الفيلم الألماني (أنا كارل) يقرع جرس الإنذار لخطورة صعود اليمين المتطرف في أوروبا
علي المسعود
بعد تصاعد أعمال العنف ضد اللاجئين والمهاجرين الأجانب في المانيا . فيلم ” أنا كارل ” يتطرق لصعود جماعة النازيين الجدد و أفكارهم المتطرفة عن الإرهاب والعنف ضد المسلمين والمهاجرين بدعم من اليمين المتطرف . “اليمين المتطرف” يطلق على الأحزاب السياسية والتيارات التي تدعو إلى التدخل القسري واستخدام العنف والسلاح لفرض تقاليدهم وأفكارهم، وتنتشر تلك الأحزاب والتيارات في دول الاتحاد الأوروبي وتطغى عليهم فكرة القومية والأصولية العرقية، ولذلك أصبحوا ينظرون إلى الأجانب بعين الريبة، كما وظهرت دعواتهم إلى كبح جماع الهجرة والتضييق على المهاجرين، بل أصبحت ردود الأفعال العدائية تجاه العرب والمسلمين برنامجاً انتخابياً لدى بعض أحزاب اليمين الأوروبية ، وأدى الى تزايد مخاوف المهاجرون والمواطنون من أصول أجنبية في بعض دول الاتحاد الأوروبي وتخوفهم من صعود أحزاب اليمين المتطرف في بعض تلك البلدان ومن تحقيق اليمين المتطرف تقدماً كبيراً في الانتخابات في عدد من الدول الأوروبية ، منها فرنسا التي حقق فيها حزب الجبهة الوطنية اليمني المتطرف نتيجة قياسية في الجولة الأولى من الانتخابات، وخسر في الجولة الثانية، وكذلك منافسة أحزاب اليمنين المتطرفة في بريطانيا وهولندا وألمانيا وعدد من الدول الأوروبية . المخرج الالماني (كريستيان شوتشوف) في فيلمه الجديد ( أنا كارل ) أو” جيس وي كارل ” يقرع جرس إنذار لخطورة صعود اليمين المتطرف في أوروبا والذي يمكن إعتباره ليس مشكلة أنية وانما لها جذور متعددة . بسبب الفشل الإداري الذي سمح لضابط ألماني لا يتكلم العربية بتقديم نفسه كلاجئ لفترة طويلة من الزمن، بل أيضاً بسبب تراخي ألمانيا لفترة طويلة وتقاعسها عن محاربة تطرف اليمين . وقال فرانكو إيه (الاسم الذي صرحت المحكمة به) . إنه إنتحل صفة لاجئ كي ينبه إلى خطورة قرار المستشارة أنجيلا ميركل بالسماح لأكثر عن مليون لاجئ بدخول ألمانيا ، الأمر الذي اعتبره تهديداً للأمن والهوية الوطنية . لقد أصاب اعتقال فرانكو والكشف هن هويته المزدوجة في نيسان من عام 2017 ألمانيا بصدمة كبيرة، وذلك لأن خضوعه للمحاكمة يعني خضوع ألمانيا بأسرها للمحاكمة معه، ليس فقط وقد ألهمت فضحية الضابط الآلماني الذي ينتمي الى اليمين المتطرف (فرانكو) ، في عودة المخرج الألماني كريستيان شوتشوف إلى وطنه ليأخذ في الاعتبار صعود اليمين المتطرف في أوروبا المعاصرة في إخراج فيلم (أنا كارل ). يذكرنا عنوان الفيلم بشعار “أنا تشارلي” والحملة اليمينية المناهضة للإسلام من قبل وسائل الإعلام والأحزاب السياسية الرائدة في أعقاب الهجوم الإرهابي على مكاتب شارلي إيبدو في باريس المجلة ألاسبوعية الساخرة في يناير 2015 .
