تأسيس منظمة إنسانية طوعية مستقلة، لا حزبية، باسم (جمعية الرفق بالإنسان العراقي)، تعمل وفق مبادئ وقيم مسؤولة، للعناية بالإنسان العراقي وحمايته من كل أشكال العنف والاضطهاد الفكري والجسدي الذي يمارس بحقه، مجتمعيا وسلطويا أمر مهم. إذ إن المجتمعات العراقية تتعرض منذ ستة عقود ونيف إلى ثقافات ديكتاتورية قائمة على قهر الإنسان والحيوان على حد سواء. وبات العراقيون اليوم، يخافون الخروج للمطالبة بحقوقهم أو رفع أصواتهم في وسائل الإعلام للتعبير عن آرائهم، من تعرضهم للاعتداء والتنكيل والابتزاز والسجن، وتوجيه اتهامات وذرائع وهمية معدة سلفا لا تخلو من جور وظلم وتعذيب، بالإضافة إلى حرمانهم من لقمة العيش والاستمتاع بحياة مستقرة آمنة.
السؤال: أليس من الضروري تأسيس جمعية للرفق بالإنسان العراقي؟
في ظل عدم التزام الدولة تطبيق مبادئ حقوق الإنسان، وعدم وجود منصات أو منظمات شفافة عراقية قادرة فعلا على إيصال صوت المواطن وحمايته أمام المحافل الدولية، بات تأسيس جمعية دولية رصينة تتبنى مشروع “الرفق بالإنسان العراقي”، مهمة أخلاقية وإنسانية تستوجبها الشرائع السماوية والقانونية والمدنية. حال “جمعية الرفق بالحيوان” التي تأسست عام 1824 في إنكلترا وحرمت قوانينها الاعتداء على المواشي. في عام 1849 عدل القانون ليشمل جميع الحيوانات. وحينما أخذ الاعتداء على الحيوانات في أوقات لاحقة يتسع ويتجذر في العديد من المناطق، حرص الكثير من الدول المتحضرة تأسيس جمعيات للرفق بالحيوان. وهي جمعيات غير ربحية تهدف إلى حماية وإنقاذ الحيوانات، كما تهدف إلى تحسين البيئة العامة لها وتوفير الظروف الملائمة لرعايتها وضمان أمنها وحقوقها، وزيادة الوعي العام بأهمية الرفق بها من خلال متطوعين قادرين على إيصال رسالة الجمعية إلى الرأي العام.
وإذا ما لامسنا التشريعات التي أقرها الكثير من الدول بحق الحيوانات، وعملت على تطويرها وصيانتها. نتساءل ألا يستحق العراقيون في القرن الحادي والعشرين بعضا من مثل هذه الأولويات الإنسانية وتطبقها على أرض الواقع؟. فعلى سبيل المثال لا الحصر، جاء من بين تلك التشريعات ما يلي: «يجب على القائمين على رعاية الحيوانات اتخاذ جميع الاحتياطات اللازمة لعدم إلحاق الأذى بها، ومراعاة درجة نموها واحتياجاتها وتأقلمها وفقا للخبرة العلمية… توفير العاملين ذوي القدرة والمعرفة المهنية المتعلقة بالحيوانات التي تحت رعايتهم»… وفيما يتعلق بحرية الحركة للحيوان ورد: «يجب أن توفر للحيوانات مساحة كافية لتلبية احتياجاتها وفقا لما هو وارد في اللوائح الصادرة عن المؤسسات». وعن المباني ووسائل الراحة للحيوان، جاء «يجب أن تكون المواد المستخدمة في بناء المنشآت وخاصة الحظائر والأقفاص والإصطبلات وكذلك المعدات التي يمكن أن تلامسها الحيوانات غير مؤذية وأن تكون خالية من مصادر التلوث ويسهل تنظيفها وتطهيرها بالكامل». ثانيا، «يجب أن توفر للحيوانات التي لا تربى في مبان، حماية من أحوال الطقس المتقلبة والضواري وأية أخطار على صحتها وأن يتاح لها الوصول إلى مرقد مناسب وجيد». وفيما