حوار مع الأكاديمي الشاعر والقاص أ. د. مصطفى ساجد مصطفى
أجرى الحوار/ الدكتور وليد عويد حسين
مع الأكاديمي الشاعر والقاص أ. د. مصطفى ساجد مصطفى أستاذ الأدب الحديث في جامعة المستنصرية سابقًا، ((شاعر وروائي وأكاديمي بارز))، صاحب أقلام متعددة، أصدر العديد من الكتب والدراسات على مختلف أنواعها الشعرية والسردية التي تركت بصمة فاعلة عند قارئيها، نُشرت له العديد من الأبحاث والدراسات في مختلف الصحف والمؤتمرات العربية، تخرّج على يده الكثير من طلبة البكالوريوس، والماجستير، والدكتوراه، وهو من الشخصيات اللامعة التي يُشار لها بالبنان في الأوساط الأكاديمية العراقية والعربية … أجرينا معه الحوار الآتي:
– هل كان اختصاصكم وتوجهكم الأدبي نابعًا من دافع ورغبة شخصية في مسيرتكم الدراسية أم هي قضية توجيهية من شخص آخر . ؟
● كنت في بداية نشوئي أمتلك تجارب ونماذج شعرية متواضعة فأحببت أن أدخل إلى عالم جديد لم أقرأ عنه الكثير كي يفتح لي نافذة للإطلاع على جوانب الأدب المختلفة، فكانت هذه الأفكار هي بمنزلة الخطوة الأولى للولوج في بوابة الأدب وهي مرحلة البكالوريوس. أما في مرحلة الماجستير فكانت الرغبة تكمن بين المسرح والشعر، وفي مرحلة الدكتوراه استقام المنزل في عالم الرواية لاسيما الرواية العراقية وذهبت إلى الجانب الآخر من الأدب من أجل رغبة نابعة من الذات تصبو إلى تميز الرواية العراقية في تلك الحقبة، وجاءت هذه الفكرة بعد إحساسي من أن الرواية العراقية ظُلمت ولم تأخذ حقها في الأوساط الاكاديمية، لا سيما وقد كان هناك اسماء روائيين عراقيين من العيار الثقيل لم يتطرق اليهم أحد أمثال: فؤاد التكرلي، وغائب طعمة فرمان، ومحمد خضير …
– هل كان هناك ما يميزك عن باقي أقرانك من زملائك اثناء مسيرتك الدراسية؟، لأنه كما هو متعارف و متآلف أن الطلبة لم يكونوا بمستوى واحد من حيث نضوجهم العقلي والفكري.؟
● سوف أكون صريحًا معكم. في بداية مسيرتي الدراسية لا سيما المرحلة الجامعية لم أكن بالطالب ذي الهمة العالية أو لــــم أكن
أملك ما يميزني عن بقية زملائي في الجوانب العلمية إلا الفرادة في كتابة بعض المقطوعات الشعرية لا غير، لكن في المرحلة الثالثة من دراستي تفتحت آفاقي الفكرية، وكان ما يميزني في وقتها عن باقي زملائي الذين كانوا لا يقلون شأنُا عنّي القراءة المستمرة والوقوف على طرح التساؤلات من قبل أستاذتي بالتحليل والتشخيص، وكان النقد خير ما تميزت به اثناء مسيرتي الدراسية فكنت لست بالذي يدع السؤال يمر مرور الكرام، بل كنت أقف على جميع تفاصيله بغية الرغبة والمحبة في فهم جميع ما يمر عليّ اثناء دراستي، وكنت الأول على دفعتي في مرحلة الماجستير، ولا أنكر ما كان لأحد زملائي من فلسطين الذي كان يشغل حيزا ً كبيرا ً في المحاضرات…
– متى بدأت كتابة الشعر ؟ وهل جاءت كتابه قصائدكم التي حوتها مجموعتكم مصحوبة بطلب خاص من أحد يقف بالقرب منكم، أم جميعها من صميم الذات.؟
● بدأت كتابة قصائدي منذ فترة دراستي الجامعية لكن الحياة في تلك المرحلة عبارة عن ضرب من اللهو، فكانت أغلبها قصائد ومقطوعات غزلية لا علاقة لها في عمق المجتمع، ولا إلى عمق العملية الشعرية، وجاءت الحرب العراقية الإيرانية فأوقفت هذا الدفق، لكن بعد عودتي إلى كرسي الدراسة في مرحله الماجستير والدكتوراه كتبت القصائد التي تتقارب مع النهج القديم، لكن بعد دخول القوات الأمريكية إلى العراق خرج مـــــا فـــــي دواخل الشعـــــراء مــــــــــــــن
آهات، واحزان، وآلام. ولم تفرض عليَّ قصيدة واحدة من قصائدي ولم تأتِ أي منها بناءً على رغبة وتوجيه من أحد، بل جميع ما كتبته نابع من احساس داخلي يعتريه شيء من الغموض وكان لهذا الغموض قصد في بعض الاحايين .