الفيلم من تأليف “توماس فيندريتش” وإخراج ألألماني ” كريستيان شوتشوف” . يبدأ فيلم المخرج من مشهد داخل سيارة ويظهر فيها أليكس (ميلان بيشل) ورفيقته إينيس باير (ميلاني فوش) ، أثناء تواصلهما مع اللاجئ الليبي يوسف (عزيز دياب) من أجل تهريبه إلى ألمانيا. إينيس حاملة الكاميرا وتعمل على تصوير ونقل حي من الحدود الهنغارية في نقل صديقهم الليبي (يوسف ) من بودابست وتوصليه الى المانيا بعد أخفائه في صندوق السيارة . ونتعرف بأنه سبق وأن التقيا معه في اليونان خلال عطلتهم الصيفية . وتسرد الزوجة امام الكاميرا كيف حدث اللقاء اليونان وتبادلوا أطراف الحديث أخبرهم بأنه لاجى وبعدها تبادلوا مع يوسف حساباتهم على ” الفيس بوك” ، وبتواصلهم معه ، أخبرهم إنه في بودابست وهو حائر في الخطوة القادمة ، بعد فترة سافر الزوجان الى بوداست من أجل يوسف ومساعدته والمجازفة في إدخاله الى المانيا. وخلال الرحلة يسلط المخرج الضوء على أفواج من اللاجئين الذي يقطعون الاميال مشيأ على الاقدام في الوصول الى البلاد الذي يستقبلهم ويؤمن لهم العيش بكرامة وأمان ، وينجح الزوجان في تهريب اللاجئ الليبي (يوسف) وتنتابهما حالة من هستيريا الفرح وهما يحتفلان بوصول يوسف الى المانيا ، ويقوم الزوجان بتصوير تلك الخطوة بكل لحظاتها . بعد عامين ، تعيش إيناس وأليكس في العاصمة الألمانية مع ابنتهما الكبرى ماكسي (لونا ويدلر) وصبيانهما الصغيرين هانز وفرانز . الابنة المراهقة ماكسي (لونا ويدلر) تعود الى المنزل الان بعد بدء العطلة المدرسية. تحتفل عائلة باير في شقتهم في برلين وعند وصولهم الاب الى البيت تذكره زوجته باحضار النبيذ من السيارة ، عند نزوله يصادف ساعي البريد عند باب جيرانه والذي يترجى أليكس في إستلام الطرد البريدي العائد لجارته العجوز التي عمرها ثمانين عاما وتطلب حاجاتها من خلال الانترنيت . بعد التوقيع على الاستلام يٌدخل اليكس الطرد الى بيته ، وينزل الى سيارته لجلب النبيذ ويحدث الانفجار للطرد الملغوم الذي أستلمه ، ترتفع سحابة من الدخان والاتربة ويسقط بقربه طائرا متفحاً من شدة الانفجار وهذه لفتة ذكية من المخرج لها دلالتها الرمزية في توصيف قسوة المشهد .
تحدث المأساة بعد مقتل شريكته (إينيس) واثنين من اولاده الصغار ونجاته هو وابنته الشابة ماكس الذي صادف انها كانت خارج البيت ساعة وقوع الانفجار . الأيام تمر وعناوين الأخبار تتكهن بالجاني وتقفز إلى استنتاجات لا أساس لها من الصحة واصابع الأتهام كالعادة تشير الى أنهم (إرهابيون إسلاميون). تلتقط الصحافة الألمانية الطعم وتنشر بشكل متوقع مقالات مثيرة تلقي باللوم على المهاجرين والإسلاميين في هذا التفجير . تبدأ عملية مطاردة المهاجرين على الرغم من عدم وجود أدلة حول الجاني ، لكن المخرج يكشف لنا نحن المشاهدون وبعد نصف ساعة بأن رجل التوصيل المتنكر هو في الواقع كارل (جانيس نيوونر) الشاب المخدوع بفكرة اليمين المتطرف الذي نفذ الهجوم على أمل أن يؤجج المشاعر المعادية للمهاجرين والمسلمين . تُظهر الشابة المفجوعة ماكسي فضولًا وهي تتطلع إلى موقع القنبلة وضريح تذكاري على الرصيف تصطف على جانبيه الزهور وصور للضحايا .
