نافذة الواقع تطل في المجموعة القصصية (حزن في نافذة الفجر) للأديب كفاح الزهاوي
جمعة عبد الله
الحبكة السردية في صياغتها الفنية وتكوين نسيج رسالتها الفكرية الدالة، تمتلك حضوراً واقعياً بقوة على امتداد الزمن. الذي صبغ بلون الإرهاب السياسي والفكري. واقع مجحف في ابسط حقوق الانسان في شرعيته في حق الحياة، واقع مصادرة حرية الرأي والتعبير، واغتياله بالقوى الباطشة، هذه هي سلطة البعث، تعتبر الحرية من الجرائم الكبرى تؤدي بصاحبها الى الموت في زنازين التعذيب الوحشي. رسالة السرد تغطي نهج ممارسات سلطة البعث في البطش والتنكيل بشكل واسع بوضع المواطن في دائرة الضوء الضيقة، حتى تحسب خفقان نبضاته، ومراقب من كل الزوايا بمراقبة أمنية صارمة من الاجهزة القمعية الباطشة، وببساطة جداً أن تضيع حياة الانسان في دهاليز مراكز الأمن، دون سؤال وجواب، هكذا كانت سلطة البعث في تسلطها على العراق، جثم على صدور الناس بالمعاناة والتسلط الطاغي بطغيانه، وانتهج طريق شن الحروب الخارجية، الحرب ضد ايران، وشن الحروب الداخلية ضد الرأي المعارض لسياسته الوحشية، مثلما تدفع الانسان إلى الموت في جبهات الحرب، هي ايضاً تدفع الى الموت في سجونه الامنية، بمحاكمات صورية سريعة، حتى لا تعطي مجالاً ان يفتح المتهم فمه حتى لو ينطق بحرف واحد. لذلك الحدث السردي لهذه الأحداث، يلعب بها خميرة مخزون الذاكرة، او نتاج استرجاع الذاكرة، التي فاضت بهذا الكيل الطافح بالظروف المتشددة في قسوتها في ترهيب ورعب المواطن، هي محاولة في الإيغال بتلك الأحداث المنصرمة، إحساس وجداني صادق على تلك المرحلة البغيضة، ليضع القارئ أو المتلقي في مشاهد حية مروعة من الممارسات الهجينة، في درامايتها وفعلها المتحرك بالوصف والتصوير والحوار، في حضور مؤثر في المعاني والدلالات البليغة. والتي تدل على فداحة كارثة الهوس المجنون بالتمسك بكرسي العرش. هذا في الجانب السياسي، ولكنه هناك شقاً في الجانب السياسي ايضاً، وهو جانب الرفض والتمرد على البطش والتنكيل وعدم الاستسلام ورفع الراية البيضاء، حتى في حمل السلاح في وجه سلطة البعث، أي المقاومة الأنصارية المسلحة في جبال كردستان. شباب حمل حب العراق وهو يحمل الأمل الوطني حتى بالتضحية ومد يد العون والمساعدة للقرى التي تحيط ربايا الأنصار، حتى نالوا الثقة واحترام القرويين، في السلوك الإنساني النزيه، والحاضر في كل شدة وعسر، وكذلك تناولت المجموعة القصصية (حزن في نافذة الفجر) التي تضم 26 قصة قصيرة جوانب متفرقة من الحياة والواقع. منها الواقع الاجتماعي للطبقة الفقيرة، المعدمة والمسحوقة التي تقع في سهولة براثن الاستغلال وخاصة المرأة الفقيرة التي تكافح من أجل توفير رغيف الخبز لعائلتها، لكنها في بعض الأحيان تقع في حبائل المكر والخداع، الذي ينتهي الامر بها بالاغتصاب وفقدان العذرية، عندها تدفع الثمن الباهظ من جانب عائلتها حفاظاً على الشرف، وغسل العار، تذبح من الوريد الى الوريد. وكذلك تطرقت المجموعة الى مشاكل الغربة والاغتراب والضائقة المالية والاقتصادية، تجعل المغترب لا يستطيع تقديم المساعد الى منْ هو بأمس الحاجة القصوى إليها، يجد نفسه مشلولاً للمعاناة الشاقة، وكذلك مواضيع متفرقة آخري.
