القائد السابق في حزب الدعوة غالب الشابندر وجه رسالة صريحة واضحة إلى المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني ، أعلن فيها معارضته لكل ما يجري وينبه إلى أمور خطرة جداً.
في أربعينيات القرن الماضي، وفي خطاب ألقاه في الحضرة الكاظمية بمناسبة العاشر من محرم ونقلته إذاعة بغداد، نبه الدكتور علي الوردي إلى خطر الطقوسية في المراسم الحسينية وسواها من المراسم الدينية، وها أن الأستاذ غالب الشابندر يعود إلى هذه النقطة بعد 75 سنة لينبه لها أعلى مرجعية شيعية في العالم، فهل ستجد صرخته صدى كما لم تجد صرخة الوردي؟
رفض الشابندر في رسالته السياسات المتبعة في العراق، ورفض إرسال مقاتلين إلى سوريا ودعا إلى نبذ الطائفية والعودة إلى روح المواطنة العراقية، ودعا كذلك إلى أن يعرف الشيعة حجمهم، فـ(من قال يجب أن نعادي العالم كله، ومن قال إننا مسؤولون عن تحرير كل بقاع الدنيا، ومن قال إننا وحدنا مسلمون، ومن قال إن الجنة من نصيبنا وحسب؟)، منبهاً بشدة من ولاية الفقيه.
في تقديري أن هذه الرسالة يجب أن يقرأها كل عراقي ليعرف جيداً من صنع الطائفية ولمصلحة من؟ وليفهم أن وطنه مستهدف بمؤامرة مركبة وضعتها الكثير من الجهات لتدمير سيد الأوطان العراق العظيم.
وفيما يأتي نص الرسالة:
غالب حسن الشابندر
نتيجة السياسة المفعمة بالغرور، والتفكير المثالي الطوباوي، والارتكان إلى ثقافة مهدوية مرتبكة، وتسلُّط الصبيان على مقاليد الأمر الشيعي، والانتهازية السياسية على حساب المصلحة الدينية والاجتماعية وحتى المذهبية، والافتتان عن جهل أو قصد بمبدأ ولاية الفقيه، وتغليب الولاء المرجعي على الولاء الوطني، والانفعال برواسب التاريخ المشبّع بالدم والشعور بالإثم والخطيئة، ولإغراقنا حتى اللعنة بسياسة جلد الذات، ولازدواجية نابتة في ضمائرنا نخدع بها أنفسنا وغيرنا، ولانشغالنا بتاريخ مات ومضى ولن يعود، ولقتلنا للزمن بلا رحمة ولا فكر ولا تبصر، ولانهمامنا بالصغيرة وتركِنا الكبيرة، ولانغماسنا بالقشور دون الجوهر واللب، ولأننا نقبل بالحلول الجاهزة، ونستمرئ التبرير والتوكل، ولأننا ضحية المظاهر والتوافه والهوامش، ولتعلقنا بالإطار دون الصورة، ولاستهلاكنا بالكلام وليس الفعل، ولأن المنبر تحول إلى دعاية هابطة، ولأننا نفتش دائماً عن قبور جماعية، ولأننا نؤمن بالموت المجاني، ونرقص على جروحنا فرحين من الألم، ولأن النجف تم خطفها، ولأن الحسين صار عنوان الارتزاق والاستعلاء والتسوّل، ولأن الكاظم صار إيقونة وليس رمزاً، ولأن علياً الكبير ضاع بين لهو الجن ولعنة السحرة، ولأن الشهادة استغلت واستثمرت لاستئصالنا وقتلنا بالمئات، ولأننا نفرح، ونسكر وننتشي، ونغني ونرقص استجابة لنداءٍ، يستظهر رحمةً، ويستبطن عذاباً، ولأن الكون في فكرنا كله حزن، كله مأساة، ولأن التاريخ قدر، ولأن العمر في الأربعين يكون قد ودّع الحياة، ولأن الغنى شر، والفقر خير، ولأننا نرفع شعار الوحدة الإسلامية، ونتهامس سراً بنفاقها ودجلها وتفاهتها، ولأننا نتواصى