يتعرف عليها مراسل صحفي يصر على إجراء مقابة معها عن الحادث ، ولكن عندما ترفض إجراء مقابلة تتم ملاحقتها تهرب منه وتدخل إلى متجر ، وياتي الأنقاذ من شاب (كارل) يتحدث معها بلطف ويعطيها سترته كتمويه وانتهى بهم الأمر بتناول القهوة معًا . كارل (جانيس نيونر) شاب وسيم وجذاب و يقترح عليها حضور مهرجان (أكاديمية صيفية) في براغ ساعد في تنظيمها لمجموعة تسمى (أحياء\ جيل أوروبا ) تعود الابنة الشابة ماكسي إلى جو الاكتئاب في المنزل ، وفي مشهد مؤلم حين يطلب من الاهالي التعرف على الاشياء التي وجدوها بعد الانفجار ، أليكس وابنته ماكسي (لونا ويدلر) ينظرون إلى غرفة مليئة بالأشياء التي تم استردادها من الحطام ، ويجدون وشاح الأم إينيس وأحدى ألعاب الأولاد ، هنا تنهار البنت الشابة وتتهم الشرطة بانها متهاونة ولم تستسطيع الامساك بالمجرم الذي تسبب بمقتل أمها وأخويها ، وعندما يحاول الاب تهدئتها تنفعل وتصرخ بوجهة ( انت السبب لما حدث لنا لانك ادخلت الطرد الملغوم الى بيتنا) . تنضم إلى كارل دون إبلاغ والدها . مع تقدم السرد في الفيلم ، نكتشف أن الشاب الوسيم ” كارل” ومجموعته المتطرفة يديرون حركة (إحياء/ جيل أوروبا) وإنهم يهدفون إلى السيطرة على أوروبا من أجل الحفاظ على الهوية ، ويعتقدون إنهم يملكون القوة في أيديهم لأنهم هم المستقبل . كارل ليس سوى وجه للجيل الجديد يروج للأيديولوجية الفاشية ، والفتاة ماكسي تجهل إنها تنضم دون قصد إلى حركة كان والديها ذوي الأفكار اليسارية ضد أيديولوجياتها. ينتقل كارل إلى الجزء التالي من خطته ، تجنيد الابنة المصدومة ماكسي لحركته الفاشية في عموم أوروبا. وينتهي بها الأمر في قطار متجه إلى براغ لحضورمهرجان ”الأكاديمية” والتي هي أشبه بالمؤتمر لمجموعة من الشباب االهائج والملوث بالفكر النازي المتطرف الذي يرفع شعارات “نحن أوروبا الجديدة!” و” أحياء أوروبا”.
نتقل المشهد إلى براغ واجتماع المفكرين المشاركين لكارل في “الأكاديمية الصيفية” وهو مؤتمر لليمين المتطرف وأغلب الحاضرين من الشباب . يخاطب كارل الجمهور بأسلوب خبير ورسالته – ضرورة قيام حركة أوروبية جديدة من الشباب الراديكالي للإطاحة بالنخب السياسية القديمة وحماية الثقافات الوطنية من التهديد الذي تشكله الهجرة . وأطلاق العبارات المسمومة لليمين الجديد – ” إحياء الهوية” . أنه تجمع موبوء وسط جركة فاشية وعنصرية وبدعم من حزب يميني متطرف والذي تحضره زعيمة الحزب ” أوديل دوفال ” التي تقوم بدورها الممثلة فلور جيفرييه ( اشارة الى زعيمة الحزب الجبهة الوطنية الفرنسية مارين لوبان). تحدثوا