– أنا ممن أمتلك مجموعتك الشعرية، وقرأت جميع ما حوته من قصائد، وكانت جميعها حافلة بالإبداع الفني والاسلوبي، لذا يرى المتلقي الماثل أمامكم قيمة هذه الحروف لا سيما وقد قرأت هذه المجموعة بذائقة ونهم، وكانت حروفك ليست حبرًا على ورق، ولم تكن قصائد عابرة، بل كانت من صميم معاناة الشاعر. فهلّا حدثتنا عن أهم تلك القصائد التي ما زالت عالقة في الذهن. ؟
● لعلها تلك القصيدة التي كتبتها عن القضية الفلسطينية عندما قرأت عن كفر قاسم أو إحدى المعارك حينما قام أحد الصهاينة بقتل عدد كبير من الفلسطينيين وحكم عليه بدفع قرش واحد للمحاكم الإسرائيلية كغرامة مالية مقابل جريمته البشعة .فكتبت قصيده ( يا قرش شالوم اثمر الدم ) وهي من القصائد التي كانت نابعة من معاناة صادقه .
– هنالك قصيدة أخرى وقفنا عليها عند قراءتنا حول مجموعتكم، وكانت نابعة أيضًا من رحم معاناتكم لاسيما عندما كنت مغتربا أنت وكوكبة من الاكاديميين العراقيين في دولة اليمن وكانت مكتوبة لإحدى بناتك ؟
●نعم كنت وقتها مأزومًا لمدة عشرة أيام لا استطيع أن أسير كما تسير الناس، ولا استطيع أن أجالس الأصدقاء، والإخوان ،والأبناء، حتى جلست في الليل وأنا أبكي بحرقة بكاءً مرًا ثم بعد ذلك اندفعت إلى كتابة ( طير الفرح )، كانت من القصائد التي كتبتها الدموع قبل الأقلام، وكذلك قصيدة أخرى هي ( بعض من رؤيا المتنبي المنسية ) هذه قصيدة فيها الكثير من المعاناة التي حملها الفؤاد .
– المتلقي في غالب الأحيان يرى خلاف رؤية الكاتب أو يفسر خلاف تفسيره، ويقرأ بقراءات متعددة تحت مظلة (نظرية القراءات المتعددة). فما رأيكم بالذي يؤول خلاف رؤيتك في النص . ؟
● نعم إنه وعي الزمن أو وعي اللحظة الزمنية في تلك المرحلة، لذا من الجميل أن يقرأ المتلقي بقراءات تأتي خلاف متبنيات وفكرة الكاتب، وربما يكون المتلقي مصدرًا مهمًا في فتح آفاق رحبة للشاعر لم يكن يدركها لولا قرّاؤهُ الحاذقون .
-يقول أحد النقاد: (كلما اتسعت الرؤية ضاقت الكلمات) كيف تجد ذلك في منظورك. ؟
● هذا مؤكد، لا سيما إذا كان الشاعر أو الأديب بشكل عام يمتلك عالمًا كبيرًا في مخيلته ولا يستطيع في بعض الأحايين أن يحقق شيئا، أو ربما يحجم عن الكتابة جرّاء بعض العوائق السياسية والاجتماعية . والشعراء وعلى امتداد العصور لم يصلوا بأشعارهم إلى الكمال، وعلى سبيل المثال حياة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) لأنه أكبر من كل الكلمات، لذا معها حاول الشاعر أن يصل إلى ما يتقارب مع الكمال …إلا أن الكلمات تضيق به أحيانا .
– كتبتم في مجالات مختلفة الشعر، الرواية، المسرحية الشعرية في العراق . أيهم كان أقرب إلى ذائقتكم الشعرية ؟ ولماذا. ؟
● الشعر حالة خاصة هو اخراج ما في القلب، والتعبير عما يجول في خلجاته، أما المسرحية تميل إلى الجانب العقلي في أغلب الاحيان، فكنت في المسرحية الشعرية أكثر قربًا إلى ذائقتي، وفي الرواية أكثر قربًا إلى عقلي .
– كثير من النقاد اليوم يعتبرون الرواية هي رائدة العصر على حساب الشعر ، فهل أنت متفق معهم. ؟
● في عصرٍ ما نعم، أما الآن فلا .
