التحدي ينتصر على الظلم في رواية ( ضحكة موزارت ) للأديب إبراهيم سبتي
جمعة عبدالله
يمتلك الحدث السردي , صياغة فنية في منتهى الشفافية والتشويق والمتعة المرهفة , في أسلوبها الرشيق ودراميتها المتصاعدة نحو الذروة , بأن تكتمل اجزاء صورتها الفنية والتعبيرية والفكرية في التدرج الدرامي للاحداث , تملك أهمية بالغة لأن مادتها الخام هي من أحداث التي برزت على المسرح السياسي , بكل عنفوان وأصبحت حديث الساعة , ماهية الظروف القاهرة والقاسية التي تدفع الى الهجرة , وخوض مغامرة عاصفة بالمخاطر والعواقب الوخيمة , مهاجرون أصبحوا شهية حيتان البحر , أو الموت والاعاقة , اضافة أن الهجرة أصبحت تجارة رابحة , قوامها الابتزاز والنصب والسرقة والغش , يعني المهاجر يكون الضحية الطيعة تحت أمرة المهرب , لعبة بين يديه , ولكن السؤال المشروع منْ فتح هذا الباب الخطير ؟ ومنْ هو المسؤول في دفع الناس الى شق طريق الهجرة الخطير ؟ بدون شك , حينما تسيطر على الواقع طفيليات هجينة , مغرورة ومتكبرة , تسلقت على الحكم والنفوذ والمال , وأصبحت فوق القانون والدولة, سلاحها السطوة والجشع والاستحواذ والابتزاز ,لتكون عوامل في تفجر زوابع الظلم والحرمان والإرهاب . هذه الشريحة المتسلطة على رقاب الناس , تريد ارجاع الزمن الى الوراء الى زمن العبودية والذل والمهانة , تنتهك كرامة الانسان بأي شكل من الاشكال بكل بساطة , طالما هي تسيطر على رقاب الواقع والناس , ولكن بالمقابل الروح البشرية النزيهة و التواقة الى الحرية , ترفض الخنوع والذل وسلب الكرامة , وتخلق روح التحدي والمقاومة والرفض وتضحي بكل غالٍ ونفيس مهما كان الثمن الغالي , وهذه الخصائل لم تحسب لها بالحسبان هذه الشريحة الطفولية , ولم تقدر عواقبها ( لو دامت لغيرك لما وصلت اليك ) , فمن يقبل اهانة كرامته وسلب حقوقه في وضح النهار ؟ ومنْ يقبل ان يعيش في الذل والمهانة والهوان ؟ الطبيعة والقوانين السماوية والارضية , تقر لكل فعل رد فعل مضاد له , مهما طال الزمن فلابد من يوم الحساب , وتحت الرماد ناراً قد تتفجر في اية لحظة , لأن البشر ليس لعبة أو دمية لسطوة الطغيان , هذه المنطلقات الفكرية والتعبيرية من أحداث السرد الروائي في رواية ( ضحكة موزارت ) يقدمها المؤلف في شفراتها الرمزية الدالة الظاهرة والخفية بعمق الرؤية الفكرية الصائبة والواقعية , اذ لا يمكن لاي عاقل ان يغامر بالهجرة إلى الدول الاوربية , اذ لم يكن مضطراً بفعل الظروف القاهرة ضده , لأن مغامرة اللجوء محفوفة بالمخاطر , ولكن واقع البلاد المأزوم , يسد كل الأبواب والنوافذ , . سوى أن يبقى نافذة الهجرة مفتوحة على مصراعيها.