بعض من الحضور عن شهادات غير حقيقية مثلا ، في أحد المشاهد الرئيسية تصرخ أحدي الشابات من الحضور ” مرحبًا بالنصر!” – التحية النازية – للإشارة إلى موافقتها على رسالة كارل . في مشهد آخر من هذا الاجتماع ، امرأة تشارك في تصوير فيديو دعائي للحركة الأوروبية الجديدة وفي مواجهة الكاميرا تروي تجربتها المؤلمة لتعرضها للاغتصاب من قبل اللاجئين الافغان ، وعندما تخرج من الكاميرا ، تسعى الشابة ماكسي إلى مواساتها لكنها تصدم الفتاة ” لا تقلقي ، لم أتعرض للاغتصاب” ، كما تقول المرأة : “لكن هذه الأشياء تحدث وهذا هو نوع الدعاية التي تحتاجها الحركة”. بعد انتهت من روايته المفبركة ، هتفت نحن نساء أوروبا لسنا جواري لمجموعة من اللاجئين المجرمين “. على الجانب الاخر ينقطع التواصل بين ألاب اليكس وأبنته المراهقة ماكسي ، يستنجد الاب ( أليكس) لاعادة ابنته ماكسي باللاجي العربي (يوسف) لاعادة أبنته الى أحضانه وأنقاذها بعد هروبها منه ، فعلا يحضر الشاب يوسف الذي غير اسمه الى آدم حتى لايكون اسمه سببا لتعرضه للتميز او الكراهية ، ويسافران معا لانقاذ الشابة ماكسي و أرجاعها الى البيت ، وعند وصولهما تندلع مصادمات ومعارك بعد نزول اليمين المتطرف بالعدة و العدد من السلاح ، ينتهي الفيلم باستفزاز إرهابي بهدف إثارة انقلاب يميني متطرف. بدأت أعمال الشغب بإطلاق النار على الأشخاص ونزل الناس إلى الشوارع في جميع أنحاء أوروبا. قرب نهاية الفيلم ، تجد ماكسي نفسها متورطة في مأساة أخرى بعد وفاة حبيبها كارل. وبعد أن تندلع أعمال الشغب يختبئ يوسف في سيارة بينما تبدأ المجاميع الفاشية في التخريب ويترك ماكسي وأليكس ليدافعوا عن أنفسهم . يختبئ يوسف داخل سيارة في مشهد يذكرنا بالطريقة التي وصل بها إلى ألمانيا. إنها فكرة بصرية خفية تؤكد على الحالة المأساوية للمهاجرين في أوروبا الذين يتوافقون إلى حد ما مع حياة الخوف والاختباء وسط المشاعر المعادية للمهاجرين المتزايدة. وبعد أن يصل اليه كل من أليكس و أبنته ماكسي ، يختبئون في نفق تحت الارض ويسمعون ألانفجارات فوقهم ، ينتهي الفيلم بالثلاثي يسير في نفق مظلم تحت الأرض مع بصيص ضوء يومض في نهاية النفق وهي أشارة ذكية من المخرج . يخرج ماكسي وأليكس ويوسف من أعمال الشغب سالمين وأحياء ، ويمثل مصيرهم الجماعي الاعتماد المتبادل بين السكان الأصليين والمهاجرين . مع صوت اللاجئ العربي يوسف وهو يدندن اغنية عربية وبلهجة سورية عذبة : (يجي يوم وتطفي النيران … كنا اولاد ازغار … يوم تقاتلوا الجيران … راح يرجعوا أولاد الجيران .. ونرجع نلعب بالحارات ) .
