ما يفيد، في تربيتنا وثقافتنا وفي اطار المساحات الزمنية المتاحة لنا، لا بل والتي يمكن اضافتها من خلال الوعي والابداع والابتكار. ولنا في ذلك أمثلة حية كثيرة في أمم وشعوب اخرى، لا بل وفي حقب من ماضينا.
ما نحتاجه أن نعي أولاً ما نحن فيه من تخلف وضعف، وما هي أسبابه، لكي نتحاور في أولويات ما يهمنا ونبدأ العمل على تجاوز حال ذلك الضعف والهوان. وسيكون من الخطأ أن لا نعي ولا نبدأ العمل، وفي ذات الوقت أن ننشغل بامور وموضوعات تسرق منا الجهد والزمن في ما لا طائل فيه ولا نفع منه قياساً بما يهمنا ويفيدنا من موضوعات.
ولننظر بما ينشغل به الآخرون المتفوقون، وبما نضيع فيه نحن من زمن!!
انه من الجميل ان نتناقش ونتجادل في سبق البيضة على الدجاجة، أم سبق الدجاجة على البيضة! لكنه علينا أن نكون قد وفرناً طعاماً لأطفالنا ودواءً لمرضانا أولاً!
واترك لخيال القارىء اللبيب تصور امثلة كثيرة حول ما ألمحت له.
لنتق الله في كرامتنا وزمننا وما ننشغل فيه!