الانتخابات المحلية في العراق وأزمة الفساد الذي لا نهاية له!!
عصام الياسري
منذ احتلاله عام 2003 وفتح الباب واسعا أمام تدخل دول الجوار وبشكل خاص إيران في العراق، والفساد بأشكاله الثلاث: السياسي والإداري والمالي، ينخر الدولة العراقية ويستنزف المجتمع ويقوض حياته ومستقبل أجياله على كافة الصعد دون وضع حد له أو معالجته. فيما الصراع بين الأحزاب والقوى كان ولا زال يحتدم قبل كل انتخابات. في انتخابات مجالس المحافظات المزمع إجراؤها هذا العام سيكون على ما يبدو أشد ضراوة لحصول كل طرف على أكبر عدد من المقاعد بواسطة الفساد المالي والتزوير.
السؤال: كيف ينشأ الفساد؟ ومن هي القوى التي تمارسه وكيف؟
يشار إلى الفساد عموما بأنه سوء استخدام السلطة أو المنصب أو النفوذ في القطاع العام مثل الإدارة الحكومية أو الوكالات الحكومية في سبيل الحصول على فوائد شخصية غير مشروعة، وقد يكون له تأثيرات سلبية على الدولة والمجتمع والنظام السياسي. ومن أشكاله الخطيرة: التلاعب بالمناقصات واستغلال المناصب العامة لتحقيق مكاسب شخصية تتعلق بأنشطة غير قانونية متعلقة بالموارد المالية والفساد المالي. وقد يشمل الممارسات غير النزيهة في التعيينات والترقيات غير المستحقة او التلاعب بالعقود والتعاطي غير العادل مع المواطنين وممارسة الرشوة والاحتيال وغسيل الأموال وتهريبها.
اما الفساد السياسي: يحدث عندما يتم استغلال السلطة السياسية للحصول على منافع شخصية أو لتحقيق أهداف سياسية غير قانونية. يمكن أن يشمل الرشوة للحصول على تأييد سياسي أو الوصول إلى المناصب الحكومية، وتزوير الانتخابات، وتعديل القوانين بما يخدم المصلحة الشخصية للمسؤولين السياسيين. والفساد في أي من هذه المجالات يؤثر على الثقة العامة في الحكومة والمؤسسات العامة، ويعوق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ويؤدي إلى تدهور الخدمات العامة وعدم تحقيق المساواة والعدالة في المجتمع.
ربما يكون الفساد موجودا في الأنظمة السياسية والثقافات المختلفة بسبب عدم تعزيز النزاهة والشفافية في الحكم. إلا انه ليس من الصعب معرفة من هي القوى والأحزاب التي تقوم بأعمال الفساد المالي والإداري والسياسي بشكل محددة. ومن الممكن أن يكون هناك بعض العوامل التي تساهم في حدوث الفساد وانتشاره، اهمها:
ضعف الرقابة والنظام القانوني: فعندما يضعف نظام الرقابة وينعدم تطبيق القانون، يصبح من السهل على الأفراد والمؤسسات استغلال الفرص لممارسة الفساد.
ثقافة الرشوة: في بعض البلدان والمجتمعات، قد تكون الرشوة جزءا من الثقافة المتأصلة، حيث يتم قبولها أو توقعها كجزء من عملية اتخاذ القرار أو الحصول على خدمات.
تراكم السلطة: عندما تتراكم السلطة في يد قلة قليلة، قد يتم استغلالها لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المصلحة العامة.
نقص الشفافية والمساءلة: عندما يفتقر النظام السياسي والإداري إلى شفافية في أعماله ونقص في آليات المساءلة، يمكن للفاسدين أن يعملوا دون تحمل المسؤولية. وتجدر الاشارة الى ان الطرق والأساليب التي يستخدمها الأشخاص والمنظمات والأحزاب لممارسة الفساد الإداري والسياسي متنوعة، قد يشارك فيها أفراد بشكل فردي أو شبكات متعددة.