هل وفق السيناريو في سرد خطورة النازية الجديدة ؟
الفيلم تصوير مثير للقلق وواقعي لـ صعود الفاشية . منذ اللحظة التي بدأت فيها والدقائق الخمس والأربعون الأولى من فيلم ” أنا كارل ” مثيرة للإعجاب ولها معنى كبير . ولكن في اللحظة التي ينتقل فيها السرد إلى جزء (إحياء / جيل أوروبا) ، يصبح السرد ضعيفًا وفوضويًا. كان بإمكان الكاتب توماس فيندريتش أن يطلعنا على الجزء الحديث من النازيين الجدد دون إضافة الكثير من الدراما وحبكة الحب والحفلات الموسيقية المبالغ فيها. صحيح المخرج قد ركز على أليكس ونشاطه لكنه كان ثرثارًا حسن المظهر ، فخوراً بأيديولوجياته الفاشية . الفتاة المراهقة ماكسي (لونا ويدلر) هي ابنة بيرلينر أليكس (ميلان بيشل) شقراء وتعيش في العاصمة الألمانية مع شريكة أليكس ، الفرنسية إيناس (ميلاني فوش) ، وأخوات ماكسي التوأم الأصغر. ومع ذلك لم نرى الكثير من حياتهم الأسرية ، تظهر لنا المشاهد الافتتاحية زوجين ، أليكس (ميلان بيشيل) وإينيس (ميلاني فوش) يساعدان لاجئًا يدعى يوسف ويأخذه إلى برلين. يقدم لنا الكاتب توماس وندريتش والمخرج كريستيان شوشوف فكرة أن الزوجين يتعاطفان مع اللاجئين بغض النظر عن دينهم انه سلوك إنساني عظيم . من رؤيا ومنطلق البعض من الألمان يتوقعون تشكيل الحزب اليمينى الشعبوى “البديل من أجل ألمانيا ” حكومة على مستوى الولايات أو حتى على المستوى الاتحادى خلال العشر سنوات المقبلة، بل وسيصل للسلطة بحلول عام 2030 .
من هنا يأتى أهمية الفيلم الألمانى في رصده لصعود اليمين المتطرف فى ألمانيا ، يوضح لنا المخرج كريستيان شوتشوف في فيلمه الذي يعالج عودة وصعود الحركة الفاشية : ” في البداية كنت أتساءل ، لماذا تقدم قصة عن المتطرفين اليمينيين؟ ، لماذا نمنحهم أي فرصة ليُظهروا؟ حسنًا ، بوضوح كيف أن الأمر كله مجرد هراء ، وكيف أنه جنون مدبر ، وكيف يتم التلاعب بكل شيء لتحقيق مكاسبهم (السياسية). أبعد من ذلك ، هذه محاولة لتظهر لنا كيف سيبدو الحزب النازي في الوقت الحاضر. هناك دائمًا مقارنات يتم التخلص منها كل يوم ، ولكن يتم رفض معظم هذه المقارنات ، لأن هذا كان تاريخًا وكان أمرًا فظيعًا”. ويضيف المخرج – “أليست هذه هي الطريقة التي ينقل بها الرايخ الثالث المعاصر رسالته ويكتسب المؤيدين ويستفيد من الخوف في أذهان الناس؟ ، أليست هذه هي التكتيكات التي يستخدمونها؟ ، أعتقد أن هذا هو بالضبط سبب في صناعة هذا الفيلم “.
رسالة تحذير في نهاية الفيلم :
نهاية الفيلم مروعة حقًا ومن الناحيتين السينمائية والموضوعية . إنه تذكير بأنه يتعين علينا إيقاف هذا الصعود لليمين المتطرف في أقرب وقت ممكن قبل أن يخرج عن السيطرة ، قبل أن تقنع حيلهم الواضحة وخطاب الكراهية ويخدع أكبر عدد من الناس ويصبحوا فاشيين . وقد قام المخرج بعمل استثنائي جعل هذا الفيلم يبدو واقعيًا وقابل للتصديق ، وأشعر بالضيق لمشاهدته أيضًا ، لانه لابد أن تثير شيئًا بداخلك ، يجب أن تجعلك تفكر في حالة العالم وما يحدث ، من جهة أخرى هذا نوع من الأفلام من الضروري أنتاجه وهو النوع الذي نحتاجه أكثر هذه الأيام ، فنحن بحاجة إلى مثل هذه القصص لإضفاء بعض المعنى على الإنسانية . وعندما سئل المخرج ” كريستيان شوشوف” عن تعاونه مع الكاتب “توماس ويندريش” وهل يستند فيلمه (جيس وي كارل) إلى حقائق بأي شكل من الأشكال؟ ، أجاب قائلاً “، أدركنا أن هناك المزيد من المواد ، وأن هناك تحولًا في حركة اليمين المتطرف خاصة بين الشباب الذين لم يعودوا حليقي الرؤوس، الذين ما زالوا موجودين بالطبع ، هناك مجموعة جديدة من الفاشيين الشباب وهم آخذبن في الازدياد ، ويزدادون في كل مكان في أوروبا ، عندما بدأنا العمل على الفيلم الذي كان قبل خمس ، بدأت القصة أكثر خيالية في ذلك الوقت، لم يكن بإمكاننا أن نتوقع أن ترامب سيصبح رئيسًا ، وأن بريطانيا ستصوت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي ، أو أن بولندا سوف تتراجع ، كما حدث مؤخرًا. في ألمانيا ، لدينا حزب شعبوي موجود في كل برلمان فيدرالي. منذ وقت ليس ببعيد ، وقعت عمليات القتل في هاناو ، وكانت هناك أيضًا قصة ضابط في الجيش الألماني بدأ في تكوين هوية مزيفة كمهاجر سوري وكان يخطط لشن هجمات باسم الإسلام. وأخيرًا ، قبل بضعة أسابيع ، رأينا صورًا لاقتحام مبنى الكابيتول في واشنطن العاصمة. كل ذلك في الفيلم. لا شيء من صنعنا “.
ربما هذا الفيلم هو تذكير بافلام – مايكل هانيكي او دينس غانسل التي تفضح الفاشية وصعود اليمين المتطرف في اوروبا ، وطرح المخرج الألماني كريستيان بالفيلم ( أنا كارل) رسالة سياسية كاشفة لدوافع اليمين المتطرف فى إثارة الخوف والكراهية، من خلال الشخصية الأساسية ( كارل) ، ولعل فيلم ” أنا كارل ” يكشف لنا الوجه القبيح للتعصب وما هو اليمين المتطرف، فيميل البعض من المتعصبين البيض والمتطرفين إلى العيش فى عالم ضيق، تهيمن عليه الكراهية التامة والتعصب الأعمى لآرائهم ضد وجهات النظر الأخرى يعاملون الجميع كأعداء ، وقصة مبسطة تأخذ موضوعًا مألوفًا بشكل مرعب – صعود الشباب الجديد الحركة الفاشية – ويضيف لها الكثير من اللمعان لدرجة أن أبطالها الجميلين يتألقون عمليًا . في جوهره هو قصة عن الخسارة والألم. كيف تتعامل ماكسي ووالدها اليكس مع ما حدث؟ ، يحاول الأب وابنته التعامل مع النكسة العاطفية بطرق مختلفة. بينما لا يرغب أليكس في ترك الأمر ويواصل شراء الملابس لزوجته أو سماع أبنائه يتحدثون ، في حين تريد ألابنة الشابة ماكسي المغادرة ، إنها تريد قمع الماضي وترك كل شيء ورائها ، ولم تعد قادرة على تحمل حزن والدها وتبحث عن الخلاص ، يقف في طريقها الشاب كارل هو شخص ذو وجهين. يظهر أحدهما الحماس الذي لا يقاوم الذي يجند به زملائه النشطاء وأيضًا ينتصر على قلب ماكسي. من ناحية أخرى، فإن الموازنة بين هذه الوجوه تنجح دون تشويه شخصية كارل وتحوله إلى شخص مريض نفسي . لأنه حتى لو بدت أفعاله مجنونة للوهلة الأولى ، فهو يعمل بالكثير من البراعة في المراوغة والاقناع . كارل شخصية نود أن نسميها مختل عقليا من أجل إبعاد أنفسنا عنه.. كارل أخطر بكثير مما يمكن أن يكون عليه السيكوباتي . فيلم ( أنا كارل ) هي قصة عالمنا الحالي وربما السنوات القادمة.