بتسقيط رموزنا، ولأننا نحتمي بالمنطقة الخضراء، وعلى الموائد خير الزاد، ورائحة المسك والعنبر، وترانيم فكر (خط البط وبط الخط)، فيما شبابنا تزفّهم قوافل الموت الزؤام بلا حساب يا سيدي، ولأن دموع عبد الزهرة، وعبود، وشناوة، وكاظمية، وشمهودة لا تهز ضمير الأيدي التي تتوضأ، ولأنهم يدفعون بربيع أولادنا إلى القتال، وأولادهم يترنمون دعاء كميل الكسول في لندن وكندا والسويد والدانمارك، ولأن فلسطين يجب أن تعود لأهلها، بدمائنا وأرواحنا وعرضنا مرغمين، ولا تكريم حتى بلغة النفاق، ولا خبز عيش مشترك حتى لو ضاقت بنا كل الدنيا، ولا عزة تذكير وشكر، بل كمن يتلقى الرماية ممن علَّمه الرماية، ولأن تحرير الأندلس من الاحتلال الأوروبي البغيض يجب أن يكون مهمتنا حتى لو أن علياً يُلعن في ما بعد على المنابر، ولأن العمامة أشرف وأهم وأقدس من دماغ عالم الذرة، ومنجي الجسوم والأروح من الموت والجوع والقهر والوجع والدموع، ولأن الأميين والجهلة والمنتفعين هم الحراس على تراث الحسين وحب الحسين، فيما أهل الوعي والتجربة والمحبون كفرة أوغاد…
هل تريد من مزيد يا سيدي؟
أعتقد انه كاف…
ولكن ما هي النتيجة يا ترى؟
ظاهرة اليتم الشيعي…
وظاهرة التعوّق الشيعي…
وظاهرة الترمّل الشيعي…
وظاهرة الفقر الشيعي…
وظاهرة التسوّل الشيعي…
وظاهرة التشرّد الشيعي…
هل من مزيد يا سيدنا العزيز؟
شيعة العالم اليوم يعانون من حصار عالمي، حصار جغرافي واقتصادي واجتماعي وسياسي، وقد أعلن أوباما في خطابه الأخير أن الشيعة ليسو أهل حكم وإدارة وفن وعلم، فهل هي القوس الأخير في حلقة الحصار العالمي للشيعة في العالم، كل العالم، في إيران والعراق وسوريا ولبنان والسعودية والإمارات واليمن والقارة الهندية؟
النجف يا ابن المصطفى تستصرخكم، يريدون لها ان تتحول الى بوار، وروحانية بغداد بكاظمها الغيظ وحنيفها الفقه يريدون لها أن تتهدم إلى الأبد .
سيدي الكريم…
قطرة شهيد في مجزرة سبايكر وديالى خير وألف خير من كل حجارات مشهد العقيلة زينب، فما لنا صرنا نقدس الحجر ونهجر العقل، ما لنا نؤمن بأن بناء الإنسان أهم وأخير وأقدس من بناء الله، سيدي أطفال سبايكر يصرخون في وجه المتحصنين في المنطقة الخضراء، أرامل ديالى، نساء ديالى المغتصبات حاسرات الرأس، ناشرات الشعور، هائمات على الوجوه، دموعهنّ الحائرة تلعن المنطقة الخضراء والسمراء والسوداء والحمراء…
شيعة العالم اليوم سيدي ضحايا، ضحايا (وهم) يقولون عنه أم قرى الإسلام الجديدة، ضحايا الحجر الميت، ضحايا الجهل والفقر والمثالية والسعي لإثباتِ انتماءٍ همْ شهداء على نظافته وروعته، فيا غريب الدهور والفكر والتاريخ..
سيدي الكريم…
إلى إين نحن ذاهبون؟
من قال يجب أن نكون شهداء رغماً عنا، ومن قال يجب أن نكون حطب حرب مفروضة علينا، ومن قال يجب أن نخلص لتراب واحد، وفقيه واحد، وعاصمة واحدة؟
من قال يجب أن نعادي العالم كله، ومن قال إننا مسؤولون عن تحرير كل بقاع الدنيا، ومن قال إننا وحدنا مسلمون، ومن قال إن الجنة من نصيبنا وحسب؟