البيئة والتلوث
د. عدنان الظاهر
البيئة والكيمياء والسموم
مقدمة : في البلدان المتقدمة تكنولوجيا تمثل الزيادة المستمرة في استخدامات المواد الكيميائية السامة او الضارة تهديدا خطيرا للأنسان والأحياء الأخرى نتيجة للتعرض لمثل هذه المواد . وعليه فلقد تمت دراسة آثار المواد السامة والمواد الكيميائية المختلفة من قبل جهات شتى : مؤسسات صناعية ومختبرات حكومية ومعاهد وجامعات ومؤسسات علمية أخرى تخصص البعض منها في دراسة تأثيرات نوع معين من الكيمياويات كالمطهرات والمعفرات ومختلف السموم المستخدمة لقتل الحشرات الضارة . كما أن جهات أخرى قد أولت مسألة تلوث الماء وتنقيته أو تحلية مياه البحار أهمية خاصة لضرورة الماء البايولوجية والصناعية القصوى في عالم اليوم . وبالمثل حظيت مسألة الهواء والتلوث الهوائي وكيمياء الهواء بكافة طبقاته بقدر مساو من الأهمية وذلك بالنظر الى ازدياد حجم التلوث الهوائي في الأقطار عالية التطور الصناعي بوجه خاص , حيث الزيادة المطردة في انتاج عدد السيارات ووسائط النقل الأخرى , والزيادة السنوية الهائلة في عدد المصانع ومحطات القوى الكهربائية والتفجيرات النووية تحت الأرض وعلى سطحها أو في طبقات الجو العليا
أنواع التلوث
لقد تم التركيز في الأعوام الأخيرة على الأقسام الرئيسة الآتية من أشكال التلوث وآثاره الضارة العاجلة منها والآجلة :
1- تلوث الهواء
2- تلوث الماء
3- تلوث التربة
4- النفايات الصلبة المشعة أو السامة وخاصة ما كان منها سريع التسامي أو القادر على التحول بسهولة الى الحالة الغازية في درجات الحرارة العادية وتحت الضغط الجوي المعتاد .
5- قواتل الحشرات
6- الأغذية المعلبة وتكنولوجيا التعليب
7- المواد المشعة المختلفة المستخدمة في الأبحاث العلمية والطب والزراعة والصناعة بل وحتى تلك المستعملة في تأشير الطرق والشوارع الرئيسة سواء في داخل المدن أو تلك الرابطة للمدن .
8- أبحاث السرطان ومسبباته من المواد الكيميائية .
الكيمياويات وصحة الأنسان
يحيا البشر اليوم في بيئة كيميائية حقا لا مجازا . فالهواء الذي نتنفس والغذاء الذي نأكل والتربة التي تنبت فيها أو عليها النباتات جميعها تتألف جميعا من مواد كيميائية . فالكيميائيات تدخل في عمليات نمو الكائنات الحية وفي وجودها ومن ثم في فنائها بالتفسخ . على أن نسبة كبيرة من هذه المركبات والعناصر الكيميائية المتوفرة في البيئة هي الأخرى نافعة بل وضرورية لوجود الكائن الحي ضمن التراكيز المتاحة لها بشكل طبيعي . يناقض هذا أن بعض المركبات الكيميائية الطبيعية الأصل أو المصنعة منها لها تأثيراتها الضارة على العمليات الحياتية أو الحيوية . وعلى هذا الأساس يمكن تقسيم الكيميائيات الى ثلاثة أقسام من حيث علاقتها بصحة الأنسان بالدرجة الأولى :
1- كيميائيات ضرورية لبعض العمليات الحيوية في حدود تراكيز معينة , كالفيتامينات وبعض العناصر الأساسية كالكالسيوم واليود والفسفور والصوديوم والبوتاسيوم … مثلا , ثم الأحماض الأمينية .
2- كيميائيات لا أثر لها على الحياة , بمعنى أنها لا ضارة ولا نافعة كغاز الأرغون النادر ( أو المسمى خطأ بالخامل ) والسليلوز وحجر الغرانيت . أو تلك المواد التي يسهل التعويض عنها كبعض الأحماض الأمينية والكاربوهايدرات .
3- كيميائيات لها تأثير سيء أو ضار أو فتاك كالزئبق والرصاص ومادة
2,3,7,8 -Tetrachlorodibenzo – P- dioxine ( TCDD )
ينبغي ملاحظة أن هذا التقسيم هو في الحق مفيد كتقسيم عام , لكنه تقسيم مبسط من وجهة نظر العلاقة الهامة بين الكمية المأخوذة وحجم أو مدى الأستجابة لها . ذاك لأن الكثير من الكيميائيات الضرورية هو سام في تراكيزه العالية كالنحاس وعنصر السلينيوم وفيتامين D لكنها وكما هو معلوم ضرورية ضرورة قصوى في حدود تراكيزها الواطئة التي تتطلبها الأفعال الحيوية المعتادة لأجهزة وأعضاء الأنسان على سبيل المثال .
يتعرض الأنسان ( كنوذج للكائن الحي ) بشكل مستمر لعدد لا حصر له من الكيميائيات التي تدخل الجسم عادة عن طريق واحد أو أكثر من الطرق الأتية :
1- الفم ( مع المأكولات والمشروبات )
2- التنفس ( عن طريق الرئتين شهيقا )
3- ثم عن طريق الجلد .
علما أن حوالي 95 % من هذه المواد انما يدخل الجسم كغذاء . ومعدل ما يأكله الفرد في اليوم يساوي 2 – 3 باوند أي حوالي كيلوغرام واحد . أما ماء الشرب فيحوي عادة كيميائيات قليلة , بأستثناء بعض الحالات حيث تكون هناك في بعض المياه مركبات غير مأمونة العواقب جراء التسرب غير المقصود أو لفظ مياه المجاري والمصانع وتصريفها في بعض الأنهار دونما أية معالجة سواء أكانت كيميائية أو معالجة بكتريولوجية . وأقرب مثال هو تلوث مياه البحار والمحيطات الدائم بالنفط . فالبحر الأبيض المتوسط قد غدا مستنقعا مشتركا بين القارة الأوربية من جهة والقارة الأفريقية من الجهة الأخرى , اذ تصب فيه ليلا ونهارا أنهار كلتا القارتين حاملة معها نفايات المصانع وكل ما يتيسر حمله من المنابع الجبلية حتى المصبات . انه ( بالوعة ) ضخمة .
أما أبخرة الكيميائيات والغازات السامة والخانقة مثل أكاسيد الكاربون والنايتروجين والكبريت , والأتربة والغبار وخاصة تراب الأسمنت والأسبستوس وأبخرة بعض المركبات الأمينية فطريقها هو بالبداهة طريق الجهاز التنفسي , وتأثيرها المباشر لا شك على الرئتين , الجهاز الأكثر حساسية .
تسحب الرئتان بالنسبة لأنسان متوسط العمر والحجم والفاعلية ما مقداره 20 لترا مكعبا من الهواء في اليوم . و تدخل جسم الأنسان عن طريق الجلد مواد سائلة مثل مواد التنظيف والمذيبات العضوية المعروفة في مختبرات الأبحاث والصناعة كمركب البنزين والكلوروفورم وبعض المركبات الأروماتية الحلقية بل وحتى الأسيتون , مذيب صبغة أظافر النساء الشهير .
أما الأدوية والعقاقير الطبية فبيعها وتعاطيها يخضعان كما هو معلوم لأشراف دقيق منظم اذ أن بعض هذه الأدوية والعقاقير شديد السمية أو ذو تأثيرات صحية جانبية شديدة الخطورة . فالأسبرين الذي يشفيك من الصداع قد يكون سببا في موتك اذا ما تجاوزت أنت الحد الأعلى المسموح به لتناول هذه الحبوب حسب العمر وشدة تفاقم الحالة أو الوضع الصحي العام للمريض . كذلك الأمر بالنسبة للكثير من الحبوب المهدئة للأعصاب أو الحبوب المنومة . وقديما يقول المثل (( اذا زاد الشيء عن حده انقلب الى ضده )) . فالقليل من سم الأفاعي الفتاك يشفي الآن الكثير من العلل. ولعل أكثر استخدامات هذه السموم شهرة هي في القضاء على شلل العضلات والأوتار الرابطة الوقتي الذي ينتج عن الجهد الجسماني الفائق أو حالة ما فوق الأجهاد العضلي .
مصير المركبات العضوية
يعتمد مصير المركب العضوي في الوسط الطبيعي على عدة عوامل منها تركيبه الكيميائي وقابليته على الذوبان في الماء وقدرته على الألتصاق بالسطوح الأخرى وثابت تفككه وقابليته على التحول الى بخار . فضلا عن عوامل أخرى لا تقل أهمية كالتفكك بالماء والتفكك بالضوء الشمسي وتفاعلات الأكسدة والأختزال ثم التحلل البايولوجي أي التحلل العضوي . كما أنه لا يغربن عن البال تأثيرات خصائص الوسط البيئي نفسه كدرجة الحرارة ومعدلات سقوط الأمطار وشدة الرياح والعوامل الجغرافية والمناخية الأخرى سيما كمية المتوفر من غاز الأوكسجين .
تحول المركبات العضوية بفعل تأثير الكائنات الحية عموما وعمليات تحلل هذه المركبات بواسطة الأحياء المجهرية الدقيقة كالبكتريا والأشنات والفطريات المختلفة هي على رأس طرق الأضمحلال البايولوجي لهذه المركبات في الطبيعة, من حيث كمية المادة المتحولة ودرجة التحول أو التحلل الذي بلغته .
