فيلم ـ العراق الجمال الخفي ـ عيون مفتوحة وكاميرا مغلقة ‘ وشهادة عاطفيه !
نزار شهيد الفدعم
مقدمة
[[المفروض ان يكون الفيلم عن أعمال المصور الفوتوغرافي لطيف العاني بعنوان “جمال العراق الخفي” إخراج سهيم عمر خليفه و Jurgen Burgen Buedts ..بعد تصوير العديد من المشاهد وتسجيل كثير من الحوارات مع الراحل الفنان لطيف العاني قال لصناع الفيلم بعد ان توضحت له اهدافهم وين صار جمال العراق الخفي اظنكم في الاتجاه الأخر؟ ..هذا ليس نص الحوار لكن هذا معناه رغم ان الذي كان يجري الحوار معه حاول ان يبرر له بأن الجمال موجود في روح الأشياء!
انتظروا مقالي القادم]]
بعد انتهاء مشاهدتي لفيلم الجمال الخفي خطر في ذهني أكثر من سؤال ..هل يحتاج هذا الفيلم إلى فترة إعداد خمس سنوات ؟ وأين هو ذاك الجمال الخفي الموجود وراء ظاهر الأشياء والفيلم لا يحمل بين طياته أية دلالة أو تأويل أو بناء تكويني صعب والذي هو من سمات الفن البصري والتشكيل الفوتوغرافي باعتباره يتناول الصورة الفوتوغرافية كوثيقة والمصور كشاهد ..ولماذا تم اختيار لطيف العاني ونحن نملك عدد كبير من المصورين الفوتغرافين الذين أثروا هذا الفن بعطائهم مثل المصور مراد الداغستاني ( 1917 -1982) الذي استطاع بكاميراته إن يوثق أهم الإحداث التي مر بها العراق وجاسم الزبيدي (1991 -1940 ) الشاهد على عصره إضافة إلى الأسماء الأخرى المهمة مثل أرشاك وحازم باك والحاج أمري سليم .
أظن أنه تم اختيار المصور لطيف العاني لأنه أخر المصورين الإحياء من جيل المؤسسين كشاهد على عصره وهو الذي عاش بين زمنين إضافة إلى التأثير التي تركته صور لطيف العاني في مخيلة المخرج سهيم عمر خليفة عندما كان شابا” ودفعته للسفر لدراسة فن التصوير الفوتوغرافي في بلجيكا لكنه اصطدم بعدم وجود مثل هذه الدراسة التخصصية فاختار دراسة الإخراج التي فيها مقرر دراسي بفن التصوير الفوتوغرافي .
لطيف العاني من كربلاء إلى بغداد
ولد المصور لطيف العاني في كربلاء 1932 وتوفي في بغداد 2021 ومابين بغداد وحتى رحيله الفاني زار اغلب مدن العراق واهم عواصم العالم وتغرب لفترة 40 عاماً عن وطنه ولم يسأله احد في يوماً مالذي أعطته له تلك المدينة الدينية المقدسة عند الشيعة والتي تضم مرقد الإمام الحسين وأخيه العباس وأصحابه الذين استشهدوا في واقعة الطف والتي يستعيدون الشيعة ذكرها كل عام بمظاهر حزينة ، هذه المدينة المغلقة في ظاهرها والمنفتحة على كل جنسيات العالم في داخلها لأنها مزار ديني لكل شيعة العالم وطلاب العلوم الدينية .
لا نعرف بالضبط متى انتقل إلى بغداد وهو صبياً وفي بغداد تعرف على آلة التصوير بتأثير من مصور اسمه نيسان كان لديه محل بالقرب من محل أخيه في شارع المتنبي ومن خلاله ارتبطت علاقته مع كاميرة الفوتغراف والذي يمكن تحدديها عندما اشترى له أخيه الكبير كاميرة كوداك وقدمها له كهدية عام 1947 ، كانت رحلة هواية في البدء لكنها مع مرور الزمن أصبحت احتراف وأصبحت الصور وسيلة له في كسب الشهرة والتجوال بين عواصم العالم وهو ينقل للعالم أهم معالم العراق الحديث وإحداثه وتاريخه الحضاري الموغل في القدم .
تكريم مستحق بأهداف استشراقية !
عرض الراحل أعماله ضمن الجناح العراقي في “بينالي فينسيا السادس والخمسين”، وحصل على جائزة “الأمير كلاوس” التي قالت لجنة التحكيم في بيان تحكيمها إن “تكريم لطيف العاني يرجع إلى إبداعه، وإنشائه أرشيفا استثنائيا من صور فوتوغرافية تاريخية فريدة للمجتمع العراقي، وأن أعماله توثّق تاريخ العراق، بلدا حديثا، ثريا وساعيا إلى المستقبل، قبل أن يحل عليه الخراب بسبب الحروب، كما أن تكريمه يرجع إلى دوره الريادي في تطوير الفوتوغرافيا التوثيقية في العراق”.
