البحث العلمي لمكافحة التصحّر في العراق: ضرورة ملحة لمواجهة التحديات البيئية
أ.د. محمد الربيعي
يعد التصحر من اهم التحديات البيئية التي تواجه العراق في العصر الراهن، فهو يؤدي الى ازالة الغطاء النباتي والى فقدان التربة الخصبة، مما يتسبب في تاثير هائل على الانتاجية الزراعية. فمنذ عام 1970، فقد العراق ما يقرب من 20٪ من مساحته الخضراء،
ووصلت إلى 75% من إجمالي مساحة العراق، مما يعني ان الاراضي الزراعية اصبحت اكثر عرضة للتاكل، وان المياه الجوفية اصبحت اكثر ندرة. ولقد قدرت تكلفة مكافحة التصحر كنتيجة لانخفاض الانتاجية الزراعية وفقدان التربة الخصبة وتراجع الموارد المائية بحوالي 10 – 20 مليار دولار مما يشكل عائقا كبيرا امام التنمية الاقتصادية في العراق.
تهدف هذه المقالة الى مناقشة دور البحث العلمي في مكافحة التصحر، من خلال تسليط الضوء على اهمية تطوير تقنيات جديدة وفعالة، وتحسين فهم اسباب التصحر وطرق مكافحته.
من المهم ان نبدا بعرض بعض الفوائد التي يمكن ان تتحقق من خلال دعم البحث العلمي في مجال مكافحة التصحر، ومن هذه الفوائد ما يلي:
تطوير تقنيات جديدة وفعالة لمكافحة التصحر
يعد تطوير تقنيات جديدة وفعالة لمكافحة التصحر احد اهم الفوائد التي يمكن ان تتحقق من دعم البحث العلمي في هذا المجال. ويمكن ان تساعد هذه التقنيات في الحد من التصحر من خلال:
– ترشيد استخدام المياه: تساعد تقنيات الري الحديثة في ترشيد استخدام المياه، مما يقلل من انجراف التربة ويساهم في الحفاظ على التربة الخصبة.
-حماية التربة: تساعد تقنيات اعادة التحريج في حماية التربة من الرياح، مما يساهم في الحد من التصحر.
-تثبيت التربة: تساعد تقنيات مكافحة التصحر في تثبيت التربة ومنع انجرافها.
وفيما يلي بعض الامثلة على التقنيات الجديدة والفعالة لمكافحة التصحر التي يمكن تطويرها من خلال البحث العلمي:
-تقنيات الري الحديثة: تطوير تقنيات حديثة تعتمد على تقنيات الذكاء الاصطناعي او تقنيات الاستشعار عن بعد لتحديد احتياجات الري بشكل اكثر دقة. يمكن ان تساعد هذه التقنيات في ترشيد استخدام المياه بنسبة تصل الى 50%.
-تقنيات اعادة التحريج: تطوير تقنيات اكثر فعالية من حيث التكلفة واكثر مقاومة للجفاف. يمكن ان تساعد هذه التقنيات في اعادة تاهيل الاراضي المتدهورة بشكل اسرع.
-تقنيات مكافحة التصحر: تطوير تقنيات اكثر فعالية من حيث التكاليف واقل ضررا بالبيئة. يمكن ان تساعد هذه التقنيات في حماية التربة من الرياح بشكل اكثر فعالية، وتشمل هذه التقنيات:
– تقنيات اعادة التشجير: لزراعة الاشجار والنباتات المحلية المقاومة للجفاف مثل الاكاسيا والاثل والسدر البري والنخيل والصفصاف والشجيرات الرعوية، يساعد على استقرار التربة ومنع انجرافها.
-تقنيات تحسين استخدام المياه: لزيادة كفاءة استخدام المياه في الزراعة، مما يساعد على تقليل اجهاد المياه. من هذه التقنيات الري بالتنقيط والري الحضري لتوفير الماء للنباتات في المناطق الجافة ولتجفيف الأراضي الرطبة بشكل متساوٍ وبهذه الطريقة تمنع تجمع الماء المفرط في التربة.
-تقنيات معالجة التربة: لتحسين خصوبة التربة وزيادة قدرتها على الانتاج.
– تقنيات للتقليل من تأكل التربة: مثل بناء الحواجز أو استخدام النباتات الحجرية للتقليل من قوة الرياح والماء على التربة.
