لأجل البقاء في سدة الحكم.. أموال الدولة تسرق بالمكشوف!
عصام الياسري
لم يعد غريبا أن تنتهج الأحزاب الطائفية والمنظمات التي لها أذرعا مسلحة تسيطر على إدارة الدولة، المال السياسي المسروق أسلوبا للبقاء في سدة الحكم في العراق. إنه موضوع معقد يشمل تفاعلات متعددة. فالأموال التي جمعتها الطبقة السياسية الجديدة خلال العقدين الأخيرين، لم يكن مالا موروثا، آب عن جد، إنما ملك (عام وخاص) قامت بنهبه من خزائن الدولة والمواطنين لجان اقتصادية فئوية وحزبية من أقصى شمال العراق إلى أقصى جنوبه تحت مسميات مختلفة. ممارسة إنتشاره منذ احتلال العراق تجذر بين الأحزاب والسلطة السياسية والمؤسسات المالية كثقافة مألوفة في إطار شبه قانوني؟.
الخطير بالأمر، أن السياسيين لا يستغلون المال العام المسروق لتحقيق مآربهم السياسية وحسب، إنما يستخدمونه في الكثير من الحالات وسيلة لقمع الحريات العامة وتشويه الصورة العامة للمعارضين الذين يعارضونهم سياسيا. أيضا، لشراء الذمم من بين الأفراد والجماعات وصفوف مؤسسات الأمن والشرطة لممارسة القوة المفرطة بحق الذين يعبرون عن آرائهم. وفي أحيان أخرى أداة ضغط (رشوة) لتكميم الأصوات الناقدة أو التأثير في مسار الاجراءات القضائية، بالإضافة إلى استخدامه بطرق غير شرعية تخدم أنصارهم وتعرقل نشاط منافسيهم السياسيين من خلال توجيه المزيد من الفرص والامتيازات والموارد لمن يؤيدونهم دون غيرهم.
إن إستدامة استخدام المال “المنهوب” من قبل قوى سياسية، سهل تكوين واجهات دعم داخل الهياكل الحكومية والحزبية، كما أدى إلى تفاقم التمييز والظلم وإنتهاك حقوق الإنسان. وبالتالي توجيه المال إلى الأفراد والجماعات المؤيدة لتعزيز قاعدة الدعم والولاء. أيضا تأمين وسائل إعلام موالية تدعم حملات الترويج لأحزاب السلطة وتقديم صورة إيجابية عن أدائهم وتحسين سمعتهم أمام الجمهور. وبشكل كبير للتأثير على العملية الانتخابية من خلال شراء الإعلانات والذمم وتنظيم فعاليات انتخابية بحيث يمكن أن يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية في الانتخابات ومن ثم البقاء في السلطة. ولم يتوقف تأثير المال “المسروق أصلا” عند هذا الحد، إنما تجاوز كل الحدود القانونية والأخلاقية، إذ أستخدم لممارسة الرشوة والتعاملات غير الشفافة وتفشي الفساد وإخضاع مؤسسات الحكم للهدر والانهيار. وأصبح سرقة الموارد الوطنية (مثل النفط والغاز والمعادن) وسيلة لتعزيز قاعدة الدعم وتحقيق مكاسب سياسية من خلال توزيع الثروة على أنصار الأحزاب الماســكة بالحكومة لدعم استخدام نفوذها على المؤسسات المالية لتمويل مشاريع تعزز مكانتها السياسية والتأثير على الاستقلالية المالية والنمو الاقتصادي المستدام. لقد تمكنت أحزاب السلطة وحكوماتها المتعاقبة التلاعب بالقوانين واللوائح المالية لصالحها لتحقيق المزيد من الربحية وإدامة السرقات ونهب المال العام والتحكم في الأمور المالية للدولة بطرق إحتيال مافيوية.