– عينات من القصص القصيرة:
1 – قصة (حزن في نافذة الفجر):
وهي تحمل عنوان المجموعة القصصية، يشير حدثها السردي الى امعان سلطة البعث في نهج الإرهاب والبطش في المعارضة السياسية من أجل ابادتها وشطبها من الخريطة السياسية في العراق. فقد أطلق نظام البعث العنان الى اجهزته الامنية والقمعية، أن تجر أي مواطن الى السجون والمعتقلات على أي شبهة بعدم الانصياع للحزب والسلطة، أو يرفض الايديولوجية الفاشية، فيضع حياته في خطر السجن والتعذيب الوحشي ضده، وتنزع منه انسانيته لجعله آلة جامدة صماء، وأن يكون دمية ببغاوية تعظيم وتمجيد قائد الضرورة. وأما ان يرسل الى القبر، مثل حادثة (حاذق) لم يسلم الى أمه إلا جثة هامدة مع التحذير الشديد بعدم اقامة مراسيم العزاء والبكاء، والألم في حالة الصدمة المروعة امام جثة فلذة كبدها، تلك اساليب الأيديولوجية الفاشية (دخلت الى حجرة خانقة ذات ألوان متنافرة تفوح تفوح منها روائح كريهة، وإذا بها أمام جثة هامدة صامتة، لقد جرى إعدام حاذق شنقاً بعد أن صدرت به حكم الإعدام في محكمة صورية سرية، سميت محكمة الثورة سيئة الصيت) ص9.
2 – قصة (على أطراف نهر بردى):
مغترب عراقي في سوريا يتسكع في الطرقات يبحث عن فرصة عمل، وهو يمر في أزمة اقتصادية صعبة، يعاني ضنك الحياة الشاقة، ويشعر بالضياع بعد اضطر للظروف الصعبة للوطن أن يأخذ طريق الهجرة، وخلال تجواله صادف امرأة في مقتبل العمر، تسأل عن الحافلات التي تصل الى دمشق، لكي تصل الى العنوان المكتوب في الورقة، عن رجل (ابو راوية) لكي يساهم في انجاز معاملة التقاعد زوجها الطيار، الذي توفي في تحطم طائرته التدريبية أثناء التدريب، وترك لها طفل دون معين، واوصلها الى مكان عنوان الرجل، ولكن عندما سألت عنه، كان الجواب لا يعرفه احداً ولم يسمعوا باسمه، وقعت في ورطة، بأنها لا تعرف احداً لتبيت ليلتها وتواصل البحث عن الرجل المذكور صباحاً (- أنت كنت رائعاً معي طول الوقت، كان لدي شعور جميل انك انسان طيب وتحب الخير، وهذا الموقف خير مثال على ذلك، لدي سؤال قد يكون صعب عليَّ كامرأة طرحه، هل يمكنني قضاء الليلة معك في منزلك ؟ قالت الجملة الأخيرة بصوت خفيض.
ثم أردفت قائلة لتفادي سوء الفهم.
-عفوا، لحين يوم غد، لا عرف احداً في دمشق سوى ابا راوية.
أجاب عادل بلهجة عبرت عن أسف.
– شكراً على اطرائك وانتِ ايضاً كنتِ رائعة جداً، ولكن مع الأسف أنا أعيش مع أربعة آخرين في الدار) ص27. وذهب كل منهما الى حال سبيله، في الاتجاه المعاكس.
3 – قصة (أنصار يرتقون):
تسرد أحداث حياة الجبل الصعبة والشاقة للشباب الذين تطوعوا في حمل السلاح ضد السلطة البعثية الطاغية، ضمن فرق حركة الأنصار. وهم يخاطرون بحياتهم من سياسية التدمير والتجويع، وتجنيد المرتزقة (الجحوش) في المطاردة والقتال والتصيد الأنصار أينما كانوا، رغم هذه الظروف الشاقة، فأنهم يمتلكون روح المعنويات العالية ومواصلة التحدي والصمود والمقاومة، ويقدمون بإمكانياتهم البسيطة كل الدعم والمساعدة والنجدة في حالات طارئة الى القرويين في محيطهم، وجعلوهم سوراً يحميهم من الجحوش، بأخلاقهم العالية.
