فيلم Sleep Dealer
مساعي الرأسمالية العالمية لتشييء الإنسان
سامر خالد منصور
تجري أحداث الفيلم في عالم مُستقبلي فيه الدول أكثر انغلاقاً على نفسها ويتطرّق بداية إلى مسألة القتل عن بُعد حيث بيوت الآخرين ليست سوى رسومات رديئة باهتة غير ذات معالم وخالية من التفاصيل تظهر بتدرجات اللون الرمادي على شاشة رجل جالس في غرفة مُكيَّفة يتحكم بطائرة من دون طيار ، ويُظهر الفيلم كيف أضحى يتعامل العسكريون مع الناس وكأنهم يتعاملون مع شخصيات حاسوبية في لعبة من ألعاب الحاسوب حيث يتنافسون مع زملائهم لتحقيق أعلى ” سكور ” نتيجة من القتل ونسف الأبنية لإتمام المهمات وقد شاهدنا أمور مشابه على أرض الواقع حيث نشر بعض الجنود الأمريكيين في حرب العراق وحرب أفغانستان فيديوهات يباهون فيها كيف يمزقون بأسلحتهم النارية أجساد عراقيين وأفغان وهم يتلفظون بعبارات أشبه بالتي يقولها مراهق وهو يمارس لعبة حربية من ألعاب الحاسوب. وكانت تلك الجرائم تتم عبر شاشات رؤية حرارية وشاشات رؤية ليلية لا يظهر عليها الناسُ كأناس وإنما ككتلة متحركة من الألوان المتوهجة أو كأطياف في شاشة كل ما فيها ذو لونين أسود وأخضر له قالب الجسد البشري.
يُظهر الفيلم طيّاراً ممن يمارسون القتل عن بُعد وهو في مصاف الأبطال كما يُقدمهُ إعلام الدولة الرأسمالية التي ينتمي إليها. يقترب الطيار في إحدى مهماته من الهدف ” البشري ” ويكون للمرة الأولى أمام إنسان وجهاً لوجه ويرى ملامحه التي تُعبر عن الخوف والبؤس الإنساني والألم جراء جراحه فيتردد في تنفيذ الأوامر خلافاً لعادته كون الهدف في هذه المرة لم يَعد مُجرَّد رسومات وتشكيلات لونية عديمة الخصوصية والتعبيرات ، على شاشة الكترونية ترمز إلى ما يريد القادة السياسيون والعسكريون اسقاطه عليها ، بل بدى أشبه بأبٍ جريحٍ مسكين ، إنسانٌ بسيط غير مؤذي وليس إرهابياً خطراً كما تزعم قيادات الطيار.
سياسة الاحتكار واستغلال الأزمات
يتطرق الفيلم أيضاً إلى النظرية القائلة بأن المياه العذبة ستغدو قليلة مستقبلاً ولن تكون في متناول الجميع. وستسعى القوى الرأسمالية الزراعية والصناعية إلى احتكارها عبر الاكثار من السدود مما يمنع تدفق الأنهار بين حقول الفلاحين الفقراء. ما يلبث بطل الفيلم وهو شاب من أمريكا اللاتينية أن يبحث عن عمل سوى الزراعة ، وهنا يعرض فيلم ” تاجر النوم ” نوعاً من العبودية الحديثة تستدرجك إليها الظروف الصعبة في بلدان ما يُسمى بالعالم الثالث ، التي برغم كثرة الثروات الطبيعية فيها يتم إفقارها والتآمر اقتصادياً عليها من قِبل القوى الامبريالية الكبرى . ولكن بطل الفيلم الشاب لا يُهاجر إلى دولة أخرى بحثاً عن العمل فالدول الرأسمالية قد طورت ” العمل عن بُعد ” أي هناك آلات كثيرة في مجالات الإنشاءات والحرِف وغيرها حلت محل اليد العاملة في تلك الدول لكن الذكاء الاصطناعي لم يتطور بَعد ليكون بكفاءة الذكاء البشري لذلك تقوم ” العمالة عن بُعد ” على وصل أسلاك بالجهاز العصبي للعامل كي يصبح بمثابة عقل لتلك الآلات ، وتتيح له تحريكها وكأنها جسده.
