أطباء نازيّين ألمان بنسخة أسرائيلية
زكي رضا
في الثامن من أغسطس 1945 وبالتحديد في مدينة نورمبرغ بمقاطعة بافاريا في المانيا التي كانت للتو قد خسرت الحرب العالمية الثانية، أنعقدت محكمة لمحاكمة النازيين بتهم أرتكاب جرائم ضد الأنسانية وجرائم حرب كالقتل والأبادة والترحيل القسري والأستعباد و كل ما يتعلق بجرائم ممنهجة ضد المدنيين على أساس ديني وعرقي وحتّى سياسي. لقد كانت هذه المحكمة ومثلها التي أنعقدت في طوكيو بداية لتأسيس قضاء دولي، يأخذ على عاتقه محاكمة المسؤولين عن جرائم الحرب وجرائم قتل المدنيين العزّل، والتي تُوّجت اليوم بأنشاء المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا.
أن تحاكم أية محكمة بالعالم زعماء وساسة وجنرالات عسكريين لجرائم أرتكبوها أثناء الحرب أو السلم، أمر طبيعي وحدث وسيحدث لاحقا طالما هناك حروب وقمع في العالم. لكنّ أن تتم محاكمة أطبّاء مسؤولون أخلاقيّا عن أنقاذ الأنسان من المرض والموت، كونهم مجرمي حرب هو الأمر غير الطبيعي بالمرّة، ليس كونهم أطباء فقط بل لكون مهنتهم أخلاقها التي عليهم الألتزام بها وهم من يؤدّون قسم أبقراط في طريقهم لممارسة مهنتهم الأنسانية. والأطباء النازيين الألمان، كسروا أعراف الأخلاق الطبيّة بتجاربهم على البشرفي معسكرات الأعتقال، وهذا ما جعل الرأي العام العالمي يقف مشدوها وقتها لجرائم يقترفها من بيدهم أنقاذ البشر.
حوكم مئة وسبعة وسبعون طبيبا نازيّا في محكمة نورمبرغ، وحُكم على سبعة منهم بالأعدام وتمّ أصدار أحكام مختلفة بالسجن لعدد آخر منهم. ومن هؤلاء الأطباء المجرمين، الطبيب النازي كارل كلاوبيرج الذي كان يجري تجارب طبية على المعتقلين في الوحدة 10 بمعسكر أوشفيتز، والطبيبة النازيّة هارتا أوبرهاو في معسكر رافنسبروك، و فالدمار هوفن، رئيس الأطباء من قوات الأمن الخاصة في معسكر بوخنوالد، وفريدرش هوفمان الذي أعترف بقتله 324 قسّا كاثوليكيا الذين عانوا من مرض الملاريا خلال التجارب الطبية النازية بمعسكر داخاو. لقد كان السجناء اليهود والغجر والبولنديون والسوفييت وغيرهم من الشعوب، ومعهم عشرات الآلاف من السياسيين ومنهم ألمان، عبارة عن خنازير غينية بنظر هؤلاء الأطباء الذين أستخدموهم في تجارب مختبرية غير أنسانية. وبذلك يكون هؤلاء الأطباء النازيين أكثر أجراما ووحشية من قادتهم السياسيين والعسكريين.
اليوم وبعد ما يقارب الثمانية عقود على أنتهاء تلك الحقبة السوداء من تاريخ البشرية، وعوضا من تعلّم دروس تلك الحرب وأهوالها وخصوصا من قبل الأطباء، نرى أنّ الأطباء النازيين قد أستنسخوا أنفسهم كأطبّاء أسرائيليين، بل جاء أستنساخهم بشكل أكثر بشاعة وهمجية ونازيّة. فأطبّاء العهد النازي كانوا يجرون تجاربهم في معسكرات أعتقال صغيرة الحجم وقليلة العدد مقارنة مع مُعتقل غزّة الذي يُسجن فيه أكثر من مليوني معتقل منذ ما يقارب العقدين. وعلى الرغم من تلك التجارب الطبيّة النازيّة، الّا أنّها كانت تجارب محدودة مقارنة بأعداد المعتقلين وأسرى الحرب وقتها.
لقد فاق الأطباء الصهاينة أسلافهم النازيين الألمان الذي أُستنسخوا منهم، وحشية ونازيّة وفاشيّة وهمجية وبربرية. فبعد القصف الأسرائيلي لمستشفيات غيتو غزّة ومقتل المئات من المرضى والكوادر الطبيّة، وعوضا عن وقوف هؤلاء الأطبّاء الى جانب الضحايا من منطلق أنساني بعيد عن منطق الحرب، نرى العشرات منهم ومن بينهم أساتذة طب يطالبون حكومتهم بأصدار الأوامر لقصف مستشفيات معسكر أعتقال غزّة، وقتل من فيها ومنهم زملاء لهم في هذه المهنة الأنسانية.
لقد أرتكبت أسرائيل لليوم عشرات بل مئات الجرائم بحق الفلسطينيين، على أساس ديني وعرقي. كما أرتكبت وترتكب جرائم ضد الأنسانية وجرائم حرب وإبادة وترحيل قسري، وهذه الجرائم يجب أن يقدّم مرتكبيها الى محكمة العدل الدولية لينالوا عقابهم. ولو أنعقدت هذه المحكمة في يوم ما، فأنّ العالم سيقف مشدوها وهو يرى عشرات الأطباء النازيين الأسرائيليين في أقفاصها بتهم دعوتهم الصريحة للأبادة الجماعية وقتل المرضى ومنهم مئات الأطفال بالمستشفيات.
جرائم الأبادة الجماعية لا تسقط بالتقادم