توجد المركبات العضوية الطبيعية والمصنوعة في كافة أنواع الترب الأرضية وفي المياه وفي الغلاف الجوي لكن بدرجات متفاوتة . وتتحول هذه المركبات العضوية بيئيا عادة اما بالعوامل الكيميائية أو بالعوامل البايولوجية المذكورة آنفا أو بكليهما معا .
يكون التحول أحيانا بالغ السرعة , مثل حالة مركب سريع التمثيل كسكر الجلوكوز حين يكون موجودا في نهر غني بغاز الأوكسجين وبتجمعات من الأحياء العضوية المجهرية . كما يمكن أن تكون عمليات التحول غاية في البطء , كما هي عليه حالة الحبوب والبذور التي وجدت مخزنة في ظلام قبور الفراعنة المصريين لآلاف السنين والتي انتعشت بعد انبات بعضها في ظروف طبيعية تحت الشمس .
وكذلك الحال بالنسبة لأصباغ الزخارف الملونة ونقوش الخزف العضوية الأصل ( نباتية أو حيوانية ) التي وجدت مدفونة تحت الأرض هنا وهناك . كان التحلل العضوي في هذه الأمثلة الأخيرة بطيئا جدا , ذاك لأن الظروف البيئية لم تكن لتسمح لمثل هذا التحلل وخاصة التحلل البايولوجي . ان سرعة ومدى تحول جزيئة عضوية في البيئة يعتمدان على تركيبها الكيميائي . فبعض الأنواع شديد الأستجابة للتفكك المائي أو للتفكك الضوئي . كما أن من المركبات ما يتحلل ببطء شديد جدا ما لم يتعرض لمرض مايكروبي . وعليه فان هذه المواد وما يماثلها تقاوم التلف وتتراكم على مر الزمن . هذا التراكم وهذه المقاومة يكونان مقبولين بل ومرغوب فيهما عندما تكون المادة غير سامة ولا تتسبب في ظهور أية أعراض جانبية سواء للأنسان أو البيئة نفسها . فهنالك عدة أمثلة لحالات المقاومة الطويلة الأجل والتي هي على درجة كبيرة من الأهمية مثل حالات المواد المستخدمة في البناء المعماري وهياكل بعض وسائط النقل والجسور والطرق العامة . وأفضل مثال يضرب في هذا الصدد مادة اللجنين Lignin التي تشكل كسوة خارجية لصيانة جذوع الشجر وبقية أجزائها السليلوزية
هناك طرق أساسية ثلاثة لتحول المركبات العضوية بيئيا هي :
1- الأضمحلال البايولوجي بواسطة الأحياء العضوية .
2- التحولات الكيميائية – الضوئية تحت تأثير الطاقة الشمسية .
3- التحول بالعامل الكيميائي . وهذا النوع من التحولات لا يستلزم توفر ضوء الشمس .
ففي الطبيعة يمكن أن تقع هذه الأصناف الثلاثة مجتمعة في نفس المكان , مثل حالة بحيرة معرضة لنور الشمس , حيث يصعب التمييز بين هذه الأصناف ولا سيما عمليات الأكسدة البايولوجية والكيميائية . وعلى أية حال فان الأضمحلال البايولوجي هو الميكانيكية التحويلية الأكثر أهمية بالنسبة للتربة والماء . وان الأحياء المجهرية الدقيقة مسؤولة عن القسط الأعظم من عمليات الأضمحلال البايولوجي . كما أنها مسؤولة عن تحويل مركبات عضوية معقدة الى نواتج غير عضوية , الأمر الذي لا يمكن أن تقوم به كائنات حية أعلى منها في سلم التطور.
عاملان أساسيان يجعلان الأحياء المجهرية الدقيقة تلعب الدور الأكثر أهمية في عمليات الأضمحلال البايولوجي هما :
1- سرعة تكاثرها يتبع ذلك سرعة انتاجها لأنواع جديدة من الأنزيمات القادرة على التكيف السريع حسب الظرف والحاجة ونوع الفعالية المطلوب منها انجازها , فضلا عن احتمالات تغير تركيبها بالطفرات .
2- قدرتها الفائقة على التمثيل أي التحويل والهظم . وعلى العموم تزداد سرعة تمثيل الغذاء أو تحويله بزيادة نسبة السطح الى الحجم . وعليه فان البكتريا والفطريات أكثر قدرة على التمثيل من أنواع أنواع الحياة الأعلى والأكثر تطورا . والمثال الطريف التالي يوضح الفكرة : تستطيع البكتريا الخاصة بتخمير سكر اللاكتوز تحليل كمية من هذا السكر أكبر من وزنها بمقدار ألف الى عشرة آلاف مرة في ظرف ساعة زمنية واحدة فقط . في حين يحتاج الأنسان العادي الى ربع مليون ساعة لكي يهظم أو يفكك عضويا كمية من السكر أكبر من وزنه بألف مرة.
ان الأضمحلال البايولوجي هو الميكانيكية الأفضل في سياق التحولات البيئية للجزيئات العضوية , ذاك لأن التحول بالأنزيمات يستمر حتى يبلغ مرحلة تمام تكون المركبات الضرورية للنمو أو التي توظف كطاقة كامنة احتياطية أو أنها تتحول الى مركبات غير عضوية كغاز ثاني أوكسيد الكاربون وغاز الميثان والماء وأكاسيد النايتروجين الغازية وأيون الكبريتات والأمونيوم . على النقيض من هذا نرى أن العمليات الكيميائية أو الكيميائية – الضوئية في الطبيعة لا تنتهي حيث انتهت العمليات الأخرى , أي أنها لا تستمر حتى تمام تحول المواد العضوية الى أخرى ليست عضوية كالأمثلة التي ذكرنا توا . لذلك فمن المتوقع أن تتكون مركبات مجهولة الخصائص السمية ومجهولة القدرة على التشبث والمقاومة . واجمالا ان عمليات التحول في الطبيعة ليست معزولة أو منغلقة على ذاتها . وأن تفاعلات التفكك بالماء أو ضوء الشمس ينجم عنها في الغالب قطع مجتزأة أسرع اضمحلالا من المركب الأصل . كما تجدر الأشارة الى أن الأضمحلال البايولوجي قد يفرز مركبات وسطية عصية على التحول . على أن هذا يمثل استثناء وليس قاعدة في الوسط البيئي . وفي الواقع ان قدرة الأحياء المجهرية الدقيقة على تحويل المركبات العضوية يعتبر اليوم الأساس المتطور الذي تبنى عليه عمليات معالجة الفضلات . ولعل من المفيد ذكر أن مادة DDT التي شاعت كقاتل للحشرات والبعوض (( وتحرم دول كثيرة استعمالها اليوم )) أمكن مختبريا تحويلها جزئيا الى مركب آخر هو P – chlorophenylacetic Acid وتركيبه الكيميائي هو Cl C6 H4 CH2 COOH
والذي أثبت أنه ثابت لا يتحول في المختبر رغم امكانيته على التحول بواسطة أحياء عضوية أخرى متوفرة في الماء والتربة .
عوامل تؤثر في عملية الأضمحلال البايولوجي
هناك عدد كبير من العوامل البيئية المتغيرة التي تؤثر في سرعة ومدى الأضمحلال البايولوجي للمركبات العضوية . من بين أهم هذه العوامل ما يلي :
1- درجة الحرارة
2- تركيز أيون الهايدروجين
3- الماء وملوحة الماء
4- كمية ونوع الغذاء المتوفر للأحياء المجهرية الدقيقة . وكذلك الفيتامينات وآثار المعادن .
5- غاز الأوكسجين المذاب
6- تركيب الأحياء المجهرية الدقيقة
7- ثم قابليتها على التأقلم أو التكيف .
درجة الحرارة
تتبع التفاعلات الكيميائية البايولوجية ( وبضمنها تفاعلات التمثيل الحيوي ) القاعدة العامة التي تقرر أن تزداد سرعة التفاعلات الكيميائية بزيادة درجة الحرارة . ومعلوم أن الفعاليات البايولوجية الدقيقة تحتاج الى الماء السائل , وهذا بالضبط يحدد امكانياتها التفاعلية ضمن درجات حرارة تتراوح بين درجتين تحت الصفر ( في الماء شديد الملوحة اذ أنه لا يتجمد في درجة الصفر المئوي ) وحوالي المائة مئوي . هذا فضلا عن أن أغلب الأحياء المجهرية الدقيقة لا تتحمل انزيماتها الأساسية درجة الخمسين مئوي اذ أنها تفقد في هذه الدرجة خصائصها الأساسية بل وحتى طبيعتها الأنزيمية .
في التجارب المختبرية يمكن مراقبة ودراسة تأثير درجة الحرارة على مزرعة من هذه الأحياء المجهرية , وعلاقة ذلك بنموها ومعدلات استهلاك الوسط الذي زرعت فيه . وبمثل هذه الدراسات يمكن معرفة الحدود الفضلى لدرجات الحرارة . ولكن في وسط بيئي طبيعي يختلف الأمر اذ يصعب هنا تحديد درجات الحرارة الفضلى الأكثر ملائمة لنمو الأحياء المجهرية بسبب تنوع واختلاط التجمعات البايولوجية الدقيقة مع بعضها ( ولكل تجمع خصائصه المميزة ) , وكذلك بسبب التغيرات الحادة التي قد تطرأ أحيانا على ظروف البيئة الفيزيائية نفسها . وأخيرا التركيب الكيميائي لهذه الأحياء .