نعم، السياسيون في بلاد الرافدين يسرقون المال العام ويستخدمونه كغيره لتعزيز قدرتهم على البقاء في الحكم حتى بواسطة القمع والاحتيال القانوني. وعندما يكونوا معتمدين على الأموال المسروقة من مؤسسات الدولة المختلفة لتحقيق أهدافهم السياسية بشكل كبير، فإنهم يجدون أنفسهم، سياسيا، في وضع تبعية مالية تجاه هذه الأموال وكيفية استخدامها بغض النظر عن الآثار السلبية والمساءلة والانتقادات. بحيث تعطيهم مزيدا من النفوذ والقوة والقدرة على البقاء في السلطة وتوجيهها نحو الأهداف التي تخدم مصالحهم وتعزيز سيطرتهم على المؤسسات التي تعود عليهم بالنفع بما في ذلك القوات الأمنية والقضاء وشراء الولاءات والدعم من قبل الفرقاء السياسيين والمؤسسات المهمة.
يدعي البعض وللأسف من بينهم مثقفون، أن استخدام الفاسدين المال العام (المنهوب) لتمويل الأنشطة التشغيلية بين أوساط المجتمع الفقيرة واستغلالهم سياسيا، يمكن أن يسهم في الاستقرار السياسي والأمني ومنح الحكومة القدرة على الحفاظ على الهدوء وتجنب الاضطرابات. لكن علينا أن نلاحظ أن هذه الأمور ليست ثابتة ولا تتطابق في كل الأحوال مع مبادئ النزاهة والقيم الأخلاقية والقانونية. بالمقابل هناك العديد من السياسيين الذين يسعون إلى تحقيق التقدم والاستقرار وحياة معيشية أفضل للكادحين بطرق شريفة ونزيهة. لكنهم يدركون أيضا، أن الحالات التي يتم فيها استغلال المال العام لأغراض شخصية وسياسية، سيكون لها آثار سلبية كبيرة في مجالات مختلفة وبالأساس على مستقبل الإنسان والدولة معا.
السؤال، هل بإمكان الشعب أن يضع حد لهؤلاء السياسيين المنشغلين بالفساد وسرقة الدولة على حساب المواطنين؟ وهل في المدى المنظور تحقيق إجراء حازم لسحب السلطة من أيدي الفاسدين؟
الجواب: إذا كانت الطبقات السياسية وأحزاب السلطة، تمارس في العلن ومن تحت الطاولة “الاحتيال” لشرعنة الفساد والسرقة عن طريق الالتفاف على القانون والدستور. فإن الشعب الذي لا يسعى للتغيير والدفاع عن حقوقه ووضع حد لعصابات الفساد داخل السلطة وخارجها، فهو أيضا، شريك في ممارسة “الاحتيال” بحقه أولا، وبالتالي بحق مستقبل بلده ومحيطه المجتمعي ومصير الأجيال القادمة. أنه من الضروري بمكان، البحث عن خطوات ناجعة تؤدي إلى الإصلاح وإحلال البديل السياسي والإداري، منها على سبيل المثال: كيفية أن يتعرف الشعب على ممارسة التثقيف والتوعية بالقضايا السياسية والاقتصادية التي تؤدي إلى تعزيز المطالبة بالإصلاح. المشاركة المدنية القوية والدعوة لوحدة الشعب حول أهداف مشتركة عامة من شأنها إحلال حالة ضغط عام على الحكومة لتحقيق العدالة الاجتماعية. السعي لإستحداث آليات جماهيرية داخلية وخارجية تنشط في مجال مكافحة الفساد ومحاكمة المسؤولين عنه. تسليط الضوء على الفساد ومرتكبيه في الساحة الدولية من خلال تضافر الجهود والتعاون بين مختلف شرائح المجتمع المدنية والمؤسسات القانونية الدولية.
أن إجراء أي تغييرات جذرية في نظام الحكم واستعادة المال المسروق يتطلب جهدا كبيرا من قبل الشعب والمؤسسات المدنية والمجتمعية. إن مواجهة ظواهر الفساد والسرقات التي يمارسها بعض السياسيين قد يتطلب وقتا وجهدا، لكن بالتعاون والإصرار، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة المشاركة المدنية الجماعية، يمكن للشعب أن يحقق تغيير سياسي جذري وتحول إيجابي في طبيعة نظام الحكم، يعيد للدولة هيبتها والمال المسروق إلى خزانتها.