أول الرؤيا
الشاعر مهند كامل *
أتعقبُ المعنى لكي أطأَ الذرى..
من فوقهِ وأقولُ ما لا يُفترى
كالصرخةِ الزلزالِ خلفَ الصمتِ أو
كالصّحوِ يفتحُ فجأةً عينَ الكرى
جبلٌ تصدّع كبريائي، غيمةٌ
مثقوبةٌ قلبي، فمي جرحٌ جرى
مذ أوجزَ التاريخُ لي أهلي وأسرى
بي إلى عنقودِهمْ
أمِّ القرى
وأنا أضنُّ بحبتي ألا تسيرَ على
هدًى
وبظلِّها أنْ يعثرَا
وأنا ابنُ عاطفةٍ كغصنٍ إذْ بكى
حتّى ولو صوّرتُ نفسي مِنبرا
هذّبتُها حتّى أضاءتْ في دمي
مثل الثريا تحتَ أنقاضِ الثرى
وحّدتها في ذاتها الأنقى
وكنتُ ملأتُها
من قبلِ ذلكَ بالورى
مذ ذرّني قمحُ الكلامِ وناءَ بي
جسدٌ ترابيٌّ يحاصرُ بيدرا
وأنا ابن هذي الضاد وابنُ مجازها
وأبرُّ أبناءِ الحقيقةِ جوهرا
من تحتِ عيني مرَّ ركبُ الموتِ
بالقتلى
ومن أحداقها دمُهم سرى
وفجيعتي بهمُ التي نزلتْ على
كهفي لأصدعَ باسمهم ولأجهرا
ما دمتُ آثرتُ الحياةَ وآثرتْ
هي وحشةَ المنفى وتيهاً في السّرى
فلأقضيَنَّ العمرَ في أطلالها
شبحاً يصيدُ من الغزالةِ عنبرا
يا منْ تظنُّ الشعرَ وهماً أشقرا
وجعُ القصيدةِ أنْ تُقالَ كما تُرى
نبضُ الحروفِ مؤثرٌ في طبعهِ
فاعبأْ بجرحكَ كي تكونَ مؤثّرا
فتشتُ عني في أبي فوجدتُني
صوتاً على بحرٍ جثا وتصحّرا
بيني وبينَ أبي خلافٌ مبهمٌ
يُلغي حدودَ الأرضِ كي أتجذرا
لي منه أنّي قد نصبتُ شراعَهُ
قبلَ انشقاقِ البحرِ حتّى أعبرَا
ماذا يكونُ الشعرُ إلا عاشقاً
متوحداً … أو طائراً متحررا
ماذا يكونُ الشعرُ إلَّا طعنةً
عرفتْ مداها فاستحالتْ خنجرا
أنا فكرةٌ حيرى.. وحرفٌ حالمٌ
ركبَ القصيدةَ في الظلامِ وأبحرا
ما هابَ موجَ البحرِ وهو مسافرٌ
من طاردَ المجهولَ أو منْ فكَّرا
من أي قافيةٍ … وأي قبيلةٍ
يرضى فريدُ الروحِ أن يتحدرا
أعددتُ نفسي للخلودِ فكلَّما
حطَّ الزوالُ على رؤايَ تكسرا
في الشعرِ أشياءٌ يقصّرُ شرحُها
إنَّ القصيدةَ لا تُقالُ كما تُرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
* شاعر من سوريا