تركيز أيون الهايدروجين
تتعطل فعاليات معظم الأحياء المجهرية الدقيقة في الأوساط شديدة الحموضة أو شديدة القاعدية . وأن أفضل تركيز لأيون الهايدروجين بلغة PH هو ذاك الذي يتراوح بين 4 – 9 . ولعل من الطريف أن نعلم أن أفضل قيمة بالنسبة للبكتريا هو الرقم 7 , اي الوسط المتعادل أو القريب جدا من التعادل . اما الخمائر والفطريات فانها تتكاثر في الأوساط الحامضية .
كذلك يؤثرتركيز أيون الهايدروجين على نواتج الأضمحلال البايولوجي اذ أن أنسب الظروف لتكون السكريات المتعددة هي قيم PH الواطئة , أي الظروف الحامضية .
هنالك تأثير غير مباشر لقيم PH على عمليات الأضمحلال البايولوجي , اذ أنها تؤثر على سياق التحولات البايولوجية كالتفكك بالماء وعملياتالأكسدة الكيميائية والتفكك الكيميائي . ففي بعض الحالات تكون نواتج مثل هذه التفاعلات الكيميائية قابلة للتحول بدرجات متفاوتة ومغايرة لسياق ونمط تحول المركب الأصل . وأحسن مثال على ذلك هو المركب قاتل الحشرات المسمى Carbamate Insecticides Pyrolam
الذي يقاوم عملية التأكسد البايولوجي , لكن نواتج تفككه بالماء آنية التحول البايولوجي في المياه الطبيعية .
الماء وملوحته
لا تستطيع الأحياء المجهرية الدقيقة أن تقوم بأفعالها الحيوية الا بوجود الماء السائل. كما أن هذا الماء يتغير في خواصه تبعا لما فيه من مواد صلبة ذائبة أو غازات أو مواد أخرى عالقة .
تعتبر ملوحة الماء واحدة من أبرز العوامل المؤثرة في طبيعته وخصائصه . ففي مياه البحار عادة 33 ميلليغرام من الأملاح الذائبة في الليتر الواحد . وأن أغلب هذه المواد المذابة في ماء البحر هي أيونات الصوديوم والكلور مع كميات غير قليلة من المغنيسيوم والكالسيوم والبوتاسيوم وأيون الكبريتات . وجود هذه الأيونات في ماء البحر يجعل مقدار قاعدية هذا الماء ثابتا تقريبا وبحدود 8 – 8,3 بمعيار الأس الهايدروجيني PH .
يتغير مقدار الملوحة في المحيطات أفقيا وعموديا خاصة بالقرب من مصبات الأنهار عذبة المياه . وليس واضحا تماما الآن كيف أن سرعة تفكك المواد العضوية في ماء البحر هي أبطأ بكثير منها في بعض المياه الأخرى ( كبعض المياه الجوفية المرة والمالحة وماء أغلب البحيرات المالحة) التي لها نفس قيمة الأس الهايدروجيني . وبهذا الصدد يرى بعض الباحثين أن بطء تحول المركبات العضوية في مياه البحار معزو الى قدرة هذه المياه على تعطيل فعالية البكتريا ذات المنشأ غير البحري أصلا , والتي جاءت البحر من الأراضي المجاورة له بفعل تأثير الأمطار الجارفة . لقد فسر بعض الباحثين هذه الظاهرة بقلة ومحدودية الغذاء المتوفر أو اللازم توفره للبكتريا , وخاصة النايتروجين , في الوسط البحري . لقد تم اثبات ذلك في دراسة خاصة بحثت تأثير البكتريا على معدلات التحول البايولوجي للعديد من المركبات العضوية في الماء العادي وفي عينات من ماء البحر مع توفير غذاء كاف للبكتريا وتحت ظروف متشابهة . لقد بينت هذه الدراسة أن الفوارق جد قليلة .
الأضمحلال البايولوجي Biodegradation للمركبات العضوية في أعماق البحار وعلى قيعانها الرملية العميقة مغاير لذاك الذي يحصل على سطوحها أو قريبا من هذه السطوح . وهو أمر متوقع حتى بالنسبة للبحيرات العميقة . ان أعماق البحيرات والبحار والمحيطات ليست وسطا صالحا لفعاليات البكتريا , والسبب هو ضعف أو انعدام الضوء الشمسي أصلا في هذه الأعماق السحيقة . كذلك شحة المتوفر من غاز الأوكسجين المذاب في هذه المياه وانخفاض درجات الحرارة والنقص الحاد في كمية الغذاء المتوفر, ثم أخيرا ارتفاع الضغط المائي .
تؤدي النفوط المتسربة من ناقلات النفط العملاقة ومن حقول النفط البحرية وعمليات التنقيب البعيدة عن السواحل وما يرافق هذه العمليات من اخفاقات بسبب عنف الرياح ( كحالة بحر الشمال مثلا ) … تؤدي هذه النفوط الى تشكيل طبقات من النفط الخام تطفو على سطوح البحار مسببة كوارث حقيقية للطيور والأسماك البحرية والقواقع والمحار , فضلا عن تلويث السواحل بالقار والقطران . يسبب هذا الأمر الكثير من القلق لحماة البيئة , ذاك لأن المركبات الثقيلة للنفط الخام تغوص بعيدا تحت سطوح مياه البحر والمحيطات حيث يصل الكثير منها الى القيعان ويبقى مختلطا مع رمال الأعماق . الكثير من هذه المركبات الثقيلة عصي على التحول البايولوجي كالمركبات متعددة الحلقات الأروماتية والتي تمكث تحت الأعماق حقبا طويلة من الزمن .
الغذاء والفيتامينات وآثار المعادن
لا يستطيع بعض الأحياء الدقيقة تركيب كميات كافية من المركبات العضوية كالأحماض الأمينية والفيتامينات و Purines و Pyrimidines الضرورية لنمو هذه الأحياء التي تستهلك النايتروجين . ان كميات قليلة جدا ( آثار Traces ) من المعادن لا شك ضرورية لنمو الأحياء الدقيقة والمايكروبات . لكنها تحتاج الى تراكيز عالية من عنصر الفسفور والكبريت والمغنيسيوم بدرجة أقل . فاذا نقص في الوسط البيئي تركيز واحد من هذه العناصر أو أكثر أدى ذلك الى اضعاف وتائر الأضمحلال البايولوجي للمركبات العضوية . للفسفور والنايتروجين تأثير شديد على فاعلية الأحياء الدقيقة في ماء البحر. لكن تأثير هذين العنصرين أقل في التربة الخصبة أصلا أو المخصبة بالأسمدة الكيميائية أو الحيوانية .
غاز الأوكسجين المذاب
قد يكون الأضمحلال البايولوجي Biodegradation هوائيا أو غير هوائي الطبيعة . بمعنى أنه يمكن أن يجري بوجود أو عدم وجود غاز الأوكسجين الجزيئي كعامل مؤكسد . كلا هذين النمطين من العمليات ضروري في الطبيعة, ويجب أن يؤخذا بعين الأعتبار في عمليات تقويم مقدار الأضمحلال البايولوجي للمواد الكيميائية .
تتضمن عملية التأكسد الهوائي اندماج احدى ذرتي جزيئة الأوكسجين مع الوسيط العضوي المغذي للأحياء الدقيقة , وباتحاد ذرة الأوكسجين الثانية مع الهايدروجين يتكون الماء . تشمل التحولات البايولوجية غير الهوائية عمليات التخمر والتركيب الضوئي البكتيري ( أو البكتريالي … أفضل ) والتنفس غير الهوائي حيث تستهلك غازات أخرى غير غاز الأوكسجين . لهذا النوع من التنفس أهمية خاصة اذ أنه يوظف جزيئات أو أيونات هذه الغازات كعوامل مؤكسدة تتقبل الألكترونات . فمثلا يمكن اختزال أيون النترات الى أيون النتريت Nitrite . كما يمكن تحويل أيون الكبريتات Sulfate الى الجذر الأيوني السالب HS . تسود طرق التنفس غير الأوكسجينية في الأوسلط قليلة الأوكسجين كما في حالة شقوق قيعان البحيرات والأراضي المغمورة بمياه الفيضانات . الجدول في أدناه يبين أنواع التنفس بالأوكسجين والتنفس بغير الأوكسجين والعوامل المؤكسدة
( متقبلات الالكترونات) ثم النواتج النهائية لهذين النوعين من التنفس .
نوع التنفس العوامل المؤكسدة النواتج
– متقبلات الالكترونات –
هوائي الأوكسجين الماء
التنفس النايتروجيني أيون النترات السالب ايون النتريت أو
غاز النايتروجين
اختزال أيون الكبريتات أيون الكبريتات HS السالب
تركيب الميثان ثاني أوكسيد الكاربون غاز الميثان
طريقة التنفس الأخيرة ( بتركيب غاز الميثان ) هي خطوة أخيرة في مسلسل معقد من تفاعلات التنفس غير الهوائي Anaerobic ، وهي عملية هامة في سياق التحول الطبيعي للخضروات . ويعتقد الآن أن لو ترك الكثير من المركبات العضوية المحضرة صناعيا في بيئة غير هوائية لتفككت بالطرق غير الهوائية المذكورة في الجدول السالف .
