أين هي القوى الوطنية بالعراق …!؟
زكي رضا
ما أن نصل الى منعطف سياسي في بلادنا الغارقة بالفوضى، حتى تخرج علينا بعض البيانات من أحزاب وتجمعات سياسية تدعو فيه السلطة الى التحلي بالوطنية لمعالجة قضايا تهم الوطن والمواطن. وغالبا ما تكون هذه البيانات أو المناشدات من قبل أحزاب وتنظيمات ليس لها أي دور في رسم سياسة البلد أو سياسته الإقتصادية والأجتماعية وما يتفرع عنها من ملفّات بقيت دون حلول منذ الإحتلال الأمريكي للبلاد الى اليوم، هذا إن لم تكن هذه الملفات والمشاكل قد إستنسخت نفسها وتناسلت مرّات ومرّات لتتحول الى أزمات مستدامة. وعندما نقول بعدم وجود دور لهذه الأحزاب فإننا نعني به الدور التنفيذي والتشريعي، وهذين الدورين ومنذ بداية التجربة ” الديموقراطية” ولليوم حكر على مثلث الفساد الذي يتحكم بسياسة وإقتصاد البلاد، وعليه فأنّ أي بيان أو مناشدة تصدر من قوى ” المعارضة”، لمعالجة معضلة سياسية أو أقتصادية من قبل مثلث السلطة الغارقة بالفساد ، يعتبر كحلم إبليس بالجنة كما يقال.
لقد حصلت بعض أطراف تحالف قيم المدني على بعض المقاعد ( غير مؤثرّة) في إنتخابات مجالس المحافظات الأخيرة، وفق برنامج يعتمد الوطنية كنهج ضد نظام المحاصصة الطائفية القومية. وعلى الرغم من عدم تأثير هذه المقاعد في رسم سياسة المحافظات التي حصلت على ثقة الناخبين فيها، الّا أنّها كانت الخطوة الأولى في مسيرة المليون ميل للتغيير المنشود في تحسين وضع البلاد الكارثي. لكن رياح تحالف قيم لم تأتي بما تشتهيه سفينة شعبنا ووطننا وهما يبحران في بحر ظلمات المحاصصة دون أشرعة.
في التاسع من الشهر الجاري أصدرت قيادة التحالف بيانا أنهت فيه عضوية حزب تنوير ممثلا بأعضاء كتلة وطن النيابية، لأنّهم لم يلتزموا بمباديء التحالف العابر للطائفية، وأنخرطوا وفق البيان في ” تفاهمات سياسية بعيدة عن برنامج التحالف المتفق عليه”!! أنّ تفسير إنخراط حزب تنوير وكتلتهم النيابية في تفاهمات سياسية بعيدة عن برنامج تحالف قيم ومن خلال تجارب سابقة يعني، أنّ قوى المحاصصة الفاسدة أشترتهم بالمال والمناصب. وهذه التجربة حدثت بعد الأنتخابات التي جرت بعد إنتفاضة أكتوبر، حيث نجحت قوى الفساد وقتها أيضا من شراء ناشطين ونواب برلمان محسوبين على الإنتفاضة، وستحدث لاحقا أيضا. ليس لأن قوى الفساد قد رسّخت مفهوم البازار في العملية السياسية فقط، بل لغياب الوطنية عند قطاعات واسعة من جماهير شعبنا بعد أن تكتّلت طائفيا وقوميا وعشائريا ومناطقيا، والوطنية اليوم نراها لمدة تسعين دقيقة فقط حينما يلعب المنتخب العراقي مبارة دولية.
