” الكوميديا الإلهية ” لدانتي أليغييري ليس فيها من الكوميديا شيئاً, خصوصاً قسمها الأول والأهم ” الجحيم “. فهذه الملحمة الشعرية الايطالية, سميت بالكوميديا لأنها ” ببساطة ” أول ملحمة شعرية كتبت باللهجة المحلية, لكنها أصبحت أهم منتج أدبي في عصره بايطاليا واوروبا.
لانها تعرض زيارة دانتي بمعية صديقه ” فيرجيلو ” الذي قاده في أرجاء الجحيم. فهي بالتالي تعرض بالأحرى كل ما يجعل المرء مكتئباً خائفاً. ومعراجه هذا تواصل إلى ” المطهر والجنة “.
كذلك العراق يحفل بكوميديا وما هي بكوميديا… كوميديا سوداء, تجعل المواطن مهموماً مسلوب الحقوق والحريات والثروات ويحيا جحيمه الخاص دونما معين ولا مرافق.
لذا فلا تستغرب, عزيزي المتابع, وأنت ترى العراقي يقع في نوبة ضحك هستيري عند سماعه جواب سياسي, متباهي بورعه ويمّن به على الناس, عن سبب غياب الخدمات, بكونه مستهدف من الشيطان الأكبر الولايات المتحدة الامريكية والصهيونية العالمية بسبب حبه للحسين بن علي !
ملاعين! تبين أنهما علّة معاناتنا وتخلفنا.
ولكن نفس هذا المواطن يتساءل : عجبي, لماذا اذاً لم يعرقلا سكنكم القصور وتمتعكم بالامتيازات وتهريبكم النفط والمخدرات ؟!!
ويقال, بأن من ” الكوميديا ” ما قتل !
فان سرقة أربع مليارات دولار تافهة من أموال العراقيين سموها ” سرقة القرن ” للتمويه عن سرقات اكبر.
وكانت قمة الكوميديا التي أضحكت العراقيين عندما وقف ” حرامي القرن ” امام الجميع وهدد متنفذي السلطة, عينك عينك, بكشف الأسرار او اطلاق سراحه.. ليُسرح بمعروف. وأرجلهم فوق رقابهم و ممنونين !
وقرارات محكمة دستورية عليا, باتة وقاطعة, يجري القفز عليها لصالح اتفاقات سياسية غير شرعية, باستخفاف, كأنها لعبة حواجز ألعاب قوى.
وغيرها من مظاهر الكوميديا التي يطلقها شفندحية السلطة, كأن يعلن أحد رموز فشل المشروع الإسلامي في العراق, نجاحه. رغم أنف الحقيقة والواقع, وأنف المواطن الذي دفع ضريبة حروبهم الطائفية.. وهو الذي أضحك علينا وجوه قميئة جهمة من الدواعش, باحتلال محافظات كاملة على وقع الهورنات, لينظموا فيها حفلات دم بربرية… احتفاءاً بدولتهم الإسلامية التي زرعت الخراب وكلفت البلاد آلاف الشهداء وسبي همجي للعراقيات و ” لم تهتز لهم قصبة ” , ثم مغدوري سبايكر… حتى الاعدام الميداني والقمع الفاشي لأنبل شباب العراق من منتفضي تشرين المجيدة, بدم بارد.
أما عن الفقر والبطالة والعوز العام وغياب الخدمات والولاء للأجنبي, فحدّث ولا حرج.
إذا كان كل ذلك يسمى نجاحاً فكيف يكون شكل الفشل ؟!!
لقد جعلوا العراق بلداً فاشلاً بكل المعايير وعلى مختلف الأصعدة.
ربما ما قصده بنجاح مشروعهم الإسلامي, هو أنه جعلهم مليونيرية دولار وأفقر العراقيين.
كتب عالم الاجتماع العراقي الراحل فالح عبد الجبار : ” خرج العراق من الحرب مع ايران كعملاق عسكري, لكن
كقزم اقتصادي “.
اليوم العراق قزم عسكري كما قزم اقتصادي.
قواه العسكرية الرسمية وخلافها, رغم أعدادها المليونية, ضعيفة, ينخرها الفساد, غير قادرة على حماية سيادة البلاد… بلا عقيدة عسكرية موحدة.. موزعة على تشكيلات نظامية وميليشيات متنوعة الولاءات.
أما اقتصادياً, فإن الفائض النفطي مصدر الدخل الوحيد للبلاد, مسروق منهوب ولم يستفد منه المواطنين طوال العشرين عاماً من تجربتهم في الحكم.
وأكثر الأمور التي تجعل المواطن ينفجر ضاحكاً حد الغضب, هو استفحال الرشوة والفساد في أركان الدولة, وتربع الفاسدين على سدة الحكم وسرقاتهم الوقحة المكشوفة.
ولأن كل حملات مكافحة الفساد تطال صغار السراق وتتعدى كبارهم, كأن سرقاتهم قد أخفاها ربيبهم الشيطان تحت ذيله, ليتحملها صنائعهم مؤقتاً حتى يجري إطلاق سراحهم بكفالات هزيلة, تُضحك الثكالى والايتام وكل إنسان, أو بعفو عام مفصل على مقاسهم ولأجلهم.
مبدؤهم يستند إلى بديهة أن الرشوة ” تشحّم وتزيّت النظام ” وتجعله سلساً وفعالاً, والسرقة فهلوة وشطارة !!!
وأكثر ما يُضحك العراقي, حديثهم عن ” الديمقراطية التوافقية ” وتقسيم الحصص حسب الأوزان المكوناتية. وهو مجرد هراء لم يعد يقنع أحداً…
فالديمقراطية تتعارض مع المعاملة التفضيلية لفئات صغيرة متنفذة على حساب حقوق الملايين من المواطنين… فهي كأحزاب فئوية وطائفية ليست بالضرورة تمثل مصالح كل مكون أو شريحة اجتماعية في المجتمع, بسبب التنوع الفكري والثقافي في كلٍ منها.
وقد أثبتت الممارسة السياسية أنهم لايمثلون إلا ذواتهم ويلهثون وراء أطماعهم.
وبسبب فائض الكوميديا ومستوياتها الصاعدة للهامة عندنا, آثر سعادة سفيرنا في البحرين إلى تهريبها معه عندما قام بدغدغة ملك البحرين, لرسم الضحكة على محياه, على رؤوس الأشهاد, ” قيل بحكم الميانه التي بينهما ” متجاوزاً بذلك السلوك العام وحدود اللياقة والأصول والأعراف الدبلوماسية…
دانتي في إلهيته الكوميدية زار حلقة الجحيم السابعة حيث يتم عقاب من انغمس في خطيئة العنف والاعتداء.. حيث يجبر الآثمين على الانغماس في نهر الدم حسب درجة الخطيئة… كما شاهد كيف يعذب المرتشين في بحر مغلي من النار..
ولكن من منهم يؤمن بمبادئ الثواب والعقاب حتى بصيغتها الإسلامية ؟!!