تركيب الأحياء المجهرية
يتفاوت تركيب عينات من الأحياء المجهرية الدقيقة من بيئة مكانية الى أخرى . بل ويتفاوت هذا التركيب بتفاوت زمن أخذ هذه العينات من البيئة المكانية الواحدة . يتأثر تركيب النوع الواحد وكميته بجملة عوامل منها قيمة الأس الهايدروجيني PH والرطوبة والجفاف وكمية غاز الأوكسجين المذاب , ثم كمية الغذاء المتوفر والتنافس بين الأنواع المختلفة . لكن ورغم كل هذه المعطيات فان معدل ومدى اضمحلال أي مركب عضوي يستجيب لهذا الأضمحلال البايولوجي تكاد تكون ثابتة بصرف النظر عن مصدر ونوع الأحياء المجهرية الدقيقة ( كالبكتريا التي أضيفت الى هذه المركبات العضوية من بيئات مختلفة ) شرط توفر تجهيز غذائي كاف وأوكسجين بالأضافة الى التحكم في بقية المتغيرات .
ان أحد أكثر الأسباب شهرة فيما يخص ديمومة وجود بعض أنواع البكتريا الفعال في وسط بيئي معين يكمن في تكون مركب كيميائي جديد محدد يتحرر في هذا الوسط . وأن هذا النوع من البكتريا قادر على تمثيل هذا المركب الجديد . أي أن المواد العضوية المعينة والمتاحة في وسط ما تكون سببا في تكون تراكيز نوع معين من البكتريا التي تعتاش بدورها عليها . فالمسألة برمتها هي عملية تعايش وتكيف لظروف هذا التعايش . فلقد وجد بالتجربة أنه حيثما وجدت مركبات هايدروكاربونية وجدت معها تجمعات عالية التركيز من بكتريا التعفن القادرة على تمثيل هذه المركبات .
التأقلم والتكيف
لا يعتبر التأقلم – أي التكيف للبيئة – واحدا من عوامل البيئة المتغيرة , لكنه يعتبر عاملا هاما في سياق عملية الأضمحلال البايولوجي للكثير من الجزيئات العضوية سيما المركبات الكيميائية التي يطرحها الأنسان في وسطه البيئي الحياتي.
كما أن المركبات الكيميائية التي يصنعها الأنسان يمكنها التحول بايولوجيا اذا ما كانت المايكروبات القادرة على أداء مثل هذا التحول تستطيع الأفادة من جهازها الأنزيمي الخاص الذي اكتسبته في سياق عملية تطورها .
يعتمد النشاط الأنزيمي في المركبات الكيميائية الصناعية على عاملين
هما :
1- قدرة التجمعات المايكروبية على قبول هذا الوسط الجديد والتعايش معه كوسط غذائي شرط أن يكون تركيبه الكيميائي مشابها ( ليس بالضرورة مطابقا ) لتركيب مركبات موجودة أصلا في الطبيعة قد تحولت واضمحلت بواسطة مثل هذه المايكروبات بعينها .
2- قابلية هذه المركبات الجديدة على استحداث وتخليق انزيمات جديدة في الميكروب قادرة على تحويل هذه المركبات . وهذه بالضبط هي ما يسمى بعملية التأقلم أو التكيف .
الكيميائيات ومرض السرطان
مع تقدم الأبحاث العلمية وتزايد وتائر الأصابة بشتى أنواع مرض السرطان يجري الكشف عن أنواع جديدة من المركبات الكيميائية المسببة لهذا المرض والتي هي قيد التداول الفعلي اليومي كدواء أو غذاء أو بشكل مطهرات ومعفرات ومعقمات تستخدم في المنازل والمستشفيات أو الحقول والمزارع أو في سايلوات تخزين الحبوب وسواها . فلقد استخدمت مادة د.د.تي. DDT على سبيل المثال وما زالت تستخدم على نطاق واسع في بعض بلدان العالم الثالث كبخار قاتل للبعوض وبعض أنواع الحشرات الضارة , رغم أنها كانت من بين أولى الكيميائيات التي جرى التنبيه الى خطورة استعمالها وتداولها . وقد صدرت لوائح قانونية تحرم هذا الأستعمال الواسع النطاق وتدعو الى اتلاف المتوفر منه . وقد وضعت بعض الدول مادة السكرين في قوائم المستحضرات الممنوعة . وهي سكر صناعي خال من السعرات الحرارية يتعاطاها مرضى زيادة السكر في الدم نتيجة نقص كمية الأنسولين التي يتطلبها جسم الأنسان لتمثيل السكر أو خزنه في العضلات . وهكذا تزداد هذه القوائم طولا عاما بعد عام محذرة الناس وخاصة العاملين منهم في مجالات نوعية التخصص من بحث أو تركيب دواء أو تخليق بعض المركبات أو تعدين وتنقيب في المناجم .
أما الضجة العالية التي قامت ولم تزل حول علاقة التدخين بسرطاني الشفة والرئة فلقد بين بعض الباحثين (1) أن عنصر البولونيوم الموجود في بعض أنواع التبوغ هو المسبب الرئيس لهذين النوعين من السرطان وليس مادة النيكوتين . فهذا العنصر الذي اكتشفته العالمة البولونية ( مدام كوري ) يشع دقائق ألفا Alpha وهي نوى ذرات الهيليوم، واليها يعزى سبب الأصابة بسرطاني الشفة والرئة . يجب أن لا يريح هذا الكشف الجديد جمهور المدخنين من حيث أن عنصر البولونيوم المشع غير متوفر في كافة أنواع التبوغ . فهذا هو أول اكتشاف في هذا المضمار , فقد يأتي العلم بكشوفات جديدة أخرى تبرهن على وجود عناصر أخرى ربما تكون أكثر خطورة من عنصر البولونيوم . فقشرة الأرض تحتوي على نسب متفاوتة من عناصر مشعة أخرى أهمها اليورانيوم والراديوم الموجودة في كل بيت تقريبا : في أسمنت الخرسانة المسلحة لسقوف الدور والعمارات الشاهقة وفي طابوق جدرانها وأرضياتها . كما أن عنصر الكاربون 14 المشع لدقائق بيتا Beta السالبة هو أيضا موجود في الخشب المستعمل في المنازل من أبواب وكراس ومناضد وسواها . وأن هذا الكاربون المشع موجود في أجسامنا يأتينا مع ما نتناول من الأغذية ولا سيما النباتية منها . انه يتجمع في النباتات بشكل نشا أو سليللوز أو سكر نتيجة لعملية التركيب الضوئي حيث يأخذ النبات غاز ثاني أوكسيد الكاربون الحاوي على هذا الكاربون المشع من الهواء مباشرة (+) .
فزّاعة سرطانية جديدة
طلعت علينا بعض أخبار الولايات المتحدة الأمريكية (2) أن مادة أخرى قد اضيفت لقائمة المحظورات وهي ثنائي بروميد الأثيلين (++ )
Ethylene Dibromide ( BrCH = CHBr)
التي تستخدم على نطاق واسع كمبيد للحشرات وذباب الفاكهة وخاصة الحمضيات والموالح . وكذلك تضاف الى ماء سقي الأراضي للقضاء على ديدان جذور بعض أشجار الفاكهة . كما أن بخار هذا المركب يستخدم لتعفير حبوب القمح والذرة لدى تخزينها وقاية لها من خطر الحشرات والأوبئة . لقد نبهت وزارة الصحة الأمريكية الى خطر مركب ثنائي بروم الأثيلين حتى أن مسؤولي ولاية فلوريدا قد حرموا فعلا بيع سبعة وسبعين منتوجا كانت معروضة على أرفف الأسواق . كما جرى في ولاية كالفورنيا رفع الفطائر الجاهزة وطحين الكيك وبعض أنواع الخبز من المخازن والأسواق . وقد اصدر رئيس وكالة حماية البيئة الأمريكية أمرا فوريا بايقاف استعمال ثنائي بروم الأثيلين كمبيد للحشرات ومعفر للحبوب في الولايات المتحدة الأمريكية .
عناصر ومركبات أخرى وسرطان الرئة
لقد وجد أن من المركبات الكيميائية ما يفعل فعل الأشعاع بالضبط من تأثيرات كبيرة الضرر على أعضاء وخلايا جسم الأنسان , كمنع انقسام الخلايا الحية وتكسير سلسلة الكروموزومات واحداث الطفرات وقتل كريات الدم البيض ثم الأصابة بمرض السرطان . ومواد كهذه تسمى الشبيهة بالأشعاع Radiomimetic Substances
وأكثرها شهرة تلك المركبات الموجودة في دخان التبوغ من بيروكسيدات عضوية كأوكسيد الأثيلين Ethylene Dioxide وداي ايمين الأثيلين Ethylene Diimine وغاز الخردل والأمينات الأليفاتية ثنائية الكلور
Mustard Gas and Aliphatic Dichloro Amines
كما وجد أن غاز الرادون هو الآخر يسبب الأصابة بمرض سرطان الرئة جراء استنشاقه من قبل عمال مناجم اليورانيوم التحت – أرضية (1) . وغاز الرادون هو أحد العناصر الثقيلة النادرة , وهو يشع دقائق ألفا , وينتج عن تفكك عنصر اليورانيوم المعروف . اذ ثبت أن نسبة الأصابة بين عمال المناجم هؤلاء تتراوح بين 25 – 50 بالمائة . علما أن الدراسة قد بينت ان النسبة الأعلى في وسط المرضى يسرطان الرئة هي من نصيب المدخنين من هؤلاء العمال في الولايات المتحدة الأمريكية (1)
مصادر وهوامش
1- G.R. Choppin and J.Rydberg / Nuclear Chemistry, Theory and Applications . Pergamon press 1980 . chapters 16,17, &18.
2- Newsweek, No.7 , February 13, 1984 . Page 35 .
كما أفدت من الكتابين التاليين ترجمة واقتباسا : – Dr.J.D.McKinney / Laboratory of Environmental Chemistry,
National Institute of Environmental Health Science . Research Triangle Park , North Carolina . U.S.A.