النظرة الاستشراقية الاستعمارية لم تزل قائمة في أذهان وعقل وأفعال الغرب رغم إننا دخلنا الألفية الثانية ، هم يكرمونه لأنه استطاع إن يوثق تاريخ وجودهم في العراق قبل إن تكنسهم ثورة 1958 وتطرد الاستعمار خارج البلاد ولم ينظروا للتطورات الهائلة التي شهدها العراق بعد هذا التاريخ على المستوى الاجتماعي أو الاقتصادي والتربوي والصحي أو الثقافي بل ينظرون إلى خصخصة المجتمع التي كانت سائدة آنذاك من خلال النخبة التي كانت تعيش على فتات موائدهم وثقافتهم وعلومهم ومعارفهم ولم ينظرون إلى الفقر الذي كان ينشر جناحيه على غالبية الشعب العراقي ولا على الجهل والأمية المتفشية في البلاد (كانت نسبة المتعلمين لم
تتجاوز تسعة بالمائة ) ولا على الظروف الصحية التي كان يعاني منها المواطن العراقي والتاريخ توقف عندهم عند تلك اللحظة الفاصلة من صبيحة نهار 14 تموز 1958.
رغم إن الفنان لطيف العاني صور مئات الصور بعد هذا التاريخ توثق مراحل مهمة من تطور الإنسان والبلاد لكن هذه الصور لا يبدو أنها مرغوبة عندهم لأنها تعكس الوجه الحقيقي للفرد العراقي الجديد والطفرة التي حققها بعد إن تحرر من الأمية والجهل والفقر وسيطرة الإقطاع والرأسمالية ومسك مقدراته بيده رغم إن الظروف السياسية المتقلبة التي كان يعيشها آنذاك هي من صنيعة الدول الأجنبية التي كانت تغذي كل إشكال الصراع في العراق حتى يبقى متخلفا” غير قادر إن يأخذ دوره الريادي في المنطقة والعالم .
قد يكون هذا الموضوع هو مدخلنا لفيلم ( العراق الجمال الخفي ) الذي خرجنا من الفيلم دون إن نكحل عيوننا به .
سيناريو مشتت
فكرة فيلم جمال العراق الخفي رائعة وغير مطروقة من قبل لكن نجاحها كان يعتمد على كم الإبداع القادر على استغلالها وتطويرها وعلى النوايا الطيبة التي يحملها فريق الإنتاج والإخراج في تجسيدها .
من بين 2000 صورة تم اختيار 200 صورة فقط لتكون مادة الفيلم الأساسية والتي بني عليها سيناريو الفيلم ، هذه النصوص المرئية كان قد صورها الفنان الفوتوغرافي الراحل قبل سنوات بعيدة وبالتحديد قبل ثورة 1958 سوف نلاحظ هذه القصدية في الاختيار توضح أهداف الفيلم تدريجيا” عندما تكون هذه الصور مادة للمقارنة بين الماضي والحاضر ! ماضي يريده الغرب الاستعماري يبقى هو القياس والمرجع
رغم أن ليفي شتراوس وكثير من مدارس الفكر الحديثة ينظرون إلى بلدان أسيا وإفريقيا على أنها مجتمعات حضارية متكاملة بمفهومها الإنساني لكن البعض من الذين تأثروا بالفكر الاستعماري والذين يترحمون على أيام الاستعمار لا ينظرون ابعد من أنوفهم .
صور الماضي الزاهية كما يتصورنها ويريدونها مقابل الحاضر المدمر الخرب الذي تم اختياره بقصديه ، هذه فكرة الفيلم والشاهد على ذلك حاضر ، وكل الذي يحتاجونه من لطيف العاني إن يدلي بشهادته وبالتالي يمنح رؤيتهم المصداقية .
رجل متعب أنهكه المرض
رجل أنهكه المرض ، يتجول بين خرائب ودمار اختارها له فريق الإنتاج والمخرج ليقف بين إطلال الحاضر وصور الماضي التي التقطها بكل حواسه وإمكانياته الفنية يتحسر ويتألم ويتوجع على الماضي (نستولوجيا) وكان في بعض الأحيان يتمرد لأن أهداف الفيلم صارت واضحة ” أمامه ولو متأخرا”، لكنه يحاول إن يحرف الدفة نحو شواطئه ويقول لهم وهو يسير في شارع خرب ومدمر في الموصل ليس بالنص الحرفي لأني لم أحفظه لكن معناه أظن إننا سوف لن نقدم فيلم عن جمال العراق الخفي !.