×× أحداث المتن الروائي :
تتحدث الرواية بلغة السارد أو الراوي لاحداثها , وهي الشخصية المحورية التي تدور حولها الأحداث , بأنه مؤجر بيت من صاحب الدار ( علوان ) لعقد مدته خمس سنوات , وهذا التاجر الجشع الذي يملك الأملاك والعقارات والجاه والنفوذ والسطوة القاهرة , ويعتبر نفسه فوق القانون والدولة , يعتزم طرد المؤجر من الدار بكل وسيلة غير شرعية , وهذا المؤجر يرفض الطرد المهين والمذل , ويمتنع عن تنفيذه مهما كانت الأحوال , مما دفع المالك ان يمارس كل انواع التهديد والوعيد , وكيل الاهانات ومسخ الكرامة والاستهزاء به أمام عامة الناس , ويحاول أن يطرده من وظيفته ومصدر رزقه ايضاً , لذلك فكر في وسيلة التخلص من صاحب الدار المتنفذ والمتكبر , بأنه يتمنى أن يمتلك طاقية الاخفاء أو قبعة الاخفاء , فكر بها عندما كان حينذاك طالباً في المدرسة المتوسطة , عندما لفظ كلمة انكليزية بشكل سيء , اثار الضحك والاستهجان من الطلبة يتقدمهم المدرس , الذي وضعه في موقف حرج امام الطلبة , وتمنى لو عنده طاقية الاخفاء لرد الصاع صاعين , ويجعل المدرس اضحوكة واستهزاء امام الطلبة , رغم أن المدرس في اليوم الثاني , قدم اعتذاره الشديد ,وانه آسف لما حصل , لهذا جاءت فكرة طاقية الإخفاء وهو يتابع ويراسل اخبار العالم الألماني ( هولمر ) الذي كما تذكر اخبار مواقع التواصل , بأن يشتغل على اختراعه لسنوات في صنع قبعة الإخفاء , ولكن لم يجد احداً من يجربها , وتيقن انها الحل الوحيد أو المنقذ الوحيد لرد الصاع بصاعين ضد صاحب الدار الجشع ( علوان )وسيجعله محل تندر واستهزاء امام الناس ويسترجع كرامته المهدورة ( مخرت عباب افكاري المتلاطمة عليَّ اجد شيئاً يريحني ويرد هيبتي المنارة أمام عائلتي وجيراني وزملائي الذين أنتبهوا الى اهانات وتجريح المسؤول , وسينقلون الحدث لعوائلهم بالتأكيد , أذ سيكون ثأري من المسؤول الذي اجهل أسمه ومن قريبه علوان ) ص12 . فلابد أن يفتح قنوات الاتصال , ويسعى إلى الوصول إلى العالم الألماني ( هولمر ) ليعلن استعداده الكامل ليقوم في تنفيذ تجربة اختراعه الجديد قبعة الإخفاء , وان يشكو معاناته ( بأن اذهب واقابل هولمر الالماني واتباحث معه واحكي قصتي , وما اوصلني الى التفكير باملاك هذا الاختراع , سأقول له كل شيء , ولن اكذب وابالغ في اقوالي , وفي لحظة صفاء وأنا بكامل قواي العقلية , قررت السفر إلى ألمانيا ومقابلة يوهان هولمر وجهاً لوجه ليحدث ما يحدث ) ص17 .فباع مكتبته العامرة وحلي زوجته وما يملك من تعب السنين من المال , وقرر الهجرة أول محطة سفره هي تركيا , أن يجد مهرب ينقله الى احدى الجزر اليونانية القريبة من حدود تركيا, وتم الاتفاق مع أحد المهربين في مغامرة الإبحار بالقوارب المطاطية مع الآخرين , وهو يدرك حجم المخاطر الرحلة , ربما يكون نصيبه الغرق , ويكون طعماً شهياً لحيتان البحر , ولكن اصراره على الهجرة اقوى من كل المخاطر والعواقب الوخيمة , حتى يسترجع كرامته المهدورة, وابحر مع الاخرين من المهاجرين , وكانت العناية الإلهية حاضرة انقذته وانقذتهم من الموت والغرق , ووصل إلى