– j.D.McKinney / Environmental Health Chemistry .
Ann Arber Science Publishers , INC.1981.
( + ) / يتكون الكاربون 14 المشع في الجو بشكل دائم جراء تفاعل غاز النايتروجين مع النيوترونات التي تصل الجو من المجرات والأكوان الأخرى (الأشعة الكونية ) . ثم يتأكسد متحولا الى غاز ثاني أوكسيد الكاربون حيث تستهلكه النباتات الخضر ( الأوراق ) مع الماء الممتص من التربة لتكوين المواد الكاربوهايدراتية المنوعة كالسكر والنشا بوجود ضوء الشمس والكلوروفيل كعوامل مساعدة . وهكذا يصل هذا الكاربون المشع أجسادنا داخلا في تركيب الخلية والأعضاء الحية ما دمنا أحياء … ذاك لأن له عمرا نصفيا Half – Life طويلا نسبيا ( 5720 عاما ) . المعادلة المبسطة الأتية تبين كيفية تحول هذا الكاربون الى مواد تدخل في صلب تركيب النسيج النباتي الذي يتغذى عليه الأنسان والحيوان , وبذا تصبح أجسادنا مصادر ثابتة ودائمة للأشعاع :
6 جزيئات ثاني أوكسيد الكاربون + 12 جزيئة ماء ( ضوء الشمس + كلوروفيل) = جزيئة سكر الجلوكوز + 6 جزيئات أوكسجين + 6 جزيئات ماء .
( ++ ) / هناك تركيبان لجزيئة ثنائي بروم الأثيلين هما :
1,1 – Ethylene Dibromide و
1 ,2 -Ethylene Dibromide
والتركيب الثاني كذلك ينقسم الى :
cis- 1,2 – Ethylene Dibromide
و
trans- 1,2 – Ethylene Dibromide
ولسنا نعرف اليوم أيا من هذه الأشكال مسؤولا بالدرجة الأولى عن الأصابة بمرض السرطان لأن المركب يباع تحت اسم ( Technical ) أي لا أهمية للتفصيلات المتعلقة بنقاوته ولا بنسبة التراكيب المختلفة فيه الى بعضها .
د.عدنان الظاهر
الزئبق والبيئة
لمحة تأريخية :
لا أحد يعرف على وجه الدقة تركيب أو نوع المركبات السامة التي استخدمها البشر في غابر الزمان لقتل الخصوم . لكن وبلا أدنى شك يمكن الجزم أن تلكم السموم كانت نباتية المنشأ , لا حيوانية ولا معدنية حتى عرف الأنسان القديم الزرنيخ والنورة . كانت نباتية المنشأ لأن النباتات كانت قد استخدمت منذ الزمن القديم كأدوية وعقاقير شافية أو مهدئة للآلام أو حتى مخدرة كنبات الخشخاش . فعلى وجه التحديد لا أحد يدري مثلا بم كانت تسقى السيوف والخناجر والسكاكين,أقصد بأي سائل فتاك كانت تنقع حتى تستحيل الى آلات ليست جارحة فحسب , بل ومميتة طال الوقت أم قصر .
لقد عرف الأنسان قديما البعض من العناصر المعدنية السامة فوظفها كمواد سامة يجري تناولها اما مع الشراب أو مع الطعام عن طريق الفم فقط اذ ما كانت الغازات السامة معروفة يومذاك . وأكثر هذه المعادن شهرة من بين ما كان متاحا منها او معروفا هي الزئبق والزرنيخ والرصاص. استعمل العنصران الأولان وما زالا على أوسع نطاق كسموم للتخلص من الخصوم . فالحلة التي أهداها ملك الروم لشاعرنا امريء القيس كانت منقوعة بخليط الزرنيخ والنورة الأمر الذي تسبب في تهرؤ جلد امريء القيس ومن ثم وفاته . وهذه الخلطة شائعة جدا حتى اليوم في بعض الأقطار العربية ولا سيما العراق , كخلطة لأزالة الشعر في الحمامات العامة , بل ولأزالة شعر رؤوس وكراعين الخرفان قبل طهوها وتجهيزها كأكلة ( باجة ) , الشهية والشهيرة في بلاد وادي الرافدين . تستعمل ذات الوسيلة تارة لأشباع جسد الأنسان وأخرى للفتك به (( رب ضارة نافعة , ورب نافعة ضارة)) . كما استعمل كهنة الفراعنة هذه الخلطة مع الملح والقطران أحيانا في عمليات تحنيط موتاهم وبعض حيواناتهم كما هو معروف . اما الرصاص فقصته معروفة . اذ يؤكد بعض علماء التأريخ دور الرصاص في المساهمة في انهيار الأمبراطورية الرومانية . أما أول ذكر للزئبق كمادة سامة أستعملت في جريمة قتل فقد ورد في المسرحية الشهيرة التي كتبها شكسبير (( هاملت )) (1) حيث قتل والد هاملت بصب الزئبق في احدى أذنيه اذ كان نائما في حديقة قصره في ساعة قيلولة الظهيرة , كما تفيد أحداث المسرحية . ما هو الوجه العلمي في هذه الجريمة ؟ الجواب قد لا يخلو من بعض الطرافة : أن الزئبق سائل معدني أثقل من الماء بثلاث عشرة مرة ونصف ومع ذلك فانه قادرعلى النفاذ من خلال بعض الأغشية كطبلة الأذن مثلا ومن ثم الأستقرار في تجاويف الأذن الداخلية قريبا جدا من الدماغ , مركز الجهاز العصبي كله. كذلك يخترق الزئبق ورق الترشيح العادي المستخدم في المختبرات نافذا من خلال مساماته تماما كما يفعل الماء . واليوم يعرف الطب الحديث خطورة بخار الزئبق على خلايا الأعصاب بالدرجة الأولى . أجل , بخار الزئبق . فالزئبق هذا المعدن الثقيل الذي يحتل المكان الثمانين في الجدول الدوري للعناصر وكتلة ذرته أكبر من كتلة ذرة الحديد بحوالي أربع مرات, هذا العنصر الثقيل دائم التبخر وبخاره شديد الخطورة . لم يعرف عطارو الأزمنة الخوالي هذه الحقيقة يوم أن كانوا يبيعونه دونما حاجة لترخيص أو اجازة من جهة ذات اختصاص . كما كانت جداتنا يتداولن هذا السائل السام ويدخلنه بيوتهن ليجبلن منه مع الحناء خلطة مستساغة لتلوين الشيب وتعفير الرأس خلاصا من بعض المخلوقات الضارة . فجداتنا اذن كن قد استخدمن الزئبق كمادة معفرة ومبيدة للحشرات قبل أن يهتدي علماء البايولوجي وخبراءالبيئة والزراعة الى ذلك منذ أمد بعيد .
التأريخ الدقيق لأكتشاف الزئبق غير معروف لكنه وجد حتما بعد أن اكتشف الأنسان الحديد والنحاس والرصاص . ولم يوله الأنسان القديم أهمية تذكر لأنه كان بمسيس الحاجة للألات القاطعة والجارحة كسلاح للهجوم والدفاع وحفر الأرض لشق القنوات التي تجلب الماء له ولمواشيه , أو لدفن موتاه وللتنقيب عن الأشياء الأكثر صلادة بل وحتى حفر الكهوف والمغارات ملاجيء وسكنا له في التلال والجبال . وطبيعي أن لاينتبه الأنسان الأول للزئبق طالما أنه لا يضاهي الحديد والنحاس متانة وقواما .
ورد ذكر الزئبق في مقدمة ابن خلدون (2) (( القرن الثامن والتاسع الهجريين ))
كما ورد ذكره في رسائل أوائل من تعاطى صنعة الكيمياء من العرب كجابر بن حيان الذي عاش في القرن الثاني الهجري .
يروي علم الذرة الحديث قصة طريفة حول مأساة القائد الفرنسي الطموح الذي دوخ في حروبه أوربا ( نابليون بونابرت ) . فقد كشف التحليل التنشيطي بالنيوترونات
Neutron Activation Analysis
لأحدى شعرات رأس هذا الرجل أنه قد مات مسموما بالزرنيخ ولم يمت في سجنه حتف أنفه وبأجله الموعود (3) . حدث ذلك في عام 1821 للميلاد . كما كشف تحليل التنشيط النيوتروني هذا لشعر الملك السويدي ( ايريك الرابع عشر ) المتوفي في عام 1577 للميلاد بشكل فجائي اثر تناوله شوربة بازلياء , كشف هذا التحليل أن الملك كان قد تناول كميات قاتلة من كل من الزرنيخ والزئبق (3) .
غير أنه ما زال سرا نوع السم الذي تسرب الى حبات العنب التي مات بها الأمام الثامن ( علي بن موسى الرضا ) مسموما في مدينة طوس زمن خلافة المأمون العباسي عام 203 للهجرة كما يذكر المسعودي (4) . ولا نوع المحلول السام الذي تتشبع به أحجار الخواتم الكريمة فتغدو شديدة السمية حال أن تلقى في كأس ماء أو شراب آخر . وبهذه الطريقة ماتت الملكة أم ( هاملت ) كما تسرد أحداث المسرحية
( 1 ) .