– تقنيات الاصطفاف وتجفيف الأراضي: تهدف هذه التقنيات إلى تحسين الصرف الزراعي وتحسين جودة الأرض من خلال إزالة الرطوبة الزائدة والتخلص من ملوحة التربة. تختلف هذه التقنيات حسب نوع الأرض وظروفها المحلية، لذا يجب القيام بالدراسات والبحوث اللازمة قبل تنفيذ أي نوع من هذه التقنيات لضمان فعالية ونجاح العملية.
تحسين فهم اسباب التصحر وكيفية مكافحته
يمكن ان يساعد البحث العلمي في تحسين فهم اسباب التصحر وكيفية مكافحته وبما يتعلق الوضع العراقي. يمكن ان يساعد هذا الفهم في تطوير سياسات وبرامج اكثر فعالية لمكافحة التصحر.
فيما يلي بعض الامثلة على الابحاث العالمية التي يمكن ان تساعد في تحسين فهم اسباب التصحر وكيفية مكافحته في العراق:
– دراسات حول تاثير التغيرات المناخية على التصحر: يمكن ان تساعد هذه الدراسات في فهم كيفية تاثير التغيرات المناخية على التصحر، مثل زيادة معدلات الجفاف وتغير انماط هطول الامطار.
– دراسات حول تاثير ممارسات الزراعة غير المستدامة على التصحر: يمكن ان تساعد هذه الدراسات في فهم كيفية تاثير ممارسات الزراعة غير المستدامة، مثل الرعي الجائر وازالة الغابات، على التصحر.
– دراسات حول تاثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على التصحر: يمكن ان تساعد هذه الدراسات في فهم كيفية تاثير العوامل الاجتماعية والاقتصادية، مثل الفقر والبطالة، على التصحر.
– تحليل لتغيرات التغطية الارضية في العراق على مدار سنوات عديدة، مما يساعد في تحديد المناطق التي تعاني من تصحر وتدهور الاراضي.
– ابحاث حول استخدام الموارد المائية في العراق واثرها على تصحر الاراضي، مثل تجفيف الانهار او ازالة الترسبات المائية، كمثل الدراسة التي اجراها الباحث العراقي الدكتور فلاح جمال معروف عام 2023، بعنوان “اثر استخدام الموارد المائية في العراق على تصحر الاراضي”، والتي خلصت الى ان استخدام الموارد المائية في العراق غير مستدام، ويؤدي الى زيادة معدلات التصحر وتدهور الاراضي في العديد من المناطق في العراق.
-دراسات حول تاثير التلوث على البيئة في العراق، والتي قد تتضمن تحليل للتلوث الهوائي والتربة والمياه وتاثيره على نمو الاشجار والنباتات.
-ابحاث حول انماط الاستخدام الارضي في العراق وتاثيرها على تصحر الاراضي، مع التركيز على الزراعة غير المستدامة او ازالة الغابات.
-دراسات حول اهمية تطوير تقنيات الري الحديثة والمستدامة في العراق، وكيف يمكن ان تساهم في الحد من تصحر الاراضي.
-ابحاث حول تاثير العوامل الاقتصادية والسياسية على تصحر الاراضي في العراق، مثل التغيرات في النشاط الاقتصادي وتداعيات الصراعات المسلحة.
-دراسات حول تاثير الهجرة وحركة النازحين في العراق على مساحات الاراضي الخالية وزيادة تصحرها.
-بحوث حول اهمية التوعية البيئية وتثقيف الجمهور في العراق حول اسباب وتاثيرات تصحر الاراضي، وكيف يمكنهم المساهمة في مكافحته.
-استعراض للسياسات والبرامج الحكومية المتخذة في العراق لمواجهة تصحر الاراضي وتحسين استدامة الموارد الطبيعية.
زيادة الوعي باهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر
يمكن ان يساعد البحث العلمي في زيادة الوعي باهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر. ويمكن ان يساعد هذا الوعي في تغيير السلوكيات السلبية التي تؤدي الى التصحر.
فيما يلي بعض الامثلة على الانشطة التي يمكن ان تساعد في زيادة الوعي باهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر:
– حملات التوعية المجتمعية: يمكن ان تساعد الحملات التوعية المجتمعية في زيادة الوعي باهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر. ويمكن ان تستهدف هذه الحملات مختلف الفئات المجتمعية، بما في ذلك الاطفال والشباب والكبار.
– برامج التعليم البيئي: يمكن ان تساعد برامج التعليم البيئي في زيادة الوعي باهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر. يمكن ان تقدم هذه البرامج معلومات حول اسباب التصحر وكيفية مكافحته.
– وسائل الاعلام: يمكن ان تساعد وسائل الاعلام في زيادة الوعي باهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر من خلال نشر المعلومات حول هذه القضايا.
