بإيجاز: الشاعر كائن قلق
إشبيليا الجبوري
ت: من اليابانية أكد الجبوري
محتوى الرسالة:
الشاعر- الإنسان بطبيعته كائنٌ قلقٌ وغير مكتمل. ووعيك، وإن كان موهوبًا بقوةٍ تأملية، نادرًا ما يبلغ كمال معرفة الذات. غالبًا ما يتعثر بقصر نظره، فيعيش عقودًا دون أن يُسمّي ما يُفسد روحه أو يُشوّش بصره. في هذا السياق، تبرز ظاهرةٌ مُتناقضة، وفي الوقت نفسه، كاشفة: الحاجة إلى الغريب، أو المُعالج، أو الكاتبة، أو المُعلّم المُتخيل، أو لمُنير الحديث، القادر، دون أن يعرف تفاصيل سيرته الذاتية، على أن يُشير إليه بأعمق الحقائق، تلك التي لم يجرؤ هو نفسه، رغم مشقة سنوات حياته الطويلة، على صياغتها. لذا الشاعر٬ عادة ما يكون٬ مفضلًا التوجه الخارجي على المغامرة المؤلمة والمُحررة في أن يكون مُفسِّرًا لنفسه. إن شئتم.
هذا الميل يكشف عن أكثر بكثير من مجرد هشاشة فردية. إنه يُندّد بأزمة تأويلية للذات. صراع الإنسان المعاصر داخله، تمامًا كالعجوز الذي ذهب إلى المعابد بحثًا عن المُنير، يحمل في طياته ريبةً كامنةً في قدرته على التفسير. ليس نادرًا أن يُفوّض غيره، مُخوّلًا إياه بالتقنية أو المعرفة أو الكاريزما، مهمة فكّ لغزه الذي يُمثّله لنفسه. وهكذا، وللمفارقة، يُصبح غريبًا عن دواخله الشاعر٬ ونفسه الإنسان.
يمكن قراءة هذا البحث عنه٬ لصوت خارجي٬ يُنير فوضى الذات، في ضوء كُتّاب مثل ويليام شكسبير (1564-1616)()، فريدريش هولدرلين (1770-1843)()، كانعكاسٍ لقلقٍ وجودي، يأسٍ من أن يكون ما هو عليه. لأن كونه ما هو عليه، في جوهره الأكثر جذرية، يتطلّب شجاعة. والشجاعة، كما عرفها الإغريق القدماء جيدًا، لا تكمن فقط في مواجهة الصراعات والمعارك الخارجية، بل قبل كل شيء في تحمّل رؤية الذات٬ عندما تُصبح المرايا لا هوادة فيها.
بدلًا من النظر مباشرةً إلى نفسه، يُفضّل الشاعر مرايا مُستعارة، عيون الآخرين التي تُخبره من هو، وماذا يشعر، وماذا يريد، وماذا يجب أن يفعل. والغريب، بمجرد عدم مشاركته في حياته، يكتسب هالة من الحياد تجعله جديرًا بالثقة. المفارقة هنا، إن المجهول “الآخر” هو الأقدر على تسمية الحقيقة؛ التي يخشى الذات الاعتراف بها.
ليس الأمر أن الكُتاب عاجزون عن معرفة ذواتهم، بل غالبًا ما يكونون أسرى لآليات دفاعهم عن النفس. النرجسية، والإنكار، والخوف من الألم، وراحة الكذب، كلها تبني جدرانًا بين الذات ووضوحها. وهكذا، يبحث عن الغريب، البديل، ربما يمتلكه، كونه خارج اللعبة، ما يلج ضمنيا الشجاعة؛ ليقول ما عرفه هو نفسه دائمًا، لكنه لم يجرؤ على الاعتراف به.
يكشف هذا السلوك عن التوتر الدائم بين الاستقلالية والتبعية، بين حرية أن تكون مؤلفًا وراحة العيش تحت وصاية المعرفة الخارجية. يبدأ النضج النفسي الحقيقي، كما حذّر غرستاف يونغ (1875-1961)()، عندما يتولى المرء مهمة جبارة، وهي الحوار مع الظل نفسه، والنظر إلى الهاوية الداخلية دون إهمال تلك المسؤولية. لكن قليلين هم من يرغبون في القيام بهذا العمل. وهكذا يستمرون في تضليل مساراتهم، إلى أن يُخبرهم غريب، بكلمات بسيطة، لكنها كاشفة، بما كان حاضرًا دائمًا، ولم يُرَ قط.
أخير وباختصار، يصبح الفضول الإنساني، الذي يُفترض أن يقودك إلى استكشاف ذاتك، معتمدًا على كلام شخص آخر. وفي هذه اللعبة، يتخلى المرء عن حريته التأويلية والوجودية. لذا الشاعر٬ عادة ما يكون٬ مفضلًا التوجه الخارجي على المغامرة المؤلمة والمُحررة في أن يكون مُفسِّرًا لنفسه. إن شئتم.