بالتاكيد لا يمكن اعتبار جميع الأحزاب والقوى متورطة في الفساد، فهناك أحزاب سياسية وقوى مجتمعية داخل السلطة وخارجها، تحاول مكافحة الفساد وتقويم النزاهة والشفافية، ولها دور هام في تعزيز ذلك في الحكم ومؤسسات الدولة. لكن من غير الواضح، خطط وبرامج الاحزاب ومدى إستعدادها لمواجهة الفساد، اذ لم نلحظ أي مسلك ايجابي في هذا المضمار سوى الأقوال الرنانة. ولا يبدو أن احزاب السلطة جادة لوضع برامج وسياسات صارمة لمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية في حكوماتها ومؤسسات الدولة. وهل من الممكن أن تكون هذه السياسات محددة وواضحة، وتشمل إجراءات فعالة للكشف عن الفساد ومعاقبة المتسببين. وأن يكون قادتها مثالا في تعزيز الشفافية في أعمالهم وأنشطتهم بما في ذلك توفير معلومات مفتوحة حول تمويلهم ومصادر الدخل ونشاطاتهم السياسية. ايضا النفاذ إلى المعلومات والاستجابة لمطالب الشفافية من قبل المجتمع المدني ووسائل الإعلام، والأهم أن تضع آليات قوية للرقابة الداخلية ومحاسبة مسؤوليها والتطهير الداخلي في الحزب. ومن غير الواضح بأنها حريصة على تعزيز النظام القانوني والمؤسسات المستقلة المكلفة بمكافحة الفساد، مثل المحاكم والهيئات الخاصة بقضايا الفساد، وأن يكونوا قدوة في مكافحة الفساد من خلال التزامهم الشخصي بالنزاهة والشفافية والمساءلة.
ان مسؤولية محاربة الفساد بالدرجة الاساس من المهام الجوهرية للدولة ومؤسساتها القانونية والامنية. حيث تكمن لديها القدرة على وضع السياسات والإصلاحات وتنفيذ الإجراءات اللازمة للقضاء على الفساد وتعزيز النزاهة والشفافية في الحكم.
الخلاصة: تعلق بعض الاحزاب العراقية غير الممثلة في المجلس التشريعي والحكومة امالا كبيرة للفوز في الانتخابات المحلية لمجالس المحافظات المزمع اجراؤها هذا العام، وربما تطمح الفوز في الانتخابات التشريعية القادمة للبرلمان العراقي. ولنفترض ان هذه “الاحزاب المعارضة” التي طالما تطالب بمحاربة الفساد والفاسدين دون ان نعثر لها على برامج تتضمن بوضوح رأيها في طرق محاربة الفساد وكيف؟… نقول نفترض: انها ستصل عبر صناديق الانتخابات الى السلطة، بمعنى انها احرزت نصرا انتخابيا بقدرة قادر. نسأل: هل ستكون جادة في محاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين مهما كانت مواقعهم؟. واذا ما قدر لها، أي “أحزاب المعارضة” استلام السلطة: هل ستعلن ضمن برنامجها الحكومي، كيف ومتى ستقوم بملاحقة الفاسدين ومحاربة الفساد؟. والاهم: هل ستصارح الشعب العراقي بانها جادة في تنفيذ ذلك دون رجعة، ووفق اي الاجراءات وكيف؟. وهل ستكون مستعدة لخوض المعركة مهما كلف الثمن؟. لان القوم كلهم بمن فيهم الفاسدون يدعون محاربة الفساد في العلن (ويلغفون) كل موارد الدولة من فوق الطاولة ومن تحتها في كلتا الحالتين، السر والعلن. فالاقوال شيء والواقع العملي مسالة فيها نظر بحكم المصالح وحلاوة السلطة والمال.. ليتنا نسمع في قادم الأيام عن لسان هذه القوى، أبجديات سياسة وطنية نزيهة فاعلة، موثقة لا وعودا زائفة، تعيد لعقل الإنسان العراقي تموضعه للمشاركة في صياغة تحول سياسي في إطار دولة العدل والأمن والقانون المدنية.