ماهي أفكار كارل وما أهمية أرائه السياسية؟
لخلق بعض السياق للمشاهدين غير المطلعين ، يبدو أن هدف كارل ومجموعته ينبع من المشاعر المعادية للمهاجرين والإسلام. في حين أن الفيلم لا يذكر ذلك صراحة من خلال الحوار، فمن الواضح أنه يرفع شعار و افكار حركة تنشر الأن في أوربا كالنار في الهشيم ويطلق عليها حركة تجديد Re/Generation وترى المهاجرين وخاصة المسلمين تهديد لمجتمعهم ومستقبله . لتحديد أفكارهم السياسية سنستخدم مصطلح الهوية. من أجل هذه المناقشة ، دعونا نبسط مفهوم الهوية ونراه على أنه الأيديولوجية السياسية لأوروبا التي تنتمي حصريا إلى المنحدرين من أصل أوروبي. يرغب كارل ومجموعته في إشعال حركة في جميع أنحاء أوروبا لتعزيز أجندتهم التي تعكس مشاعر الكراهية ، فرض نظرية كون المجموعات الأوروبية البيضاء / الأصلية “يتم استعمارها عكسيا من قبل المهاجرين السود والأسيويين”. في الواقع، هذا الموقف المناهض للعولمة شائع في الإيديولوجيين الذين يدعون الحفاظ على الهوية. على السطح، قد تبدو الأيديولوجية فاشية أو نازية جديدة، لكن جماعة ( الحفاظ على اليومية ) عادة ما ينكرون هذه الحقيقة . هذا واضح بشكل خاص في أحد المشاهد حيث يدين كارل أحد أتباعه لإلقاء نكتة هتلر. يذكر اختيار اسم كارل بشكل خاص مشاهدي كارل ماركس ونظريته في التحليل الاجتماعي والاقتصادي المادي. ومع ذلك ، فإن هذا يخدم فقط الغرض من إظهار مدى تشويش معتقدات كارل وأتباعه ، إلا أننا نشعر بأن صانعي فيلم (أنا كارل)”Je Suis Karl” اختاروا اسم بطل الرواية لإعطاء المشاهدين إحساسا بأن الارتباك الذي يشعرون به مقصود. يريد الفريق الذي يقف وراء الفيلم أن يشعر الجمهور بالتناقض والتداخل بين الأفكار السياسية التي شكلت عالمنا اليوم . بعد كل شيء ، كارل ومجموعته هم مرتكبو أعمال العنف في بداية ونهاية الفيلم. تهدف أفعالهم إلى إشعال ثورة جماعية في جميع أنحاء أوروبا ، ويثبت موت كارل أنه تلك الشرارة. صحيح أن كارل قد مات، وموته بمثابة الشرارة التي تجعل عامة الناس غير المطلعين سياسيا ينظرون إلى المهاجرين والمسلمين باعتبارهم تهديدا لأفكارهم حول ماهية أوروبا. النقاط التي يطرحها كارل وماكسي وأوديل في خطاباتهم تنبع من الشعور بالخوف وقد ثبت صحتها من خلال الهجوم على كارل . بعد وفاة كارل ، يتبنى الناس هتاف “أنا كارل” لتكريم ذكرى الشخص الذي يعتقدون أنه بطل. يعمل تأثير وفاة كارل كتعليق اجتماعي على البطولة المزيفة ، أو القومية – على الرغم من أنه أصبح من الصعب بشكل متزايد التمييز بين الاثنين في يومنا هذا وعصرنا.