على الرغم من عدم وطنية بعض المنضوين في تحالف قيم المدني وإنتقالهم الى المستنقع الطائفي، وإصدار التحالف بيانا أنهت فيه عضويتهم. الّا أن التحالف عاد بعد أيّام ليمنح صفة الوطنية لهؤلاء ومعهم من أشتراهم في بازار الخضراء التجاري. فعلى خلفية إقرار الموازنة وتوزيع ثروات البلاد بشكل غير عادل، أصدر التحالف بيانا يدعو فيه ” القوى الوطنية الفاعلة، الى تشكيل لجان رقابة شعبية لحماية المال العام، ومنع ” الإقتصاديات السياسية” من نهب تلك الأموال، وضمان إنفاقها في مكانها الصحيح”!! من هي القوى الوطنية الفاعلة التي ستستجيب لهذا المطلب المُلِحْ والمهم..؟
إن كان البيان يعني به ما تبقّى من أحزاب وتنظيمات وشخصيات تحالف قيم وهي غير فاعلة سياسيا وشعبيا، فأنّ تأثيرهم لحماية المال العام من النهب والسرقة والفساد هو كما الذي يريد حرث البحر، لأن أسماك القرش وقتها ستلتهم الأموال كما فعلت طيلة فترة ما بعد الإحتلال لليوم، والذين يريدون حرث البحر معها. أمّا إذا كانت تعني بهم آخرين فيا حبذّا لو يشير لنا التحالف في بيان جديد أسماء هذه القوى الوطنية، اللهم الا إذا كانت أحزاب مثلث الفساد السلطوي بأذرعه السياسية والإقتصادية والميليشياوية والعشائرية والدينية الطائفية ( ومن أنظمّ اليهم مؤخرا من تحالف قِيَمْ وقبلهم بعض التشرينيين) التي باعت وتبيع الوطن وثرواته منذ الإحتلال الذي جاء بهم الى السلطة ولليوم وطنية وهم من يناشدهم البيان. وحينها وقبل صدور البيان الجديد نستطيع القول ” وبالفم المليان” كما يقول أخواننا المصريون، ” إن چانت مناشدة ما تسمى القوى الوطنية مثل ذيچ ( اللواتي قبلها).. لا خوش مرگه وخوش ديچ”.
لنعترف من إننا نمر بأزمة وطنية حادّة، وهذه الأزمة هي من تدفع الجماهير للتحرك نحو مشروع نهج المحاصصة المدمر وأحزابه على الرغم من فشلهم على مختلف الأصعدة. وبغياب مفهوم الوطنية يبقى السؤال هو: هل الجماهير المكتوية بنار الفقر والبطالة والجهل والتخلف والباحثة عن فتات ما تجود به مزبلة الخضراء هي من تسيطر على أحزاب السلطة، أم العكس..؟
مهما كانت الإجابة وفي كلتا الحالتين، فأنّ الوطن اليوم بيت غريب بالنسبة للمواطن العراقي الفاقد لكرامته وهو يعاني من أزمات الكهرباء والماء والبطالة وغيرها، والوطنية لا لون ولا طعم ولا رائحة لها عند الأحزاب ” الوطنية” المهيمنة على المشهد السياسي. إنّ من يمتلكون السلطة اليوم يفتقرون الى المسؤولية الوطنية والأخلاقية وهما اللبنة الأولى لبناء دولة، وفي الحقيقة فليس بين من يتصدرون المشهد السياسي اليوم رجال دولة حقيقيين، بل بيادق تتحرك بإمرة عواصم دولية وإقليمية وعلى الضد من مصالح شعبنا ووطننا علاوة على لصوصيتهم وفسادهم، وعليه فأنّ صفة الوطنية واسعة على أمثالهم كما كانت واسعة على الذين من قبلهم. فالقوى ذات العمق العروبي وعواصمها أو تلك ذات العمق الطائفي وعاصمته وتلك القومية التي لاتعمل من أجل جماهيرها ناهيك عن مصالح جماهير البلاد بأكملها وغير المؤمنة بالوطن، لا تعرف معنى الوطنية وليس من حقنا إضفاء صفة الوطنية عليها، لأننا حينها نضحك على أنفسنا قبل ضحكنا على الجماهير.
لنعيد تجربة إنتفاضة أكتوبر في كل مدن وقرى وقصبات العراق من جديد، وحينها فقط وبعد نجاح الإنتفاضة ستفرض جماهير شعبنا والقوى الوطنية الحقّة مفهوم الوطن والوطنية كممارسة سياسية، على خلاف منظومة المحاصصة والفساد غير الوطنية بالمرّة. ووقتها لن نرى أحزاب مثلث الفساد الحاكمة اليوم الّا في مزبلة شعبنا الذي سيطوي هذه المرحلة السوداء من تاريخه لينطلق كما الشعوب التواقّة للحرية والتقدم، في بناء وطن يتسّع للجميع، وطن توزّع ثرواته على أبناء شعبه بعدالة ومساواة…