يمر العراق بمرحلة خطيرة للغاية بسبب تعرضه لانتكاسات سياسية وأمنية واقتصادية، طالما كان اللاعب الأساس لإنتاجها، العامل الداخلي المتمثل بسوء الإدارة والتنشئة السياسية للأطراف والقوى المتنفذة داخل مؤسسات الدولة أو تلك التي تلعب أدوارها الدرامية المتعددة على مسرح الحدث اليومي. والعامل الآخر، ذلك الذي تلعبه الدول الخارجية على الساحة العراقية، سيما الولايات المتحدة وإيران وتركيا وبعض الدول العربية. هذه التراكمات اتسع تموضعها في الآونة الأخيرة. منذ أن تعرضت غزة وأهلها لحرب إبادة جماعية تنتهجها إسرائيل بدعم أمريكي أوروبي وصمت رسمي عربي. لكن، من الناحية الموضوعية، أيضا، بسبب كيفية تدوير إنتاج طبقات سياسية فاشلة، تستأثر بالسلطة والامتيازات ومصادرة حقوق الآخرين وقمعهم، بدل معالجة الأوضاع ووضع حد للصراعات الخارجية على الساحة العراقية.
النظام السياسي العراقي قائم على أساس جدلي المنهج والمنشأ. والطبقات السياسية الفاشلة لا تتمتع بأساس ديمقراطي صحي. وفي الكثير من الحالات، يتم الاستئثار بالسلطة والامتيازات من خلال الفساد والعمل السياسي الملتوي، وتزوير الانتخابات، وغيرها من الوسائل غير الشرعية.
وعندما تفتقر الهياكل القانونية إلى الشفافية والمساءلة، يتيح للطبقة السياسية فرصة استغلال السلطة دون محاسبة أو رقيب. يتمثل ذلك في استغلال الموارد العامة لصالح القليل وعلى حساب المجتمع بأسره. فيما يؤدي تفشي الفساد والمحسوبية إلى منح صفقات من الامتيازات والموارد لأولئك الذين هم جزء من الدائرة الضيقة لصاحب القرار من خلال بما عرف باللجان الإقتصادية غير الشرعية. مما يقوض الثقة في النظام السياسي ويؤدي إلى تدهور الخدمات العامة والتنمية وإتاحة الفرص المتكافئة لجميع أفراد المجتمع. أيضا تفاقم الانقسامات الاجتماعية وتزايد الغضب والاحتجاجات وتصاعد الصراعات والفوضى. وبالنهاية إلى تقويض مؤسسات الدولة وقمع حقوق الإنسان وتزايد انعدام الثقة بالسياسيين وأحزابهم مهما تنوعت.
الخطير في الأمر: إن هذه الطبقات والأحزاب الماسكة بالسلطة تسوق للمجتمع مفهوم ما يستخدم في كثير من الأحيان بـ “المظلومية” كأداة تجعلها تستحوذ دون سواها على الحكم، عبر استخدام مختلف الأدوات والتكتيكات السياسية والشعبوية والتلاعب بالمشاعر الجماهيرية لتسويق نفسها، وتبرير من خلال وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي إقناع الناخبين بـ “أحقية” إمساكها بالحكم على أنها الخيار الأمثل والمناسب لتحقيق مصالح الدولة والمجتمع؟.
في هكذا مسار “منهج سياسي قاصر” يضع معوقات حتمية أمام تطور الدولة والمجتمع. من المهم بمكان، أن يحافظ الناخبون على وعيهم ويقيّمون أداء والتزام الأحزاب على أساس المبادئ الأخلاقية والشفافية الدستورية إلى جانب مدى كفاءة الإنجازات المدنية والنجاحات السياسية التي تحققها على الصعيدين، المجتمعي والوطني، قبل اتخاذ قراراتهم السياسية منها.
نعم، يمكن أن تغتصب الطبقات السياسية الفاشلة حقوق الآخرين السياسية والإدارية من خلال التلاعب بالنظام القانوني والمؤسسات الديمقراطية وتزوير الانتخابات وتحريف النتائج لصالحها الشخصي أو الحزبي. أيضا، منع الناس من التعبير عن آرائهم والتنديد بالسياسات الفاشلة تحت لافتة الدفاع عما يسمى بـ “الديمقراطية” الزائفة. وقد تتحايل هذه الطبقات السياسية على القانون والدستور بحكم تموضعها في السلطة، من خلال فرض و/ أو تمرير قرارات جائرة دون احترام للقوانين المنصوص عليها في الدستور الذي خطته بيدها. وقد تتجاهل الحاجات الأساسية للمواطنين مثل التعليم والصحة والخدمات الاجتماعية والعامة وتركز فقط على تحقيق مكاسبها الشخصية أو السياسية. لكنها، إلى متى ستتمكن ممارسة مثل هذه السلوكيات؟، التي تمثل استغلالا للسلطة وتقويضا لمبادئ العدالة المجتمعية التي تكفلها كل الشرائع السماوية والمدنية. كما تؤدي إلى استمرار تدهور الأوضاع في البلاد وتفاقم الانقسامات الاجتماعية والاقتصادية في ظل تراكم الصراع والحروب وتصفية الحسابات على الساحة العراقية والشرق الأوسط بشكل عام…
إن سلوك أي طريق مهما كان سهلا أو متعرجا نواجهه دون البحث عن مخرج، ليس خيار القدر، إنما الخيار المعروض أمام الأغلبية الصامتة: إن يستيقظ العقل وترسو الحكمة دارها لمنع انحدار العراق نحو الهاوية.