الزئبق
تنقسم مركبات الزئبق الى قسمين :
1- مركبات غيرعضوية
2- مركبات الزئبق العضوية
مركبات الزئبق غير العضوية
يختصر في الغالب اسم هذا الصنف من مركبات الزئبق ليكون مجرد ( الزئبق غير العضوي ) ويشمل ذلك معدن الزئبق نفسه . ويعتبر الزئبق عنصرا نادرا قياسا الى غيره من العناصر . وانه يحتل المرتبة السادسة عشرة من بين العناصر الموجودة في الأرض . وأهم ترسباته هي تلك التي اكتشفت في اسبانيا وايطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك والبرازيل والبيرو والصين واليابان والأتحاد السوفييتي ( سابقا ) والمجر ويوغسلافيا وألمانيا . كما تعتبر خامات الزئبق في اسبانيا من أغنى خامات الزئبق تركيزا حيث قد تصل نسبته في هذه الخامات الى 10 % . وأن في المحيطات كمية من الزئبق تساوي وفق أحدث تقدير خمسين مليون طن متري . كما أنه يوجد في الهواء بتركيز يتراوح بين
2 – 5 نانوغرام في كل متر مكعب ( النانو غرام الواحد يساوي جزءا بالبليون من الغرام الواحد , أي يساوي عشرة مرفوعة للأس ناقص تسعة من الغرام) . كذلك يوجد الزئبق في الماء وباقي المشروبات اليومية المعتادة بتركيز يتراوح بين
2 – 6 جزء بالبليون (5 ) .
عرف الزئبق واستعمل في أغراض شتى منذ الزمن القديم كما ذكرنا آنفا . وللزئبق اليوم أكثر من ثلاثة آلاف استعمال معترف بها سواء للزئبق نفسه أو لمركباته ومشتقاته العضوية منها وغير العضوية . وأن اجمالي انتاج الزئبق في العالم يتجاوز العشرة آلاف طن في العام , تستهلك الولايات المتحدة الأمريكية وحدها منها ثلاثة آلاف طن سنويا . وأن الأستهلاك الرئيس للزئبق هو في حقل التحضير الكهربائي لغاز الكلور ( بالتحليل الكهربائي لمحلول ملح الطعام ) والصودا الكاوية . كذلك يستعمل في تحضير الكيميائيات الزراعية والصيدلانية كعوامل مضادة للبكتريا ومواد أخرى لحفظ مستحضرات الزينة وصيانة الشعر. وكذلك في صناعة الورق وصيانة عجينته , وفي تركيب الأصباغ . كما يوجد الزئبق في الأجهزة الكهربائية ومقاييس قراءة الضغط ودرجات الحرارة . ويدخل في تركيب حشوة الأسنان وفي عالم الكيمياء كعامل مساعد وكأقطاب كهربائية وفي تحضير الملاغم المنوعة . ان انتاج الكلور والصودا الكاوية بالتحليل الكهربائي لمحلول ملح الطعام يتطلب استهلاك كميات هائلة من الزئبق كقطب كهربائي غير ثابت . فالمصنع الذي ينتج مائة طن من غاز الكلور في اليوم يستخدم كمية من الزئبق تتراوح بين 75000 – 000 150 باوند . وفي التقدير أن مصنعا كهذا يسرب للبيئة ما يقرب من 0.45 باوند من الزئبق مقابل انتاج طن واحد من غاز الكلور , وهذا يساوي 000 200 1 باوند من الزئبق في العام الواحد .
تجد كميات كبيرة من هذا الزئبق طريقها الى البحيرات ومجاري الأنهار وتنتشر كميات أخرى في الجو متعلقة بغاز الهايدروجين بحدود 20 – 30 ميللغرام في كل متر مكعب من الهواء . وتحتفظ الصودا الكاوية ( وهي القاعدة المعروفة باسم هايدروكسيد الصوديوم ) المحضرة بالطريقة السالفة بنسبة من الزئبق تبلغ خمسة أجزاء بالمليون . كما تم الكشف عن وجود الزئبق في مركبات أخرى مثل كلوريدات الهايدروكاربونات وحامض الخليك ( الخل ) والكلايكولات
Glycoles وغاز ثاني أوكسيد الكاربون والأسمدة الكيميائية وحامض الكبريتيك وخامات السلفايد وفي فضلات العوامل المساعدة المستعملة في الصناعة كما في انتاج كلوريد الفاينل Vinyl Chloride و والأسيت ألدهايد
Acetaldehyde . كما أن الزئبق موجود في النفط الخام والفحم الحجري . فأستهلاك خمسمائة مليون طن من هذا الفحم في العام الواحد يؤدي الى اطلاق أربعمائة وخمسين طنا متريا من الزئبق الى البيئة . لا يتضمن هذا الرقم الزئبق الناتج من عمليات تكرير النفط الخام ولا ذاك الناتج من استهلاك نواتج التكرير التي قد تحتوي على نسب عالية من الزئبق .
ان أهم مركبات الزئبق غير العضوية هي خلات الزئبق وأوكسيد الزئبق الأحمر والأصفر ثنائي التكافؤ , ونترات الزئبق وكلوريده أحادي التكافؤ . وتستعمل هذه المركبات اليوم في الزراعة كمبيدات ومطهرات ولمقاومة التعفن وفطريات الحبوب. كما تستخدم في الدور والحدائق لأغراض مماثلة . أما معدن الزئبق بشكله الحر فانه واحد من أشد العناصر سمية في مجال استخدامه للقضاء على الحشرات الزراعية الضارة التي تنخر وتتلف الحبوب والمحاصيل الأخرى .
هنالك مصادر متفرقة أخرى تساهم في تلويث البيئة بالزئبق منها :
1- بقايا وحطام بعض الأجهزة كالمحارير وأجهزة قياس الضغط والأنابيب الضوئية ذات التألق الوهاج Fluorescent Tubes ومصابيح الزئبق والبطاريات المختلفة .
2- فضلات المستشفيات والمختبرات وعيادات طب الأسنان .
3- معالجة واستعمال بعض المواد الخام الحاوية للزئبق كالكاربون والطباشير والفوسفات .
4- استخدام بعض مركبات الزئبق للحيلولة دون تعفن الملابس من قبل أصحاب محلات غسيل وتنظيف الملابس .
5- صناعة الأصباغ وطلاءات الجدران وبقاياها ومواد اضافية يدخل الزئبق في تركيبها لمنع نمو العفن الفطري في هذه الأطلية والأصباغ .
6- وأخيرا تنقية وتقطير الزئبق نفسه .
الأنسان والزئبق
الزئبق موجود بشكل طبيعي في أنسجة جسم الأنسان يأتيه مع غذائه اليومي المعتاد . فهنالك نسبة منه تتراوح بين 2 – 4 ميكروغرام في المائة في الدقيق والخبز والحليب واللحوم المختلفة , وقد تكون نسبته أعلى في بعض أنواع الفواكه, حسب نوع وظروف التربة وما يضاف اليها من مخصبات وما يرش على الأشجار والنباتات من مبيدات ومطهرات . كما يشكل خطرا مباشرا على الأنسان غذاؤه من الأسماك ولحوم الدواجن والطيور التي تتجمع فيها كميات كبيرة من الزئبق وخاصة المركب المعروف بالزئبق المثيلي Methyl Mercury الذي يأتيها من مصادر شتى لاسيما الماء والهواء والأتربة المتساقطة الملوثة بدقائق ورذيذات الزئبق أو بخاره . ولأسماك التن و( أبو سيف ) مكان الصادرة في هذا الشأن حيث يتجمع فيهما مقدار من الزئبق يتجاوزالحد المقبول بمقدار يساوي نصف جزء بالمليون حسب تقرير وتصاريح ادارة الدواء والغذاء الأمريكية (6) .
يمكن حصرموضوع تحولات الزئبق البايولوجية في البيئة وفي جسم الأنسان بالأمكانيات الأتية :
1- امكانية تحول الزئبق غير العضوي الى الزئبق المثيلي بواسطة بعض الأحياء المجهرية الدقيقة في ظروف ينقص أو ينعدم فيها غاز الأوكسجين .
2- تحول مركبات الزئبق الفنيلي Phenylmercury العضوية الى مركبات للزئبق غيرعضوية تتحول بدورها الى الزئبق المثيلي .
3- وأخيرا هناك امكانية مباشرة لتحول مركبات الزئبق الفنيلي العضوية في جسم الأنسان الى الزئبق غير العضوي .
سلوك الزئبق غير العضوي
يشكل بخار الزئبق وخليطه مع ذرات ودقائق الغبار والعوالق الهوائية الأخرى أحد المخاطر الجدية في عالم الصناعة على وجه الخصوص . فهناك دليل على أن هذا البخار يمتص في الرئتين . تتضمن عملية الأمتصاص هذه تأكسد عنصر الزئبق الحر وظهوره في الدم بالشكل الأيوني حيث يتجمع أساسا في الكلى . ويشابه سلوك بخارعنصرالزئبق هذا تماما سلوك محلول كلوريد الزئبقيك HgCl2 ثنائي التكافؤ وغير العضوي اثر حقنه في مجرى الدم (5) . لقد وجد أن عنصر الزئبق يتأكسد في كريات الدم الحمر أساسا , وفي باقي الأنسجة بشكل ثانوي (5) . كما بينت تجارب أخرى أن تجمع الزئبق في أدمغة بعض الحيوانات التي عرضت لأبخرته هي عملية مشابهة في النتيجة لعملية حقن محلول نترات الزئبقيك في دم هذه الحيوانات (5) .
وما الذي يترتب على حقيقة أن عنصر الزئبق انما يتأكسد في كريات الدم الحمر ؟
الجواب خطير بقدر ما هو بسيط : استهلاك غاز الأوكسجين في غير وجهه !! الأمر الذي يؤدي بالحتم الى النقص الحاد في كمية الأوكسجين التي تتطلبها الأفعال الحيوية في جسم الأنسان من تفكير وهظم وتمثيل وحركة العضلات وحرق للفضلات , التي ان بقيت داخل الخلايا الحية أدت الى موتها بالتسمم اختناقا .