إحدى الجزر القريبة , ثم انطلق مع الاخرين الى أثينا وبعدها الى الحدود , ودخل مقدونيا ثم صربيا ثم هنغاريا , كانت رحلة طويلة متعبة ومرهقة محفوفة بالعوائق والصعاب, ولكن عناده أن يصل إلى العالم الالماني مهما كلف الامر حتى يرد كرامته من ( علوان الوقح الذي لا يهمه حرمة جار ابداً ,أنسان خارج النظم والأخلاق , وعليَّ تلقينه الدرس الذي يستحقه , لا اعلم لماذا يقفز علوان الى ذاكرتي , وانا احاول تبديد قلقي وخوفي على مصير عائلتي ) ص92 . لذلك تهون عليه المخاطر والصعاب , أمام تحقيق ارادته مهما كان الثمن , لان الاختراع الجديد بصنع طاقية الاخفا يستحق العناء والتعب , وحين يسألونه من جماعته من المهاجرين عن سببب الهجرة , يجيبهم بأنه يريد مقابلة العالم الألماني هولمر , يستغربون من كلامه , ولكنه يوضح هدفه لهم ( – أحتاج منه شيئاً , اختراع جديد جئت آخذه منه , سيغير حياتي الى الابد , واعتقد أنه يستحق المعاناة والسفر الطويل ) ص104 . ووصل إلى ألمانيا وذهب الى مختبر العالم الالماني وقابله وقال له ( – لقد تحملت كل تلك الطرق الموحشة وغير القانونية والسير لساعات وساعات , كي اقابلك , قرأت أنك تقوم بتصنيع قبعة الإخفاء وهو الاختراع الاول في العالم ) ص146 .
قال له العالم بأنه بالفعل يبحث عن شخص يجربه , ولم يجد احداً , بأنهم خائفون , أو انهم لم يصدقوا اختراعه , ونهض أمام العالم بأنه جاهز لتجربة , فقال له العالم الألماني ( – هل تقول بأنك جئت الى هنا لتجربتها ؟
– ولدي فيها غاية آخرى .
– عاهدت نفسي أن لا تستخدم في غير محلها , ولا أريد إيذاء الناس , ولا استخدمها في اماتتهم أو سرقتهم ,أو ابغي النفع المادي من روائها ) ص148 . ومن جانب العالم الألماني أطلعه على تفاصيل العقد والاتفاق , بأنه سيمنحه المال الكبير كتعويض في حالة الفشل , ويحاول أن يسجل اسمه في دائرة الهجرة ويسهل الإجراءات , بعد التجربة , ولكنه طرح شرطاً حتى يوقع الاتفاق ( – ماهو شرطك الجديد ؟
– تمنحني ملكية نصفها
– لماذا ؟
– هذا شرطي الوحيد ) ص160 , اهتز العالم الالماني غضباً واحتجاجاً ورفض الشرط , ودخل في جدال عقيم فترك العالم الالماني في مختبره . ونزل الى الشارع, محاولاً الاتصال بزوجته ليطمئن عليها وعلى اهله , فسمع صوت زوجته المتقطع يقول ( – اسمع …. راح صوتها يتقطع .. علوان …..
– ما به ؟
– قتل ….. ماذا …. قت ……ل ….. قتلوه …..
كيف ؟ من قتله ؟ ….. ) ص 167 . انقطع الاتصال لنفاذ العملة المعدنية , وشعر بالإغماء والرعشة تجري في عروقه ( – معقولة ؟ لا اصدق .. مات علوان واختفى من حياتي . أنه كلام كبير وخطير , ارتحت كثيراً , وانتعشت وزادني الخبر الصاعق بالثقة المفقودة منذ زمن . وشعرت بنشوة الفوز في المعركة , ولم أعد احتاج الى القبعة , ولا البقاء هنا ) ص167 .
وزاد زهواَ وفخراً ولهفة , كيف الوصول الى العراق , وقد استعاد كرامته المهدورة , وكيف الوصول ؟ , هل يملك الحصان الطائر يبرق به , والعالم الألماني قدم شكوى الى دائرة الهجرة , وهذه اتخذت قرار تسفيره الى تركيا , واستعد للسفر الى تركيا هو في نشوة النصر .