يتعلق بتغذية الحيوانات، تنص الكثير من التشريعات على: «مراعاة ما تحدده اللائحة التنفيذية بشأن المواد المسموح بإضافتها لغذاء الحيوانات، وأن يتم إطعام الحيوانات بما يتناسب مع عمرها وبكميات كافية تبقيها بصحة جيدة وتفي باحتياجاتها الغذائية، مع تمكينها من الوصول بشكل مستمر لمصادر المياه المناسبة أو تزويدها بكفايتها من الماء النقي يوميا». وتتناول العديد من النصوص والقوانين موضوع علاج الحيوانات، وذلك «إذا كان من شأن التدخل العلاجي للحيوان أن يسبب له ألما أو فزعا أو مضايقة، فيجب أن يتم هذا التدخل بواسطة طبيب بيطري أو إخصائي. ويجب أن تتم جميع التدخلات الجراحية للحيوانات تحت تخدير عام أو موضعي وفي مكان مجهز طبي لنوع الجراحة». أما المحظورات الخاصة بالحيوانات، فقد وضع المشرع، حظر القيام بأي من أفعال التعدي على الحيوان، ولكفالة الالتزام بأحكام القانون، شرعت العديد من الدول العقوبات الصارمة ومنها «الحبس والغرامة المالية أو بإحدى هاتين العقوبتين، بحق من يخالف أو لم يلتزم بالمحظورات الواردة». وعلى هذا النحو، يبدو أن اهتمام الدول بسن تشريعات للرفق بالحيوان واجب ديني وأخلاقي حرص المشرع على تأكيده والالتزام بقيمه ومراعاته قانونيا.
قد يبدو موضوع إنشاء “جمعية للرفق بالإنسان العراقي” أمرا غريبا، لكن إذا ما راجعنا حال الأغلبية الساحقة من العراقيين التي تجاوزت نسبة 70 % من الطبقة المتوسطة والمعدومة، سنجد التفكير بأمر كهذا، هدفه القيمي إثارة أهمية الدعوة للرفق بالإنسان العراقي، والإحسان إليه في المعاملة، والتلطف معه في السلوك والخطاب. لأن مسؤولية تحقيق هذه المفاهيم واحترامها، تقع بالأساس في دولة المواطنة على عاتق الحكومة ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية. لكن هذه المؤسسات على ما يبدو غير معنية بتطبيق المبادئ الأساسية للدولة بما يتعلق بحقوق المواطنين، بل غض النظر عن تماهي الأحزاب الحاكمة في كيفية تجيير الدستور والقانون للمسك بأذرع الاستبداد الجمعي بقوة وتحويل الدولة إلى مؤسسة نفعية تحتكرها الأحزاب بعد أن تصل للسلطة.
في المجتمعات والأنظمة المدنية، اختلاف الرأي والصراع الفكري وممارسة حرية التعبير والانتماء العقائدي لها أهميته بالغة، من شأنها أن تعزز مكانة الدولة وتقويها. تنمي مساراتها القيمية وإرثها الثقافي والتاريخي بشكل إيجابي، بحيث تكون عاملا مساعدا في ترسيخ مفهوم الشعور بالمسؤولية ومبدأ الانتماء والهوية الوطنية، التي على أساسها يسود السلم المجتمعي وتتحقق العدالة والمساواة وضمان الحقوق العامة للأفراد دون تمييز. وهو واجب شرعي والتزام قانوني ودستوري على مستوى التشريع والتنفيذ. لذا ليس هناك أي مبرر يجعل من يمسك بالسلطة في العراق، أن يتغاضى عن مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية والقانونية إزاء المواطنين، وبدل أن يحترم مشاعرهم وتحقيق مطالبهم واحتياجاتهم، يذهب لممارسة العنف والأجرام السياسي بحق الإنسان وحرمانه حتى من حق المواطنة ومتعة الحياة التي تكفلها كل الشرائع السماوية والمدنية.