قدرة طبيعية أخرى للزئبق , ذاك أنه قادر على اختراق جدران الخلايا والنفاذ من خلال أغشيتها الرقيقة بفضل عاملين اثنين هما قابليته على الذوبان في الشحوم ثم خلوه من الشحنات الكهربائية , الأمر الذي يحصنه ضد عوامل التنافر الكهربائية المعرقلة للحركة الحرة . أما أيون الزئبق ثنائي التكافؤ ( الزئبقيك ) فانه شديد الميل للأرتباط بزلال ( بروتين ) مصل الدم ( البلازما ) وزلال الكريات الحمر
( الهيموغلوبين ) عن طريق الأتصال بمجموعات SH المسماة
Sulfhydryl Groups الحاوية للكبريت .
لقد أثبتت التحليلات أن تناول جرعات كبيرة من أملاح الزئبق غير العضوية يؤدي الى تجمع مستويات عالية من الزئبق في الكلى وفي الكبد بدرجة أقل . يتساوى في ذلك الأنسان والحيوان . وبينت تجارب أخرى أن الدماغ والغدة الدرقية وغدد التناسل الذكرية لا تتخلص من الزئبق الا ببطء شديد , الأمر الذي يؤدي الى تركزه في هذه الأعضاء على مر الزمن .
وبالرغم من أن أملاح الزئبق غير العضوية هى أشد سمية وأكثر خطرا من الأملاح العضوية للزئبق , غير أن بعض التجارب على الفيران قد بينت أن ملح خلات فنيل الزئبق العضوي Phenylmercury Acetate هو أشد سمية من ملح خلات الزئبق غير العضوي . وفسر ذلك في ضوء التفاوت الكبير في قابلية الأمعاء على امتصاص كل من هذين الملحين . فلقد وجد مثلا أن قدرة أمعاء الفأر والأنسان على امتصاص أملاح الزئبق غير العضوية لا تتجاوز 2 % بينما تصل هذه النسبة الى 90 % أو أكثر في حالة الزئبق المثيلي Methylmercury وهو ملح عضوي للزئبق كما مر مرارا ذكره . وبشكل عام وجد أن الزئبق يتناقص في أجهزة الأنسان والحيوان ابتداء من منطقة التركيز الأعلى وهي الكلى , ثم الكبد والدم ونخاع العظام والطحال والنسيج المخاطي في الأجزاء العليا من جهاز التنفس وجدران الأمعاء والجلد ثم غدد اللعاب فالقلب والعضلات والدماغ وأخيرا الرئتين . لقد برهنت التجارب العملية أن التصريف الأكبر للزئبق انما يجري عن طريق الكليتين مطروحا مع البول , ومن الكبد عن طريق الصفراء ومن افرازات الغدد اللعابية مع اللعاب , وكذلك عن طريق الغائط . كما بينت تجارب أخرى ( 66 في المصدر الخامس ) أن التحول البايولوجي لمركب مثل كلوريد الزئبق المثيلي داخل أعضاء الجسم الحي يلعب دورا مشهودا في تيسير عملية طرح الزئبق خارج الجسم والتخلص منه ومن شروره ومخاطره وهي جمة . فاذا ما تكسرت الأصرة التي تربط ذرة الزئبق بذرة الكاربون في المركب آنف الذكر فان الزئبق غير العضوي المتبقي سوف يجد الطريق أمامه سالكة للخروج مع فضلات قناة الجهاز الهظمي . كما وجد أن التحول البايولوجي Biotransformation لمركبات الزئبق على الجدران الداخلية للزائدة الدودية ( المصران الأعور) مسؤول عن وجود الزئبق غير العضوي في فضلات بطون البشر .
الزئبق العضوي
شهدت عقود السنين الأخيرة اهتماما مثيرا بموضوع أبعاد خطر الزئبق ومشتقاته العضوية وخاصة الزئبق المثيلي . فلقد ثبت أن مركبات الزئبق المختلفة التي تطرح في الجو والبيئة انما تتحول الى مركب الزئبق العضوي المثيلي بتأثير بعض الأحياء المجهرية الدقيقة Microorganisms . لقد تمت دراسة الآثار الضارة للتلوث بالزئبق بشكل واسع ومعمق في الحالات التالية :
1- في منطقة ” ميناماتا ” اليابانية حيث تم الكشف عن اصابة 111 شخصا بحالة تخدر الجهاز العصبي المركزي مات منهم 45 شخصا ما بين عامي 1953 – 1960 .
2- في حادث ” نيغاتا ” في اليابان أيضا . حيث عولجت ستا وعشرين حالة تسمم بالزئبق مات خمسة من بين هؤلاء المصابين .
ففيما يتعلق بحادث ” ميناماتا ” قد تم اكتشاف تسع عشرة حالة شلل العمود الفقري بين المواليد الجدد للأباء المصابين والأمهات المصابات في ذلك الحادث . لا غرابة في هذا اذا علمنا أن بعض الباحثين ( 113 في المصدر الخامس ) قد بين أن الزئبق المثيلي بالذات قادر على العبور نفاذا من خلال جدران مشيمة الأمهات الحوامل الى أجنتهن أثناء فترة الحمل . كما بينت فحوصات كريات الدم الحمر أن تركيز الزئبق في كريات الأجنة أكبر بمقدار 28 % من تركيزه في كريات دم الأمهات .
لقد قدر العمر النصفي البايولوجي للزئبق المثيلي في جسم الأنسان بحوالي سبعين يوما ( 73 زائد ناقص 3 ) . لكن مشكلة هذا المركب أنه يقاوم التحول في الطبيعة خارج حدود جسم الأنسان , ويبقى ساما لمدد طويلة . وهذا الأمر مختلف عن حالة العناصر والمركبات المشعة ذوات الأعمار النصفية القصيرة التي تتحول بسرعة الى عناصر ومركبات مستقرة اي ليست مشعة وبالتالي لا تحمل أي خطر للبشر والبيئة على حد سواء .
لقد كانت السويد سباقة في الأهتمام بموضوع تلوث البيئة بالزئبق , هذا الأهتمام الذي كشف النقاب عن المصادر الزراعية والصناعية للتلوث بالزئبق , وعلاقة هذا الزئبق بآثاره التي وجدت في الأسماك وباقي الحيوانات البرية المدجنة منها وغير المدجنة والتي يتخذها الأنسان غذاء . كما تم العثور على الزئبق في أطعمة أخرى غير الأسماك في كل من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وكندا . فلقد بينت دراسات أجريت في هذه البلدان على اثني عشر صنفا من طعام الأنسان المألوف أن الزئبق موجود فيها ولكن بنسبة لا تتجاوز نسبة 0.02 جزءا بالمليون . علما أن متوسط التناول اليومي للزئبق في الولايات المتحدة الأمريكية على سبيل المثال هو بحدود 25 مايكرو غرام تدخل جسم الأنسان بالطرق المألوفة مع الطعام والشراب والهواء بالتنفس .
رغم أن الزئبق المثيلي قد طغى على ما عداه من مركبات الزئبق العضوي الأخرى , فقد أجريت دراسات على التأثيرات التناسلية لمركبات غير عضوية للزئبق . وكانت ذبابة دروسوفيلا Drosophila Melanogaster وبذور التفاح من بين المواضيع التي أختيرت لدراسة التأثيرات الوراثية والتناسلية عليها . لقد كان التركيز الأكثر أهمية على الطفرات الوراثية والتغيرات الشاذة التي تطرأ على سليقة السلالة أو النوع . كما ركزت دراسات أخرى على التأثيرات غير التناسلية لمركب هايدروكسيد فنيل الزئبق ونترات فنيل الزئبق على بعض النباتات المزهرة .
واذا رجعنا ثانية لحادث شواطيء مدينة ( مينا ماتا ) اليابانية نجد أن سبب التسمم في الأصل هو كلوريد الزئبق المثيلي Methylmercuric Chloride
CH3HgCl الذي يتكون في الطين والوحول وباقي النفايات التي يطرحها بشكل دوري مصنع يستخدم أوكسيد الزئبق مع حامض الكبريتيك كعامل مساعد في صناعة مركب الأسيت ألدهايد . هذه الوحول والفضلات المطروحة في شواطيء (مينا ماتا ) تسرب الزئبق العضوي فيها الى المياه ومن هذه المياه يتسرب مركب الزئبق الى الأسماك والمحار بتراكيز عالية . كما يسود الأعتقاد اليوم أن ثمة مصدرا آخر ثانيا للزئبق العضوي في مياه ( مينا ماتا ) ألا وهو كلوريد الزئبقيك
HgCl2 الذي يستخدم كعامل مساعد في انتاج مركب كلوريد الفاينل
Vinyl Chloride . لقد وجد أن مرض ( مينا ماتا ) ازداد انتشارا مع الزيادة في انتاج كلوريد الفاينل هذا مما حدا بالسلطات المسؤولة الى اتخاذ قرار يمنع صيد السمك في تلكم السواحل . وكانت تلك السلطات على حق اذ ظهر عام 1960 أن انتاج عشرين ألف طن من مادة كلوريد الفاينل في مصانع ( مينا ماتا ) تسبب في تسرب ألف كيلوغرام من الزئبق الى الوسط المحيط والبيئة .