العبودية الجديدة واستشراف آفاقها المستقبلية
قد يقول قائل أن هذا الاختراع في صالح العمال اللاتينيين كونه لا يضطرهم إلى هجر عائلاتهم وأرضهم والانسلاخ عن بيئتهم الاجتماعية بغية تحصيل لقمة العيش ، ولكن سرعان ما نكتشف أن الشركات أقامت منشآتها للتحكم عن بعد في مناطق بعيدة عن المناطق الشعبية فتلك الأجهزة ثمينة وبالغة التكلفة وبالتالي يجب وضعها في مناطق خاصة شبه معزولة ومؤمنة. وكدأب الرأسمالية الجشعة تكون ساعات العمل طويلة جداً وما يُسمى بالدول النامية مُفقرة جداً بحيث يضطر العُمال إلى العمل في النهار والليل مما يُعرض جهازهم العصبي الموصول بالآلات التي في الدول الكبرى إلى التلف شيئاً فشيئاً .. وهكذا يُصبح الإنسان حرفياً جزءاً من الآلة ريثما تتطور الآلة بالكامل وتحل محله كما تنبأت أعمال سينمائية أخرى كفيلم ” توتل ري كول ” ، وعندما لا تجد عَملاً وتزداد وتيرة تسارع أدوات الترفيه التي تؤمنها التكنولوجيا الفائقة والصناعات المتطورة ويصبح الإنسان الأوروبي والأمريكي مُتطلباً متلافاً أكثر من أي وقت مضى وتصبح الرأسمالية العالمية بغنى عن العُمال . قد يحاول الإنسان المُفقر أن يقاوم وعندها ستكثر باعتقادي الحروب عليه باسم الحروب المزعومة على الإرهاب إلى أن يتم تخفيض عدد سكان الكوكب. فزيادة الآلة الذكية المستقلة سيتناسب تناسباً عكسيّاً مع تناقص أعداد البشر في دول العالم الثالث ، لأنهم لم يعودوا جزءاً من الماكينة الرأسمالية العالمية ” كيد عاملة ” وإنما أضحوا محض عبءٍ على موارد الكوكب وقد تنبأت عدة أفلام خيال علمي بذلك ومنها فيلم ” توتل ري كول ” على سبيل المثال.
وبتلك العبودية الحديثة ، تكون الدول الرأسمالية وفرت أجور حراس العبيد وسجانيهم ، حيث يجلدك الجوع وليس رجل من العِرق القوقازي أو مُرتزق من بلادك ، ويشدك الرغيف وليس النخّاس والجلاد إلى العمل والعمل كي يزداد الأثرياء ثراءً ولكي ينعم الأوروبي والأمريكي بالمزيد من الرفاهية وكي تتوافر لديهم أموال لدعم جمعيات حقوق الحيوان فتغدو الكلاب والقطط وطيور البط في بلادهم مرفهة وتحظى بخدمات صحية قد لا ينعم بها أطفالك !!
وفي ذات الوقت تتخلص الدول الرأسمالية مما تعتبره سلبيات وجود العمالة الأجنبية المتمثلة بوجوب دفع مبالغ التأمين الصحي والاجتماعي ومراعاة حقوق العُمال وفق القوانين المتقدمة في المنحى الإنساني النافذة على أراضي تلك الدول . وبذلك تبقى تلك العمالة وفق النطاق الاستغلالي المُجحف الذي رسمته الإمبريالية العالمية لهم.
يُذكر أن الفيلم من تأليف أليكس ريفيرا و ديفيد ريكر ومن ديفيد ريكار ومن إخراج أليكس ريفيرا وبطولة ليونور فاريلا و تينوش هويرتا .