كتابات السومريين والبابليين والآشوريين نَجَتْ، لأنَّ الطينَ الذي كُتِبَتْ عليه تَعمَّدَ بالنار! وما خُطَّ بعد ذلك على البردي والورق، لم ينجُ كثيرٌ منه.. إلتهمت نيران الحقد والكراهية وشيطنة المكتوب ، وأحيانا كُتّابه.. فهكذا كان مصير كتابات السهروردي وإبن رُشد وإبن حزم والغزالي وغيرهم…إلخ
عام 1499 أمرَ سيزنيرو ،كان يومها أُسقف غرناطة، أمر بألقاء كُتبٍ إلى النار. كانت كُتُب ثمانية قرون من الثقافة الإسلامية في إسبانيا – الأندلُس -.*
وفي عام 1592 قضى الشماس دييغو دي لاندا – بحرق تراث ثقافة المايا، التي تمتد عميقاً في التأريخ.
حدث ذلك ومن بعده عدةُ حرائق، أُطعمت فيها النيران بذاكرة مختلف الشعوب..من بين أشهرها ما نظّمه النازيون في العاشر من أيار/ مايو 1933 إذ أحرقوا ، بطقس رهيب بساحة أوغست بيبل وسط برلين، مئات الآلاف من الكتب .. تلتها محارق أخرى في مدنٍ ألمانية مختلفة ، توجه فيها النازيون بمشاعلهم نحو المكتبات العامة والخاصة ، حيث أشعلوا النيران فيها …
……………………
في ربيع 2003 ، عندما إستكملت القوات الأمريكية غزو العراق، ووصلت إلى بغداد، طوَّقت وزارة النفط لغرض حمايتها من عَبَثِ العابثين! فيما أَمَرتْ جنودَها أن لا ينظروا أو يتدخّلوا كيف كانت المتاحف تُنهب… إذ سُرِقَت رُقمٌ طينية تضم أولى الأساطير والقصص، وأولى الشرائع المكتوبة. بعدها جاء دور حرائق الكتب، حين أُشعِلَتْ النيران في المكتبة الوطنية، حيث إلتهمت النيران أكثر من نصف مليون كتاب، عددٌ كبير منها مخطوطات وأول الكتب التي طُبِعَت بالعربية والفارسية..دون أنْ يطرف جفنٌ لليانكي ، لأنه بلا تأريخ ولا يفقه معنى تأريخ أمةٍ!
ما زادَ حَنَقي، وأنا أحكي الأمرَ لمجموعة من الأصدقاء والمعارف، إنبرى أحدهم- يعتبر نفسه أهمَّ مثقف عراقي ! – إنبرى قائلاً:” يمعوّد! شنو قيمة الحجر والورق إزاء الناس؟!”
لكنه لم ينبس ببنتِ شَفَةٍ أو يكتب حرفاً ينتصرُ فيه لناس العراق، الذين يموتون كل يومٍ زرافاتٍ ووحدانا.
ناهيك عن ملايين المشرّدين !
____________________
* لوركا إعتبر أهم حقبة في كل تاريخ أسبانيا هي الـ 800 التي حكم فيها العرب الأندلُس.
* * *
تقليـدٌ وطنـيٌ عـريـق!لصاحبي، الذي لم يُصدِّق حتى الآن ، أن العراق غدا ثالثَ بلد في العالم بقائمة البلدان المبتلاة بالفساد والرشوة..من دون بقية إخوانه ، كان أسوأ تلميذٍ في المدرسة . بذلتْ العائلـةُ جهوداً مضنيةً معه ، فمـا تغيَّر ! ولمّـا يئسَ ربُّ العائلـة من إصلاحه ، أقامَ وليمـةً كبيرةً على شرفِ معلم المدرسة ، دعا لهـا الأعيـانَ وكبـار التجـار . لم يبخل الأب بطعـامٍ او شراب … شَنَّفَ أسماعَ الحاضرينَ بألحانَ شجيّةٍ ، وكحَّلَ نواظيرهم براقصاتٍ من أحلى ما يكونُ الخلق … وعندما إنتهت الوليمةُ ، حمَّلَ المضيِّفُ المعلمَ بعطايا وهدايـا كثيرة … فـي اليـوم التالـي زحَفَ التلميذُ إيـاه من آخر القائمة ، ليستقرَّ بينَ الأوائلِ من أقرانه! .. عُثِرَ علـى هذه القصـة في رُقَمٍ طينيةٍ ، كتبها السومريونَ بالخط المسماري ، يرجعُ تأريخها إلـى أكثرِ من أربعـةِ آلافِ سنةٍ . إنهـا تشيرُ إلـى أن الرشوةَ واحدة من أقدمِ التقاليد عند
!!شعوبِ وادي الرافدين ! وقـد تم إحياؤهـا الآن بفضل ” التحرير الأمريكاني ” وزبالته
وقد سُرقت تلك الرُقُم خلال نهب المتحف الوطني بعد الإحتلال الأمريكي البغيض..