– مـــــــــا السبب ؟
● لأن أغلب الروايات المعاصرة بدأت تنحرف عن الاصول التي نبعت مـــــــنها ،
الرواية كتبت لتشرح المجتمع، وكتبت للطبقة الوسطى والفقيرة كذلك، وهذا في بداياتها وفي أوج عظمتها.
الرواية الثقافية اليوم مطلوبة نعم لكن بحدود، شريطة ألاّ تصبح للطبقة العليا فقط. فالآن على سبيل المثال لو أعطيت الرواية لطلبة الجامعات تجد الأغلب لا يفهمها. والرواية لم تكن كذلك، ولكي تكون الرواية رائدة فعلى كتّابها أن يراعوا الغاية السامية التي تُكتب لأجلها …
– بين دفتي مجموعتك الشعرية تأخذ المرأة حيزًا كبيرًا في مجال قصائدك، ما السبب في ذلك. ؟
● المرأة هي الكون، هي الوجود، هي النصف الآخر، هي الصديق، وهي العدو في آن واحد، فكان لا بد من أن تأخذ مكانتها .
– أين يكمن جمال المرأة، هل في ثقافتها أم في جمالها المظهري. ؟
● حينما تجد المرأة الإنسان والمثقفة فنحن أمام قمة الجمال .
– أربعة ينتظرونك خلف الباب : المتنبي، السياب، نازك الملائكة، الجواهري . من تفضل استقباله أولا.؟
● جميع هذه الأسماء هي قمم عالية في عالم الشعر، لكن إن كان لا بد فليدخل المتنبي و السياب يدا بيد .
– أين تجد نفسك بين الفصول الأربعة ولماذا. ؟
● لكل فصل جماله، لكن مع الربيع، لأنه تفتح الحياة، وأنا وبهذا العمر ما زلت متفتحًا للحياة برغم من الحالات التي مررت بها .
– ماذا كانت تعني لكم الغربة؟ وهل شغلت الغربة حيزًا واسعًا في قصائدكم. ؟
● أنت ممن قرأت المجموعة وقدمت حولها قراءة جميلة ومتواضعة، فلاحظت أن الغربة أخذت مساحة واسعة. والغربة هي اكتشاف الذات واكتشاف الآخر في نفس الوقت، ومع حرارتها وقسوتها إلا أنها وضعتني في مرآة أمام نفسي، وكشفت لي الكثير من التجارب وأهمها ذاتي الشخصية.
– من المعلوم أن كل إنسان يمر بمراحل ويقف بمحطات في حياته الشخصية، منها ما تكون مصدر قوة، وبناء، وتكوين ذاتي، ومنها ما قد يكون خلاف ذلك … هل تستذكر بعض تلك المراحل والمحطات التي مررتم بها. ؟
● الموت في الجبهات كان من أهم المحطات، أتساءل وأنا في الجبهة وقتها، لماذا خُلق الإنسان ؟ ليموت ؟ ليعمل ؟ أم ليعبد ؟. كانت قضية تراودني-الموت- وتحيرني في حياتي، وفي الوقت نفسه استطاعت هذه الأفكار عبر هذه المحطة أن تنمي إلى حدٍ ما كثيرًا من المعارف، والأفكار، والمعتقدات، لاسيما عندما يقف إلى جانبك زميل أو صديق فبلحظه يسقط أمامك مفارقًا الحياة جّراء سقوط قذائف، أو أي سبب آخر من أسباب الموت في الجبهة، وهذه المحطة أو المرحلة كانت في نفس الوقت باعثًأ أساسًا في متبنياتي الفكرية، وكتابتي في الكثير من الأشعار وبعض ما خطه قلمي في أوراقي المتناثرة شعرًا ونثرًا.
ويقف إلى جانب هذه المحطة محطات أخرى لكن هذه المحطة ما زالت عالقةً في الذاكرة …
-الشعر كغيره من الفنون، صورة تحاكي الواقع بكل تجلياته، فما الذي يمكن أن تعكسه قصيدة اليوم في ظل اختلاط الأوراق
● تبقى القصيدة سواء في الأمس أم اليوم دواءً وعلاجًا لكثير من الأزمات، فهي ليست حبرًا على ورق، بل أحاسيس ، وروح تتنفس .
-ماهي الآلية التقنية التي اعتمدتها في عملية اختيار عناوين نصوصك، وكيف عملت على تسليط الضوء عليها .؟
● في الدرجة الأولى الشعور بالكلمة الكامنة في النص هي التي تكون مغزى القصيدة، أو هي التي تكون رحمها التي تولد منه، وقد تأتي هذه الكلمات والعناوين بجوهر القول والمعنى الذي يصبو إليه الشاعر، فتحمل دلالة وعنوان القصيدة …