إشبيليا الجبوري ـ إضاءة: لوحة “يوليسيس وحوريات البحر” لجون ويليام
إشبيليا الجبوري
ت: من الفرنسية أكد الجبوري
مقدمة عامة مبسطة؛
لا يقتصر عمل “يوليسيس وحوريات البحر”، الذي رسمه جون ويليام ووترهاوس (1849-1917)() عام 1891()، على إتقان الرسم الأسطوري أو استحضار حلقة شهيرة من ملحمة هوميروس “أوديسة”، بل هو بالأحرى دراسة بصرية للحالة الإنسانية، ونقاط ضعفها، واستراتيجياتها للبقاء، مقاومةً إغراءات الهاوية. بتصويره يوليسيس مربوطًا إلى صاري سفينته، بينما يبحر طاقمه سالمًا بين أصوات حوريات البحر الغادرة، يقدم لنا ووترهاوس أكثر من مجرد مشهد أسطوري، بل يقدم لنا تأملًا بصريًا في التوتر بين الرغبة والمنطق. “يوليسيس وحوريات البحر” لجون ويليام ووترهاوس٬ تعتبر استعارة جمالية للعقل والإغراء والمعرفة٬ إن شئتم.
الجمال جوهره تمثيل العقل الواعي بحدوده؛
صورة يوليسيس، المُجمّدة طوعًا، هي في جوهرها تمثيل للعقل الواعي بحدوده. بمعرفته لإغراء صوت الحوريات الذي لا يُقاوم، لا يثق يوليسيس تمامًا بقدرته على مقاومتهن لحظة افتتانه بسحرها. إنه يتوقع ضعفه، ولذلك لا يعتمد على إرادته فحسب، بل على استراتيجيته. هذه لفتة هنا ترمز إلى الإتقان العقلاني، ليس كإنكار للرغبة، بل كتدبير واعٍ. العقل، بهذا المعنى، لا يلغي جاذبية اللاعقلاني، بل يُخْتِنه فقط، ويُحيِّده من خلال الحكمة والبصيرة.
اللمسات الفنية استعارة لضبط النفس؛
تُجسِّد لوحة ووترهاوس استعارة بلاستيكية لضبط النفس. ما يُعَدُّ ربط يوليسيس بالصاري رمزًا للتخلي المتعمد عن الحرية باسم حرية أكبر، وعدم الاستسلام لما يُحيط بجماله بالدمار. تُجسِّد الحوريات، بجمالهن الأثيري وحركاتهن الرقيقة، أكثر الفخاخ إغراءً، المتعة الفورية التي، تحت طلاء الحلاوة، تؤدي إلى الانحلال. إنها جماليات الخداع، وحسية الدمار. في خضم هذه الثنائية بين ما يُبهج وما يُهدد، يُذكرنا ووترهاوس بأن الجمال، كفئة حساسة، قد يكون أيضًا فخًا إدراكيًا. الجمال ليس ضمانًا للقيمة الأخلاقية، ناهيك عن المنفعة الأخلاقية.
أسلوبية تفرد الجمال والخير؛
بهذه الطريقة، يُصبح العمل نقدًا، وإن كان مُبطّنًا، للإبداع المعاصر الذي يُساوي بين الجميل والخير، والمرغوب والعادل. الدرس هنا واضح، فالحساس يحتاج إلى أن يُوَسَّط بالتمييز. وهنا تكشف شخصية يوليسيس عن أسمى مكانة رمزية. البطل الهوميري، أكثر من شجاع، هو من تعرفه. لفتتك ليست أخلاقية فحسب، بل هي معرفية. إنه يتصرف على هذا النحو، ليس غريزيًا، بل معرفة. وهذه المعرفة، التي تُترجم إلى حذر، هي الترياق الحقيقي للانجذاب الفوري.
الاسطورة بتشكيل المتخيل الجمالي؛
لذا، فإن ووترهاوس، بإحضاره الأسطورة إلى الشاشة، يُعيد تخيلها. “يوليسيس وحوريات البحر” ليست مجرد مشهد سردي، بل هي أداة تأمل. إنها تستحضر الصراع الأبدي بين الذكاء والدوافع، بين الحساب الحكيم والنشوة. جميعنا، بدرجة أو بأخرى، ملاحون معرضون لإغراء غناء حورية البحر، سواء كان ذلك جاذبية الاستهلاك، أو الغرور، أو الأيديولوجية السهلة، أو الإشباع السهل.
الخلاصة؛
يفرض العمل نفسه كرمز للحالة الإنسانية على العتبة بين العقل والرغبة، بين المعرفة والوهم. من خلال شخصية يوليسيس، المقيد ولكنه يقظ، المتقن ولكنه واعي، يدعونا ووترهاوس إلى التأمل في دور الحكمة في مسار الحياة. إن معرفة كيفية المقاومة، في نهاية المطاف، هي أحد أسمى أشكال الحرية. وحب المعرفة، كما يحب يوليسيس العالم، ولكنه يراقبه بحذر، هو السبيل الوحيد الجدير لعبور بحار الوجود، دون الغرق في سحر الزائل. “يوليسيس وحوريات البحر” لجون ويليام ووترهاوس٬ تعتبر استعارة جمالية للعقل والإغراء والمعرفة٬ إن شئتم.