– مسابقات وفعاليات توعوية: يمكن تنظيم مسابقات وفعاليات توعوية حول الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر، مثل مسابقات الرسم او الكتابة او التصوير. ويمكن ان تكون هذه الفعاليات ممتعة وتشجع الشباب على اكتشاف المشكلة وايجاد حلول لها.
– زيارات ميدانية: يمكن تنظيم زيارات ميدانية للاماكن المتضررة بسبب التصحر، مثل الصحاري او الاراضي الجافة. ويمكن للمشاركين في هذه الزيارات رؤية تاثير التصحر على البيئة والحياة النباتية والحيوانية، مما يزيد من فهمهم ووعيهم باهمية مكافحة هذه الظاهرة.
– تطوير مشاريع بيئية: من خلال تنفيذ مشاريع بيئية محلية لمكافحة التصحر، مثل زراعة واكثار الاشجار في المناطق الجافة او اعادة تاهيل المساحات القاحلة من مثل المشاريع الرائدة التي يشرف عليها الاستاذ حسين النحال والدكتورة افاق ابراهيم جمعة. واهميتها تكمن في مشاركة المجتمع المحلي في هذه المشاريع والشعور بالانتماء والمسؤولية تجاه البيئة.
– حماية المناطق الطبيعية: يمكن تشجيع الحكومات والمنظمات غير الحكومية على حماية المناطق الطبيعية التي تتعرض للتصحر. يتضمن ذلك تحديد وتهيئة المحميات الطبيعية وتنفيذ سياسات الرعاية والحفظ للتربة والمياه.
– تحفيز الابتكار البيئي: يجب تشجيع الابتكار البيئي وتطوير التقنيات الجديدة لمكافحة التصحر، مثل تقنيات الري الذكية والزراعة العضوية. ويمكن تقديم جوائز وتمويل للافكار والمشاريع البيئية المبتكرة.
– التعاون الدولي: يجب توسيع التعاون والتنسيق الدولي في جهود مكافحة التصحر، حيث يمكن للدول المتاثرة بالتصحر مثل السعودية والاردن ومصر والدول الغنية بالموارد ان تعمل معا لمشاركة المعرفة والتكنولوجيا والموارد المالية لحماية البيئة ومكافحة التصحر.
يمكننا التاكيد على ان دعم البحث العلمي في مجال مكافحة التصحر في العراق سيؤدي الى تطوير تقنيات جديدة وفعالة لمكافحة التصحر، وتحسين فهم اسباب التصحر وكيفية مكافحته، وزيادة الوعي باهمية الحفاظ على البيئة ومكافحة التصحر. كما يمكن ان تساعد هذه الجهود في الحد من ظاهرة التصحر في العراق وحماية الموارد الطبيعية للبلاد لمستقبل الاجيال القادمة.
من اجل معالجة مشكلة التصحر في العراق، يجب ان تتعاون جميع الجهات المعنية، بما في ذلك الحكومة والقطاع الخاص وافراد المجتمع، ويتطلب تحقيق هذه الجهود اتخاذ بعض الخطوات المحددة التي يمكن اتخاذها حاليا لدعم البحث العلمي في مجال مكافحة التصحر، كمثل:
-إنشاء صندوق خاص لدعم البحث العلمي في مجال مكافحة التصحر، وتمويل المشاريع البحثية التي تستهدف دراسة أسباب التصحر وتطوير الحلول العلمية لمكافحته.
-إنشاء مراكز بحث متخصصة في الجامعات العراقية في مجال مكافحة التصحر، وتوفير البنية التحتية اللازمة لهذه المراكز، مثل المختبرات والمكتبات والمرافق الأخرى.
-توفير المعدات والتقنيات الحديثة للباحثين في مجال مكافحة التصحر، بما في ذلك الاتصال بالأقمار الصناعية والتقنيات الجغرافية المكانية.
-تشجيع التعاون بين الباحثين العراقيين والباحثين الدوليين، وتبادل الخبرات والمعلومات.
إن تحقيق هذه الخطوات سيساعد على تعزيز البحث العلمي في مجال مكافحة التصحر في العراق، وتطوير حلول علمية فعالة لمكافحة هذا الخطر الذي يهدد مستقبل البلاد.
وفي الختام، نؤكد على اهمية دعم البحث العلمي في مجال مكافحة التصحر في العراق، كونه يعتبر المفتاح لتحقيق مستقبل اخضر ومزدهر للبلاد. من خلال توفير هذا الدعم، يتسنى لنا بناء مستقبل افضل لكل مواطن ونترك وراءنا ارثا ايجابيا للاجيال القادمة.