فيلم ( أنا كارل ) هل هو فيلم سياسي أم عاطفي ؟
يمزج فيلم الإثارة السياسي للمخرج كريستيان شوتشوف بين الواقعية والخيال التأملي ، ويظهر كيف يتم التلاعب بفتاة في سن المراهقة واستغلالها واجتياحها من قبل حركة شباب فاشية أوروبية بيضاء جديدة. من الواضح أن الهروب ليس هو الهدف من هذا الفيلم ، هناك لحظات تلك التي يتم فيها تذكيرنا بأن أبطال الرواية لديهم بالفعل مشاعر ، مثل مشهد رائع تشرح فيه الشابة ماكسي لحبيبها كارل سبب افتقادها لأمها. ولكن هنا شيء مفقود ، حيث يبدو أن التركيز قصير الأمد على الحالة العاطفية لـ(ماكسي) يتفوق على الإحساس الضروري للغاية بما يشعر به كارل حيال هذا (أو ربما يحسب كيف ومتى يستخدم هذه المعرفة الجديدة لصالحه) . قصة الحب التي رسمها كاتب الفيلم وتحتل مساحة كبيرة بلا داع كانت غير قادرة على الإقناع لأن الكيمياء بين ماكسي باير (لونا ويدلر)، و كارل (جانيس نيوفونر) لم تكن صحيحة ، كذالك أفتقار الشخصيات الى الخلفيات وهي جذور الازمة وطبيعة المشكلة الأساسية . وعن دوره في الفيلم تحدث الممثل الشاب (جانيس نيوونر) الذي أدى الدور الرئيسي (كارل) قائلا : “عند قرأتي للنص على الفور عرفت أن هذا فيلم سياسي يميز نفسه عن غيره لأنه يجرؤ على الاستفزاز، دور كارل متناقض للغاية ، شخصية شعبية ذات موقف أيديولوجي خطير وكانت لدينا فكرة عما كانت عليه شخصيته وسيرته الذاتية ، لكن في نفس الوقت لم نرغب في إخبار العالم الخارجي بذلك. لم نكن نريد أن نقول لماذا أصبح الأمر على هذا النحو. لأنه لا توجد إجابة بسيطة ” ، وأضاف” أراد المخرج كريستيان منا أن نرتجل كثيرًا بما في ذلك الخطب السياسية باللغتين الألمانية والإنجليزية. لذلك كان علي أن أفهم كيف يجادل الناس” .
فيلم ( أنا كارل) يسلط الضوء على مستقبل أوروبا وألمانيا فى ظل تنامى اليمين المتطرف من خلال عائلة اليكس وعلاقة ابنته الشابة ماكسي مع صديقها المتطرف كارل ليس استكشافًا هادئًا للصدمة . يصور الفيلم حركة شبابية متطرفة بكل ما فيها من تعصب ، لكنها لا تحدد دوافعها إلا بشكل سطحي للغاية. كمشاهد ، عليك فقط أن تقبل أن العديد من الناس من هذا الجيل غاضبون وليس لديهم أمل في الشفاء ما لم يمشوا فوق الجثث – بالمعنى الحقيقي للكلمة ، لكن من هم بالضبط ؟ ومن أين أتوا؟ وما هي دوافعهم ؟، وما الذي يدفعهم في هذا الاتجاه المتطرف؟ . أي شخص يجرؤ على طرح مثل هذه الأسئلة سوف لن يقنعه طرح فيلم المخرج الالماني ( كريستيان شوتشوف) ” أنا كارل” لأنه لم يبدأ حتى في الإجابة على كل هذه الأسئلة. هذا يجعل الدراما سهلة للغاية ويتركك محبطًا . نظرًا لأنه ركز على قصة الحب بين البطلين الرئيسيين ، ولكن في آخر المطاف مع بداية معالجة أصل المشكلة وهو التطرف عندها تصبح الثغرات الفنية في القصة أكبر وأكبر ، وتصبح سلوك الشخصيات مجردة أكثر فأكثر والسرد أكثر فظاعة ،إن القطع المتشنج وغير المنتظم وعمل الكاميرا المتذبذب المرهق والذي من المفترض أن يخلق الواقعية ، ولكن مع الاهتزاز والارتجاج الدائم لهما التأثير وهما يلعبان دورًا حاسمًا في هذا التشتت .
في الختام : في هذا الموضوع المهم والقضية التي تهم العالم كله وهي العنصرية والتميز العنصري وتنامي الافكار النازية بين صفوف الشباب والمراهقين وهذا ماتراهن عليه الأحزاب اليمينية المتطرفة في عموم أوروبا، المخرج (كريستيان شوتشوف) نفذ هذه القصة المتفجرة بشكل مخيب للآمال، وهناك عدة أسباب لذلك .