إتّحاد الشعب “ فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد”
زكي رضا
الشعارات التي ترفعها الأحزاب السياسية المختلفة، غالبا ما تُترجِم سياسات تلك الأحزاب تجاه قضايا آنيّة ملحّة وعلى تماس يومي مع حاجات الناس، وهذه الشعارات تختلف بالتأكيد عن الشعارات التاريخية التي تكون بحاجة الى نضال طويل قد يستمر عقودا أو أكثر لتحقيقها، ومثل هذه الشعارات قد تظهر أهميّتها وحيويتها بعد عقود من رفعها في نفس البلد، نتيجة توافر نفس الظروف الموضوعية أو القريبة منها من تلك التي أدّت حينها لتبنّيها من هذا الحزب أو ذاك، وبالطبع يبقى العامل الذاتي لذلك الحزب وطبيعة السلطة وقتها أمرا يجب أخذه بنظر الأعتبار.
قبل ثورة الرابع عشر من تموز 1958 بقليل وتحديدا أواخر شهر آيار/ مايس 1957، نشرت صحيفة أتحاد الشعب الناطقة بأسم الحزب الشيوعي العراقي ونتيجة لسوء أوضاع الجماهير وقتها مقالا تحت عنوان “الأعمار في ظلّ الأستعمار”، هاجمت فيه حكومة أحمد مختار بابان متّهمة أياها بالعمل على أفقار الجماهير. وقد رفعت الصحيفة وقتها عدّة شعارات منها “فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد” و “الموت للذین يحكمون على اقتصادنا الوطني بالخراب ویدفعون الجماهير إلى هاوية البؤس والعبودية والحرمان” و “إن دموع الامهات وصراخ الاطفال وانين الجیاع وهمهمات التذمر لابد أن تنطلق صیحة غضب واحدة لإزاحة كابوس الاستعمار عن صدور الشعب” (*)، فهل شعارات الحزب الشيوعي العراقي وقتها لها مكان في عراق المحاصصة اليوم؟
الشعارات الثلاث التي رفعها الحزب الشيوعي العراقي وقتها في صحيفته المركزيّة، والتي تحقّقت بعد أقلّ من شهرين بنجاح ثورة الرابع عشر من تموز، ليست دلالة على صحّة مواقفه الوطنيّة فقط، وليست بقراءة آنيّة للوضع السياسي الأقتصادي للبلاد وقتها فقط، بل شعارات وجدت لها أرضية وحيوية كاملة ونحن نعيش اليوم عهد محاصصة طائفية قومية تقود البلاد نحو الخراب التام.
“فلتسقط سياسة التبذير والنهب والفساد”، هذا الشعار رفعه الحزب وقتها في مواجهة تبذير ونهب وفساد حكومات العهد الملكي، فهل تبذير ونهب وفساد السلطة اليوم يختلف عمّا كان عليه إبّان ذلك العهد؟ الجواب لا قطعا، فالفساد والنهب والتبذير اليوم يفوق ما شهده العراق في كل عهوده بعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة، بل ويفوق أمثاله في تاريخ اكثر البلدان فسادا بالعالم.
“الموت للذین يحكمون على اقتصادنا الوطني بالخراب ویدفعون الجماهير إلى هاوية البؤس والعبودية والحرمان”، شعار نحن بحاجة ماسّة إليه اليوم لنبدأ ببناء وطن يتهاوى تحت معاول أحزاب الفساد الحاكمة، وتقديم المسؤولين عن الفساد والخراب للمحاكم. شعبنا اليوم ضحيّة لقوّة السلطة وأذرعها العسكرية الرسميّة منها وغير الرسمية، أقتصادنا وثرواتنا ملك لأحزاب وعوائل وأفراد ورجال دين، الحرمان نراه في فقر الزراعة والصناعة والتعليم والصحة وباقي الخدمات. الهاوية إسم من أسماء جهنّم لا يُدرك قعرها، وفيها قال الشاعر عمرو بن ملقط الطائي:
يا عمرو لو نالتك أرماحنا كنت كمن تهوي به الهاوية.
وأرى ونحن نعيش عهد الفساد والأستبداد في ظل نظام المحاصصة الطائفية القومية اليوم من أنّ رماح السلطة تهوي بنا الى الهاوية فعلا وقولا.
“إن دموع الامهات وصراخ الاطفال وانين الجیاع وهمهمات التذمر لابد أن تنطلق صیحة غضب واحدة لإزاحة كابوس الاستعمار عن صدور الشعب”. العراق اليوم وليتجنب السقوط في الهاوية بحاجة الى تبني هذا الشعار لأزاحة كوابيس الأستعمار. فالعراق اليوم مستعمرة لقوى دولية وإقليميّة عدّة، علاوة على كونه مستعمرة لأحزاب تتعامل مع شعبه وكأنّهم عبيد والعراق كأقطاعيّة. ولأنقاذ ما يُمكن إنقاذه من بقايا البلد الخرب علينا أن نجعل الصيحة قريبة وعالية وهادرة، لتعيد لشعبنا بهاءه وثباته وأنتفاضاته التي كلّلها بإنتفاضة تشرين الباسلة.
شعارات الحزب الشيوعي التي نحتاجها اليوم، هي نفسها التي رفعها الحزب في صحيفته أتحاد الشعب قبل 66 عاما. ورفعها والعمل على تحقيقها من مهمّات الحزب الملحّة اليوم وهو يحتفل بذكرى تأسيسه التاسع والثمانون..
المجد للحزب الشيوعي العراقي في ذكرى تأسيسه التاسع والثمانين.
المجد لشعبنا في معركته للخلاص من براثن الفساد والجريمة والفقر والجهل والتخلف والأميّة.
لنعمل من أجل عراق علماني ديموقراطي فدرالي موحّد.
(*) بحث حول مـوقــف الـحــزب الـشـيــوعــي الـعــراقـــــي من القضايا الاقتصادية والاجتماعية في العراق 1946 – 1958.
أ. م. د. مؤيـد شاكـر كاظـم جامعة ذي قار كلية الآداب، م. د. رحيم عبد الحسين عباس جامعة كربلاء/ كلية التربية.