ظاهرة التسول في العراق،
تقصير حكومي أم ثقافة استرزاق رخيص؟
د. نزار محمود
لا أعتقد أننا سنحتاج الى وقت طويل للاجابة انها مسألة تقصير حكومي، في أشكال مسؤوليات متعددة، من ناحية، وأنها عند البعض قد أضحت ثقافة استرزاق لابل وإستثراء، ناهيك عن مجاميع التسول المنظمة، من ناحية أخرى.
أشكال التقصير الحكومي المتعددة:
الجانب السياسي، المتمثل في عموم السياسة والرعاية والضمان الاجتماعي لأبناء المجتمع التي تلزم الدولة وسلطاتها ان تحرص على كرامة مواطنيها في حقوق حياتهم الأساسية من مأكل ومشرب ودواء وإيواء.
الجانب الاقتصادي، المتمثل بواجب الدولة في تهيئة فرص العمل، ليس فقط من خلال عروض وظائفها الحكومية وإنما من خلال ادارتها الرشيدة للحياة الاقتصادية، اضافة الى تشريعاتها في ما يخص أجور العمل وظروفه المشجعة عليه.
الجانب الاجتماعي، المتمثل بإشاعة روح وقيم التكافل الاجتماعي بين الموسرين والمعوزين. ومن ناحية أخرى فإنها مسؤولية الدولة في بناء مؤسسات رعاية اجتماعية وتوفير ضمان اجتماعي لا يضطر الإنسان معه الى هدر كرامته واللجوء الى سؤال الناس والتسول.
الجانب الثقافي، الذي قد يغفل عن أهميته الكثيرون في هذا الشأن. ان الثقافة في ما تزرعه من قيم الحميمية والكرامة في آن واحد، تساهم بشكل فاعل في الحث على التعاون والتكافل الاجتماعي من ناحية، وعلى البحث عن عمل وكسب كريم من ناحية أخرى.
المسؤوليات التربوية:
تتعدد هي الاخرى هذه المسؤوليات كذلك. فهي من ناحية، مسؤوليات تربوية بحتة تتعلق بضعف زرع قيم الكرامة والعزة عن من اصبح يمتهن التسول من صغار وكبار، ومن ناحية أخرى استسهال الكسب والتربح من خلال هذا الطريق.
تداعيات ظاهرة التسول:
ان انتشار ظاهرة التسول على المستوى الحكومي لا يعكس صورة حضارية أو انسانية للاداء الحكومي في جوانبه التشريعية والسياسية والاقتصادية، كما أنه لا يعبر عن حرص تلك الحكومة على كرامة ابناء شعبها في ما يتعلق الأمر بأدائها.
في حين يخدش انتشار ظاهرة التسول قيم الكرامة والأنفة الإنسانية عند الكبار، ويزرع في نفوس وسلوكيات الصغار عادات العيش غير الكريم، وني ثقافة أشبه بالجرب!
وختاماً أقول:
إن بلداً ريعياً مثل العراق يجب أن لا يسمح بانتشار ظاهرة التسول غير المبررة، وأن تسعى أجهزته الى تتبع أسباب ذلك ومعالجته.
كما أتوجه الى ضمائر، قبل عقول، من يكدس المليارات والملايين ممن ينهب أموال ابناء الشعب، ومنهم هؤلاء المتسولين، لا سيما الأطفال منهم ممن لا يزور مدرسة، وتراه يجوب الشوارع في بيع قناني الماء أو مناديل اليد أو يقوم بمسح واجهات السيارات الفارهة!
كل ذلك يحصل أمام مرأى ومسمع الدجالين من ساسة و” رجال دين ومرجعيات” وقضاة وتربويين ومصلحين ويساريين وقوميين ولجان نزاهة ومحاربة الفساد ووعاظ سلاطين المال والجاه وبارونات الأحزاب “الديمقراطية” قاهرة الديكتاتورية!