صراع الانتخابات.. ومن ذا الذي سيحسم الموقف لانقاذ العراق او نهايته؟
عصام الياسري
تظن احزاب السلطة والاسلام السياسي الطائفية بأن الانتفاضة او ما يعرف بـ “ثورة تشرين” قد توقفت أو دخلت مرحلة الهدنة الابدية. من الناحية النظرية يبدو الامر كذلك، لكن من الناحية الموضوعية وطبقا لما يجري على ارض الواقع، لاتزال “الثورة” على حالها مستمرة والوقائع اليومية تؤكد ذلك. وربما اكثر نضجا وبمسؤولية اعتبارية وسياسية مستنيرة وبحكمة كما يقال ((على نار هادئة)) تجعلها تهدد النظام السياسي الطائفي برمته، سيما في هذه المرحلة التي يحتدم الصراع بين جميع القوى والاحزاب داخل السلطة وخارجها لحصد نتائج الانتخابات المحلية القادمة لصالحها وسط تصاعد الازمات السياسية وتبادل الاتهامات والتهديات والاستقواء بالخارج. فالثورة التي اندلعت في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 في جميع المحافظات العراقية بما في ذلك محافظات كردستان شمال العراق لاتزال كالبركان تهدد بالانفجار المزلزل في أي لحظة، وهذا ما تخشاه المنظومة السياسية التوافقية بكل أطيافها اللاوطنية.
قبل ايام انطلقت المظاهرات الاحتجاجية والمسيرات والاعتصامات من جديد في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، امتدت الى جميع محافظات العراق الوسطى والجنوبية والشمالية، لتؤكد من جديد بانها لاتزال حيوية، واهدافها ازالة النظام الطائفي التوافقي من جذوره، وليس كما يروج بان دورها قد انتهى ولم يبق سوى “احياء ذكراها؟.” وطفيف اصوات ضد الفساد والبطالة وسوء الخدمات العامة. الا ان المشهد السياسي والامني والاداري، وصراع القوى بما فيها الميليشيات المدججة بالسلاح لعزل بعضها البعض في مرحلة ما قبل الانتخابات المحلية القادمة، على ما يبدو، سيبقي الوضع على حاله، والاحزاب الطائفية اكثر اصرار للاستئثار بالسلطة باي ثمن. فيما بأس حراك “تشرين الثورة” المجتمعي يشتد نضجا ومطالبه اكثر من القضاء على الفساد وتوفير العمل والخدمات، او ملاحقة قتلة المتظاهرين العراقيين الابرياء او اجراء الانتخابات. انما مطالبه انتقلت الى اهداف استراتيجية، ليس انهاء النفوذ الامريكي ووقف تدخل دول الجوار، ايران وتركيا والكويت في شؤون العراق الداخلية فحسب، انما تغيير النظام السياسي وإقتلاع حكم الفاسدين واللصوص من اساسه.
انه من أسوأ الخطايا التي ارتكبتها وترتكبها الاحزاب العقائدية خارج السلطة، جرف احتواء الحقيقة السياسية والمجتمعية عن تموضعها الحقيقي، الذي من شأنه ان يدفع الحزب (كذا) لان ينهض بمسؤولياته ليصبح فاعلا مركزيا في الحياة السياسية الوطنية وتطويرها. بدلا عن ذلك حلت مكانها مآرب مصلحية، فردية وحزبية، للوصول الى السلطة على انقاض سابقتها… فمنذ مشاركتها في جميع انتخابات عهد ما بعد الاحتلال، لم تشهد الساحة السياسية العراقية موقفا واضح للاحزاب والحركات التقليدية القديمة والحديثة التي يتجدد تاسيسها قبل كل انتخابات محلية او تشريعية، سواء يسارية او ما يسمى بالعلمانية ونخبة المستقلين، خصوصا فيما يتعلق الامر بمفهوم “الديمقراطية” ومصطلح “العملية السياسية”، اللتان، واقعيا وفكريا من الناحية العملية، لا دلالات موضوعية وعلمية يستند اليها بحيث يكون الحديث عنهما امرا بالملموس. الحقيقة ان حتى من لا يمتلك عقلا طبيعيا، يدرك بان حديث هذه القوى والاحزاب عن “الديمقراطية والعملية السياسية” ما هو الا مهزلة سياسية ساذجة تجافي المنطق وعلم السياسة، ولا ينخدع الا من يجامل الطبقة الطائفية بمحتواها الزائف.
للغة الكلام السردي في الحياة السياسية العامة، قدرة لإذكاء الغموض والتأويل والتسويف لغايات سياسية تتيح للأحزاب الأيديولوجية العقائدية سحب البساط من تحت إقدام المجتمع وتضليله بأشكال نمطية مباشرة أو غير مباشرة. وطالما تعمد السياسيون العراقيون استعمال لغة مبطنة في الكثير من المواقف والأحداث المأساوية التي تعرض لها المجتمع، لغة غير واضحة مليئة الغموض والكذب والنفاق والتأويل. إذ طرأت على المشهد السياسي العراقي أحداث خطيرة، كان على الساسة والأحزاب المعارضة التصدي لها بطريقة سياسية“ قيمية ”متناغمة أخلاقيا مع مبدأ الصراحة والمسؤولية الوطنية في جانبيها الإداري والمجتمعي. بمعنى آخر أن تكون منسجمة مع المبادئ المختبرية المتعلقة بالمسألة“ الوطنية ”وبناء الدولة المدنية الحديثة، وليس“ تغليب ”مصلحة الحزب على المصالح الوطنية كما هو دارج لدى مجمل الأحزاب داخل السلطة وخارجها. يقودنا ذلك إلى التساؤل: كيف يحصل التقارب الموضوعي بين المجتمع والطبقة السياسية إذا لم تستطع هذه الطبقة“ الحزبية ”الجمع بين مفردات“ لغتها السياسية ”بشكل واضح وصريح لصالح الوطن ومجتمعاته؟ وماذا يميز كل هذه الأحزاب عن بعضها، عقائديا وتنظيميا، وهي جميعها غير صادقة أمام المجتمع ولا تدين بالولاء إلا للحزب وللطائفة والعشيرة وليس للوطن كما تعزو إليه وقائع أهدافها الاستراتيجية العملية والتثقيفية؟.
إن عراقا ما قبل الانتخابات المحلية القادمة، في ظل حملات انتخابية مستعرة على كل المستويات السياسية والإعلامية وممارسة الرشوة والتهديد والقتل وانعدام برامج انتخابية واضحة، سوف لن يغير الواقع فيما بعدها، ولربما سيكون أسوأ مما كان حاله ما قبلها، بل يهدد بانهيار شامل للكيان العراقي كدولة غير قادرة لحماية سكانها وأراضيها. بسبب الأزمات التي تفتعلها الأحزاب الطائفية وتزمتها للبقاء بالسلطة بأي ثمن من جهة، واختراق الأحزاب والمليشيات الولائية والخونة والعملاء لمؤسسات الدولة من جهة. من جانب آخر، ضبابية مواقف أحزاب خارج السلطة أو ما يسمى “بأحزاب المعارضة” وافتقارها برامج سياسية تكشف عن مواقفها السياسية بوضوح وجرأة بعيدا عن مغازلة أصحاب السلطة الذي بات يهدد وجودها وجعلها أكثر انقساما وضعفا.