4 – قصة (شارع 52):
يدل الحدث السردي بأن حياة المواطن في خطر، في نهج الإرهاب والبطش، الذي أصبح عقيدة ومذهب وايديولوجية لسلطة البعث الحاكم آنذاك. فيتم الاعتقال وحتى إطلاق الرصاص في الشوارع من قبل اجهزة النظام الامنية. و(حكمت) خرج في الليل لحاجة احتاجتها عائلته. ولكن طال الانتظار ولم يعد الى بيته، ولم يتعود على التأخير ابداً، بدأ القلق ينهش هواجس زوجته طوال الليل حتى شروق شمس الصباح، ولم تعد تسمع بكاء طفلها في الليل ولم تذق طعم النوم مطلقاً، وبدأ الأمل يفقد بعد السؤال والتفتيش في دوائر الصحية وحتى مراكز الشرطة، والطب العدلي تفتش بين الجثث، لانها كما تواردت لها الاخبار، بسماع في الليل أو ليلة غياب (حكمت) إطلاق نار في شارع 52 في بغداد. وظلت سنوات طويلة خمسة وعشرين سنة تنتظر عودته، وبعد هذا التاريخ أصبح طفلها بعمر خمسة عشرين عاماً. في أحد الايام وهي تتطلع الى سماع اخبار التلفاز عن اكتشاف مقبرة جماعية في احدى ضواحي بغداد في شارع 52، عن كشف مقبرة جماعية والتعرف على هوية المغدورين ومنهم الشاب المغدور (حكمت نوري الراوي) وعمره 25 عاماً، تجمد الدم في شرايينها، أنه زوجها المغدور.
5 – قصة (وريث الجن):
الحياة كفاح صعب وشاق وخاصة للشرائح الفقيرة المعدومة والمسحوقة، التي هي منسية من السماء والأرض، بالحرمان والظلم. لكن دون خنوع واستسلام كما في حالة الشاب (صارم) أنهي دراسته الاعدادية بالمعاناة لكن بروح التحدي والصمود يمتلئ عقله، رغم أنه شاب موهوب في الرسم وهو مصدر رزقه يعتاش عليه في قوته اليومي، ولم يتهاون في البحث عن عمل، ويسكن بيت مهجور، ووحيداً ليس له سنداً ومعيناً، وبعد البحث وجد فرصة العمل والسكن، وبدأ وضعه المالي يتحسن تدريجياً وبعد مرور أكثر من عام، اشتاق الى قريته وبيته المهجور. وحين وصل الى البيت المهجور، وجد تزاحم الناس حول جثة فتاة ملطخة بالدماء. سأل عن سبب جريمة القتل، وتبين له من حديث الناس، بأن الجثة المذبوحة تعود لفتاة فقيرة تبيع الخضار. ووقعت ضحية الخداع والمكر من أحد المشترين، خدعها بدفع المال، وطلب منها أن تحمل الخضروات الى الباخرة، وتطوعت بسذاجة وطيبة، ولكن كانت نية الرجل دنيئة وسافلة، اخذها الى طريق مهجور وهناك ارتكب جريمة الاغتصاب وفقدان العذرية (- كانت ضحية الفقر والجهل.. كانت تعمل في الميناء وتبيع ما تنتجه العائلة من زراعة كالبطاطا والجزر وبعض الخضار، وفي أحد الأيام عندما وصلت الباخرة الى الميناء نزل رجل وهو من أفراد الطاقم وتوجه الى المكان، الذي اعتادت ان تقف فيه، وطلب منها شراء جميع المواد، ودفع لها ايضاً مبلغاً مغرياً.
وصاحبه يتألم بصمت وهو يصغي السمع الى كلماته وأردف قائلاً.
رددت الفتاة الشابة:
– لكن هذا المبلغ كبير
أجابها الرجل:
– لا عليك فأنتِ ستساعدني في حملها داخل الباخرة، وسيتم أخذ المبلغ في الاعتبار مقابل عملكِ) ص91. وهناك ارتكب جريمة الاغتصاب الدنيئة، ونقلت الى المستشفى، وادعى الرجل السافل بأنها جاءت برغبتها وبالمال المدفوع، مقابل عمله الفاحش وأطلق سراحه. وكان نصيب الفتاة المسكينة الذبح من قبل أهلها، بذريعة غسلاً للعار.
