سدود أربيل… لماذا؟
عصام الياسري
العراق أول بلد تظهر فيه آثار الاحتباس الحراري، والتغير المناخي وعدم وفرة المياه.. وأربيل في الوقت الذي يمر به العراق ومواطنوه تحت طائلة هذه الظروف وتركاتها الخطيرة، توقع مذكرة تفاهم على بناء أربعة سدود في أربيل والسليمانية ودهوك، غير مبالية بمصير المواطنين العراقيين بمختلف انتماءاتهم ومناطق عيشهم خارج محافظات العراق الشمالية.
السؤال: هل هذه سدود التي يرتفع عددها إلى 21 سدا لمصلحة العراق، أم أنها سلاح للابتزاز السياسي الاقتصادي “المخبأ تحت عباءة” للنيل من مستقبلنا المظلم على المستوى الجيوديموغرافي والبشري؟
الغريب في الأمر، أن الحكومة في بغداد صامتة؛ لماذا؟ لا أحد يعرف!… لكن من الواضح أنها تخشى مواجهة مطالب أربيل السافرة، لذلك هي لا تعترض، بل حتى لا تسأل… والمثير للاستغراب، أن وزيرة الزراعة ومصادر المياه في حكومة أربيل “بيگرد طالباني” قد أعلنت عن توقيع مذكرة تفاهم في مارس 2022، لبناء أربعة سدود جديدة في أربيل والسليمانية ودهوك، بالتنسيق مع شركة “باورتشاينا”. وهي “سد دلگه في حدود قضاء بشدر، وسد خيمته في السليمانية، وسد ونداوة في أربيل وسد باكرمان في دهوك”. لكن حينما تسأل وزارة الموارد المائية في بغداد وهي ترى وزارة الزراعة ومصادر المياه في أربيل تتصرف بالمياه بصورة منفردة؟؟ لم يحصل السائل على جواب من أي نوع.
الخطير في الأمر: إن أربيل تقوم ببناء السدود على الروافد التي تصب في دجلة جميعها وعلى نهر دجلة ذاته، وان الجهد المنظم منذ خطة إنشاء 13 سدا على نهر دجلة الذي يعاني وروافده، أصبح واقع عملي بعد أن كان قبل أشهر قليلة مشروعا على الورق فقط، يخفي خلفه موقفا سياسيا واقتصاديا حاسما سيكون له دور في الهيمنة على السياسة العراقية وتعطيش المنطقة الجنوبية والوسطى… فأين تتخفى حكومة بغداد وبرلمانيوها رؤوسهم الفارغة؟
إن مثل هذه الاعمال التي تجري بعيدا عن ارادة وطنية جامعة، ستجعل العراق مهددا. وان لم يجر الحصول على المياه “او تؤمن مصادره، فالذي يسيطر على مصادر المياه ومنابعها هو الذي يفرض إرادته السياسية والاقتصادية على الآخرين. وللتذكير والمقاربة الدقيقة: نستذكر ما يحصل للعراق جراء ممارسات الجارتين الاسلاميتين، تركيا وايران، منذ اكثر من عقدين، نفذتا خلالها عمليات جرف هندسية للانهر لضمان مصالحهما المائية، فقامتا ببناء سدود على مصبات نهري دجلة والفرات من الجانب التركي. والانهار الكبرى في الجانب الايراني وبالأخص نهر الزاب الأسفل الذي يغذي سد دوكان، ونهري الكرخة والكارون. لمنع العراق من إقامة أي مشروع مائي وزراعي في المحافظات الجنوبية والوسطى، وبالذات منطقة شط العرب مستقبلا.. ذلك يعد من استراتيجيات ليّ الأذرع لفرض أمر واقع لإبتزاز العراق وتحجيم دوره.
فهل تقوم أربيل بالعمل على صنع” جدار اسمنتي عازل “ضد مستقبلنا ومصالح شعبنا تحت سمع وبصر اصحاب السلطة الفاسدين في بغداد، الذين يأتمرون بأوامر السفارة الامريكية؟… اذن، لا بد ان هناك يد تقف خلف هذه المخططات والمشاريع المائية التي تقوم اربيل بتنفيذها بإصرار واندفاع في ظل رضا حكام بغداد وبرلمانيي العراق وإهمالهم لحقوق الشعب العراقي.
الاسئلة المهمة الاخرى التي لا جواب لها لدى جميع الحكومات المتعاقبة: لماذا لا تتحدث حكومة بغداد عن هذه السدود؟ ولماذا لا تستشير أربيل بغداد في جدوى أو ضرورة هذه السدود؟ او لماذا لاتقوم الحكومة المركزية المنبطحة في بغداد بانشاء سدود في مناطق العراق الاكثر جدوى؟… والغريب، لماذا ينصب جهد الحكومة كله على إعادة العمل في مشروع سد مكحول المتوقف الذي يعرض اهالي 40 قرية من محيطه للتشرد ويدمر مئات الآلاف من الهكتارات من الاراضي الزراعية، ولا يخزن سوى كمية من المياه التي لاتضيف شيئا يذكر إلى”أمننا المائي” كما وتلحق بالثروة والناس والمجتمع مضار عدة؟…
الامم المتحدة تحذر ان أول ظهور لآثار” التغير المناخي “تحصل اليوم في العراق؟… بيد ان اصحاب السلطة يتنافسون على الكراسي ويعطلون كل شيء من اجلها. جميعهم بلا استثناء لاتعنيهم أوضاع العراق وازماته الخطيرة المميتة، ولا أي مصالح وطنية أو أمنية تعني المجتمع العراقي!. على العكس، الصراع اصبح هدف الجميع على ما تبقى من تراب العراق وثرواته، لكنه، يكشف بالتأكيد، ضحالة جميع الفاسدين بلا استثناء ودناءة النفوس ووضاعتها.