لقد بات الآن جليا أنه رغم التراكيز الواطئة المستويات للزئبق المثيلي , فان في وسعه أن يتراكم تدريجيا وحثيثا في الأسماك مع مر الزمن . ولعل هذا هو تفسير الظاهرة المسماة بمرض ( مينا ماتا ) التي تشمل كل الحالات المرضية المشابهة في أعراضها لأصابات شواطيء مينا ماتا اليابانية . وأهم اعراضها كما مر سابقا خدر الجهاز العصبي المركزي وشلل العمود الفقري . فكل اصابة من هذا القبيل يطلق عليها اسم مرض مينا ماتا بصرف النظر عن زمان ومكان وقوعها . أما في الأنهار العذبة المياه فيحصل تراكم الزئبق أساسا في الطحالب والأشنات والبلانكتون التي تعتبر غذاء ممتازا لأسماك النهر, وبالتالي ينتقل الزئبق من هذه الأسماك الى الأنسان . فالقاتل يغدو قتيلا في نهاية المطاف .
ومما يثير التساؤل وجود آثار من الزئبق المثيلي في أسماك بحار ومناطق جد نائية عن مصادر التلوث بالزئبق كالمحيط الهندي والمحيط الهادي وبحر بيرنغ والساحل الأفريقي . فسر هذا الأمر بقدرة الأسماك على الهجرة البعيدة المترامية الأطراف اذ تقترب فتمكث في المياه الملوثة ولو لفترات قصيرة من الزمن . أو أن تقترب من مصبات الأنهار الأسيوية والأفريقية والأوربية الشهيرة التي تنقل تصاريف مياه المعامل والمصانع الكبرى الواقعة على ضفافها . أو أن الزئبق موجود أصلا في قيعان وصخور وترسبات البحار والمحيطات البعيدة عن مصادر الزئبق المعروفة .
واذا كان الزئبق المثيلي Methylmercury هو الشكل السائد الوجود في الأسماك وجسم الأنسان فذاك بسبب قدرة بعض الأحياء المجهرية على تحويل الأشكال الأخرى للزئبق الى هذا الشكل العضوي ذي الخصائص المتفردة . وأحدى هذه الخصائص قدرته على الأرتباط بأغشية الخلايا العصبية واختزال محتوى الحامض النووي RNA في هذه الخلايا وخاصة خلايا المخيخ وجذور العقد العصبية الظهرية . كما وجد الزئبق المثيلي في شعر رؤوس ضحايا ظاهرة
( مينا ماتا ) أينما كانوا , وخاصة في شعر رؤوس صيادي أسماك سواحل البحر المتوسط من الفرنسيين .
ومما يثير الدهشة أن الزئبق المثيلي موجود حتى في شعر رؤوس أناس لم يتعاملوا قط مع الزئبق . وانه موجود في شعور رؤوسهم بصرف النظر عن الجنس والعمر والوظيفة , لكن مقاديره أقل من تلك التي وجدت في ضحايا مرض مينا ماتا . وكما كان متوقعا , فقد وجد مركب الزئبق العضوي فنيل الزئبق Phenylmercury في أوراق نباتات الرز التي رشت ببخار هذا المركب في طور من أطوار نموها كقاتل للحشرات . ووجد كذلك في حبات الرز ذاتها .
دورة الزئبق الكيميائية
طالما أن الزئبق المعدني قادر على التبخر بشكل طبيعي في الظروف العادية , فمعنى ذلك أن للزئبق دورة في الوسط المحيط والبيئة . وان خامات الزئبق وترسباته في الأرض والصخور هي في الحقيقة مصادر ثابتة لهذا البخار, يوجد حيثما وجدت تلك الترسبات والخامات سواء في باطن الأرض أو في أعماق البحار. فالزئبق غير العضوي عرضة للتحول الى أشكال أخرى عضوية تحت تأثير بعض أنواع البكتريا وباقي الأحياء المجهرية الدقيقة . فمركب كبريتيد الزئبق
HgS الذي لا يذوب في الماء يتحول بعملية التأكسد بالبكتريا الى زئبق ثنائي التكافؤ قابل للذوبان في الماء . كما يختزل بعض أنواع الأنزيمات البكتريالية هذا الشكل من الزئبق فيتحرر بخار الزئبق المعدني الحر الى الوسط والبيئة . أما اذا توافق وجود الزئبق المعدني الحر مع الزئبق ثنائي التكافؤ المار ذكره فسيؤدي التفاعل بينها الى تكون زئبق أحادي التكافؤ يوجد عادة بشكل أيوني ثنائي الذرة (ذرتان من الزئبق تحملان شحنتين موجبتين ) . وهناك طريق ثان لأختفاء الزئبق المعدني بتحوله بالبكتريا الى شكل آخر بعملية تسمى ” الأمثلة ” Methylation والناتج هو اما الزئبق المثيلي أو ثنائي مثيل الزئبق ( CH3)2Hg . أما تفسير ما يحدث فكما يلي :
في فيتامين بي 12 ( B 12 ) رابطة كيميائية تربط الكوبالت بمجموعة مثيل
Co – CH3 . وأن مجموعة المثيل هذه مستعدة للألتحاق بالزئبق تاركة الكوبالت ليكون الناتج هو أيون الزئبق المثيلي . وفي امكان هذا المركب الأيوني أن يتحول بعملية ” الأمثلة ” الى المركب ثنائي مثيل الزئبق المار توا ذكره .
ينتشر الزئبق المثيلي الأحادي الأيوني المتكون في ترسبات قيعان الأنهار والبحيرات والبحار… ينتشر في مياهها ومن ثم يدخل في دورة الغذاء الكبرى مبتدئا بالأسماك والطحالب والأشنات والبلانكتون لينتهي في الأنسان نفسه . أما ثنائي مثيل الزئبق فشأنه شأن آخر : يتطاير في الفضاء الجوي فيتفكك تحت تأثير ضوء الشمس معطيا جذور المثيل الحرة والزئبق المعدني الحر . وهكذا تكتمل دورة الزئبق بوصوله الى الغلاف الجوي مرة ثانية بعد رحلة طويلة غير مرئية يلعب الأدوار فيها الحيوان والنبات والبكتريا والأنزيمات بل وحتى بعض الفيتامينات التي تفقد فعالياتها اذا اشتركت في بعض مراحل دورة الزئبق في جسم الأنسان جراء انسلاخ مجاميع المثيل منها والتحاقها بالزئبق كما مر معنا ( 7,8 ).
خلاصة البحث
يفسر التأثير السام للزئبق بواحد من النظريات الأتية (6) :
1- ميل الزئبق الشديد للتفاعل مع كبريت مجاميع Sulfhydryl Groups
الزلالية مؤديا الى تعطيل فعالية هذه الأنزيمات .
2- ارتباط الزئبق بمجاميع الفوسفات Phosphat Ligands الأمر الذي يؤدي الى اضطراب نفاذية أغشية الخلايا الحية .
3- يعطل الزئبق قدرة الغدة الدرقية على أخذ واستيعاب اليود اللازم للجسم .
4- يحول الزئبق دون استعداد أجسامنا على تمثيل عنصر الخارصين الضروري لأدامة فعالية الأنزيمات .
5- يختزل الزئبق قدرة أنظمة الكبد المضادة للسموم , الأمر الذي يتسبب في زيادة الآثار الضارة لهذه السموم .
أخيرا لا بد من التفاؤل في أن العلم يسعى جادا في طريق استنباط الوسائل المضادة لمخاطر الزئبق . أكثر هذه الطرق طرافة (6) هي استغلال ميل الزئبق المثيلي للتفاعل مع المجاميع الحاوية في تراكيبها على عنصر الكبريت أو السلينيوم. ورغم أن ميكانيكية ( آلية ) فعل السلينيوم الدفاعي ضد الزئبق لم تزل غير معروفة بشكل نهائي , فان هنالك بضعة تفسيرات لهذا الفعل منها الحث على تكوين انزيم معين مثل Glutathione Peroxidase . وثمة فرض آخر يعزو الأمر الى تكسر الآصرة التي تربط الزئبق بذرة كاربون مجموعة المثيل
C – Hg بفعل انزيمات جسم الأنسان . الفرض الأخير يرى أن السلينيوم يقوم بمنع الزئبق من الأرتباط بالبروتينات خطيرة الأهمية بتكوينه مركبات مع بروتينات أخرى أقل أهمية لكنها شديدة الميل للتفاعل مع الزئبق , اي أنها تمنعه من التعامل في نهاية الأمر مع ما هو أكثر أهمية لجسم الأنسان .
المصادر
1- W. Shakespare (( The Tragedy of Hamlet , Prince of Denmark )) . Edited by E. Hubler / Publisher : A signet Classic New American Library . 1963 . PP. 170 -171
2- مقدمة ابن خلدون . دار العودة . بيروت 1981 .
3- G.R. Choppin and J.Rydberg (( Nuclear Chemistry, Theory and Applications )) / Publisher : Pergamon Press 1980 . Chapter 18 . PP. 413 .
4- المسعودي (( مروج الذهب ومعادن الجوهر )) / الجزءان الثالث والرابع. دار الأندلس. بيروت 1981 .
5- Lawrence Fishbein (( Chromatography of Environmental Hazards )) / Publisher : Elsvier Scientific Publishing Company . 1973 . Chapter 7 .
6- James D. McKinney (( Environmental Health Chemistry))
Publisher : Ann Arber Science . 1980. Chapter 24 .
7- R.Baily, H.M. Clarke, J.E. Ferris , S. Krause , and R.L. Strong (( Chemistry of the Environment )) / Publisher : Academic Press 1978. Chapter 14 .
8- F.A. Cotton and G.W. Wilkinson (( Advanced Inorganic Chemistry , A Comprehensive Text )) / Publisher : John Wiley and Sons . Fourth Edition 1980 . Chapter 19 .