تجري أحداث فيلم الخيال العلمي ” Equilibrium ” من تأليف و إخراج كريت ويمر ، في المستقبل بعد حرب عالمية أدت إلى دمار وخراب وموت طال معظم البشر ، عَقِبَ ذلك تأسيس مدن تحظر ” المشاعر والعواطف ” على اعتبار أنها ضجيج يشوش صوت العقل والمنطق وأنها سبب الصراعات والحروب ، حيث يتم تطوير حبوب تشل مُسببات ومُحفزات العاطفة مما ينشط في كيمياء وفيزيولوجيا الجسد البشري ، ونرى مدينة منظمة نظيفة رصينة ، وأناساً يعملون بنظام وجد ولكن بفتور ، وسرعان ما يظهر الوجه الآخر للمدينة من استبداد يلاحق من توقفوا عن أخذ العقار وقرروا أن يختبروا المشاعر واقتنوا الفنون وكل ما يجعل المشاعر تتقد وتتدفق . يكون بطل الفيلم جون بريستون الذي أدى شخصيته الممثل كريستيان بيل ، قيادياً في محاكم التفتيش يتمتع بالصرامة والحزم إلى أن يفقد حبة الدواء الذي يكبح العواطف تماماً ، عن طريق الخطأ ويتابع يومه بقلبٍ نابض ، فيدرك أن العاطفة شيءٌ يتعدى مزاعم النظام الحاكم للمدينة .
وفي إصدار جديد يتناول مسألة تحريم المشاعر عَبَّرَ في فيلم ” the Giver” المستوحى من الرواية التي تحمل نفس الاسم من تأليف لويس لوري و المُستلهمة من فيلم ” Equilibrium ” عن المشاعر بالألوان ، حيث عالمٌ بلا مشاعر هو عالم ثنائي اللون أسود و أبيض بينما يرى من يَشعر العالم ملوناً ، و لعل الأبيض والأسود يرمزان إلى ” الصواب ” و ” الخطأ ” أي إلى الاحتكام الصارم للعقل ، ويركز هذا الفيلم على الأسرة بشكلٍ أكبر وينجح في جعلها تظهر كمُفارقة ، حيث هُم أسرة وليسوا أسرة في ذات الوقت !! وهنا إشارة ذكية إلى كون العاطفة هي جوهر العلاقة الأُسريَّة .
يركز كلا الفلمين على كون الإنسان عاجز عن تمييز الصواب من الخطأ دون عاطفة خلافاً لما يزعمه النظامان الحاكمان لكلا المدينتين في كلا الفلمين بأن العاطفة سبب الصراعات والشرور ، يُظهر الفيلم عبر أحداث ومواقف مُقنعة أن العقل وحده لا يكفي بل ويقودنا إلى التطرف في بعض قراراتنا وأن العاطفة عامل توازن ، كما أن المدن التي تخلو من الأشياء المفرحة البهيجة أو من الفنون هي مدن لا تشد المعنى الحقيقي للحياة برغم كون سكانها ينعمون بالتكنولوجيا والنظام فما فائدة المساواة بين الناس طالما لا يوجد فرح ؟!
ولعل الفلمين يقدمان رسائل إلى كل الشخصيات المُتحفِّظة التي تُعاني من تَبلُّدٍ في مشاعرها وتتجاهلها ، وإلى كل السيكوباتيين الذين لم تُهيمن السيكوباتية عليهم بَعد ، لإعادة النظر في مسألة التعاطف مع الآخرين ومشاركة العواطف .
عقلية الحُكم والإدارة في النظام الرأسمالي :
يُحيلنا نهج النظام الرأسمالي الحاكم لتلك البلاد بُعيد الخراب الكبير إلى سؤال ، ما هو أكثر ما يَهم النظام الرأسمالي ؟
إنه يريد اليد العالمة الـ ” بروفيشنال ” الاحترافية ، و الـ ” بروفيشنال ” هو من يؤدي عمله بشكل احترافي وتقتضي هذه الكلمة في أهم أبعادها التجرّد عن العواطف الشخصية تجاه من تعمل معهم زُملاءً وعُمَلاءً و إدارةً ، و أن تكون ” بروفيشنال ” مسألة جداً يتم السعي إليها وتوخيها من قِبل المجتمعات الغربية ومجتمعات الدول المتقدمة على وجه العموم ، فالعامل النموذجي هو من لا يأخذ إجازات – والتي يؤخذ كثيرٌ منها من أجل المناسبات الاجتماعية – بل يعمل لوقت إضافي ويكون أشبه بمُسنن يُكمل الآلات التي تشاركه خط الإنتاج دون أن يعرف كللاً أو ملل .
سرعان ما يكشف النظام الحاكم في كلا الفلمين عن الوجه القبيح الاستبدادي له والذي لم يكن يمكن لأحد اكتشافه دون عاطفة ، وكأن نزع عواطف الناس كانت أداة تعتيم جديدة استثمرتها الأنظمة الاستبدادية لنبذ صراع العامة معها وليس للقضاء على كافة أشكال الصراعات سواء الحروب بين الشعوب أو الصراع الطبقي ، كما كانت تزعم .
ينتهي الفلمان بعودة العواطف إلى الناجين من البشر وفي فيلم ” the Giver ” تكون العواطف مرتبطة بالذكريات والتي يمكن عبر التكنولوجيا تقاسمها بين البشر ، فتُستعاد العاطفة باستعادة الذاكرة الجمعية للبشر .