× الكتاب: مجموعة قصصية / حزن في نافذة الفجر
× الكاتب: كفاح الزهاوي
× تاريخ الطبعة الأولى: عام 2023
× عدد الصفحات: 136 صفحة
الحبكة السردية في صياغتها الفنية وتكوين نسيج رسالتها الفكرية الدالة، تمتلك حضوراً واقعياً بقوة على امتداد الزمن. الذي صبغ بلون الإرهاب السياسي والفكري. واقع مجحف في ابسط حقوق الانسان في شرعيته في حق الحياة، واقع مصادرة حرية الرأي والتعبير، واغتياله بالقوى الباطشة، هذه هي سلطة البعث، وتعتبر الحرية من الجرائم الكبرى تؤدي بصاحبها الى الموت في زنازين التعذيب الوحشي. رسالة السرد تغطي نهج ممارسات سلطة البعث في البطش والتنكيل بشكل واسع بوضع المواطن في دائرة الضوء الضيقة، حتى تحسب خفقان نبضاته، ومراقب من كل الزوايا بمراقبة أمنية صارمة من الاجهزة القمعية الباطشة، وببساطة جداً أن تضيع حياة الانسان في دهاليز مراكز الأمن، دون سؤال وجواب، هكذا كانت سلطة البعث في تسلطها على العراق، جثم على صدور الناس بالمعاناة والتسلط الطاغي بطغيانه، وانتهج طريق شن الحروب الخارجية، الحرب ضد ايران، وشن الحروب الداخلية ضد الرأي المعارض لسياسته الوحشية، مثلما تدفع الانسان إلى الموت في جبهات الحرب، هي ايضاً تدفع الى الموت في سجونه الامنية، بمحاكمات صورية سريعة، حتى لا تعطي مجالاً ان يفتح المتهم فمه حتى لو ينطق بحرف واحد. لذلك الحدث السردي لهذه الأحداث، يلعب بها خميرة مخزون الذاكرة، او نتاج استرجاع الذاكرة، التي فاضت بهذا الكيل الطافح بالظروف المتشددة في قسوتها في ترهيب ورعب المواطن، هي محاولة في الإيغال بتلك الأحداث المنصرمة، إحساس وجداني صادق على تلك المرحلة البغيضة، ليضع القارئ أو المتلقي في مشاهد حية مروعة من الممارسات الهجينة، في درامايتها وفعلها المتحرك بالوصف والتصوير والحوار، في حضور مؤثر في المعاني والدلالات البليغة. والتي تدل على فداحة كارثة الهوس المجنون بالتمسك بكرسي العرش. هذا في الجانب السياسي، ولكنه هناك شقاً في الجانب السياسي ايضاً، وهو جانب الرفض والتمرد على البطش والتنكيل وعدم الاستسلام ورفع الراية البيضاء، حتى في حمل السلاح في وجه سلطة البعث، أي المقاومة الأنصارية المسلحة في جبال كردستان. شباب حمل حب العراق وهو يحمل الأمل الوطني حتى بالتضحية ومد يد العون والمساعدة للقرى التي تحيط ربايا الأنصار، حتى نالوا الثقة واحترام القرويين، في السلوك الإنساني النزيه، والحاضر في كل شدة وعسر، وكذلك تناولت المجموعة القصصية (حزن في نافذة الفجر) التي تضم 26 قصة قصيرة جوانب متفرقة من الحياة والواقع. منها الواقع الاجتماعي للطبقة الفقيرة، المعدمة والمسحوقة التي تقع في سهولة براثن الاستغلال وخاصة المرأة الفقيرة التي تكافح من أجل توفير رغيف الخبز لعائلتها، لكنها في بعض الأحيان تقع في حبائل المكر والخداع، الذي ينتهي الأمر بها بالاغتصاب وفقدان العذرية، عندها تدفع الثمن الباهظ من جانب عائلتها حفاظاً على الشرف، بغسل العار، تذبح من الوريد الى الوريد. وكذلك تطرقت المجموعة الى مشاكل الغربة والاغتراب والضائقة المالية والاقتصادية، تجعل المغترب لا يستطيع تقديم المساعد الى منْ هو بأمس الحاجة القصوى إليها، يجد نفسه مشلولاً للمعاناة الشاقة، وكذلك مواضيع متفرقة آخري.