اشتغال المخرج
لم يبذل فريق الإخراج جهداً كبيراً في خلق معادل موضوعي جمالي وهو يتعامل مع نص بصري للفنان ، كان يضع الصورة وبشكل غير فني في بعض الأحيان على الحائط وبطباعة تجارية ويبدأ الحديث عن زمنها والجو الذي يحيط بها حوارات يقودها مخرج العمل سهيم عمر خليفة علماً إن للعمل مخرجين الثاني بلجيكي وهو الذي حضر إلى بغداد وقدم الفيلم في المركز الثقافي .
لا أظن سهيم محاور جيد لأنه لم يتمكن من كشف كثير من الخفايا الإبداعية التي تحيط بلحظة التصوير وكان يشتغل على هدف واضح في حواراته مقارنة الماضي بالحاضر الذي هو اختاره ووضع ضيف الفيلم داخله من دون مئات الصور وعشرات الموقف حتى يثبت وجهة نظره وإذا أردنا تخفيفها فسوف نقول هي وجهة نظر تؤكد الحنين إلى الماضي لكن إي ماضي ! لم يكن الستينات ولا السبعينات الذي عاش العراقي فيه بزهو وكان يحلم بمستقبل واعد قبل إن تأخذه المؤامرات الدولية بعيداً مع أحلام العسكر وبعض القوميين المتعصبين ليخوض العراق حروباً مدمرة وشرسة فقد فيها الكثير من أبنائه وتعطلت فيه حركة التطور والبناء والنمو والازدهار وصولاً إلى تنمر التيار السلفي وتموضعه في أهم مدن العراق ليعيث فيها خراباً وقتلاً ودمار والباحث السياسي سوف يجد أن يد الغرب طويلة في دعم هذا التيار المنحرف من أجل خلق الفوضى الخلاقة .
حوارات طويلة تسجلها الكاميرا فيها كل العفوية والصدق ، يتكلم العاني بكل حرية وبدون قيود لأنه يعرف انه الشاهد الأخير على زمنين .
حركات الكاميرا واضحة تسجل مايجري إمامها وتوثق تارة بلقطات طويلة وبعيدة وتارة (بتراك) حركة الكاميرا تكون مصاحبة للضيف ترصد الضيف والمكان وليس هناك جهد إخراجي كبير لتنتهي مع انتهاء الحوار أو التعليق ، هي تعطينا عفوية وإحساس بالواقعية لكن نحن مع فنان كبير والفيلم يجب إن يميل للتكوينات القوية والمونتاج السريع والمتسارع مع ضبط إيقاع اللقطات لكن نجد كل شيء في هذا الفيلم يميل إلى الإطالة والكسل والمونتاج عملية ربط بين اللقطات بطريقة حرفية وليس فنية فيها خلق وإبداع لأن فريق الإخراج لم يعطي المونتير تنوع في الزوايا ولم يشتغل على تفاصيل اللقطة ، واللقطة المشهد بشكل ديناميكي وبتكوينات قويه بل يميل إلى حركة استعراضية مرافقة لضيف الفيلم إمامي أو جانبيه أو في بعض الأحيان تتأخر الكاميرا عن الضيف فتحاول مرافقته بجهد وانتباهه من المصور الذي تحمل عبئه الفيلم وكانت حوارات لطيف العاني الحاضرة والتلقائية هي سيدة الموقف وهي التي أنقذت الفيلم بما فيها من تلقائية وعفوية وصدق وبساطة رغم أنها أجهدت الفنان وهو يصارع المرض الذي استفحل على جسده .
في أحيان كثيرة تكون الكاميرة في المكان والزمان المطلوب لكن ليس بمستوى طموح صناعة فيلم فني كبير بل بمستوى صناعة فيلم يحمل هم توثيق لحظة ذات منطوق سياسي وبالصورة التي يحاول الغرب إن يرسمها عن العراق ومنذ اللقطات الأولى للفيلم عندما يكون لطيف العاني يحمض بعض الصور في غرفة النكتف ومن ثم إلى مجموعة لقطات خارجية لكلاب سائبة ، شوارع مدمرة خربة فيها كل بؤس العالم وقهره ومن ثم نقلة مونتاجية إلى معرض باريس هذه المقدمة توضح بدون رتوش أهداف الفيلم والنظرة القاصرة التي ينظر إليها الغرب لعراق اليوم .
عندما تضيع فرصة العمر !
الفيلم دخل بالتاريخ وكان يريد ان يؤشر لمحطات سياسية مر فيها البلد من خلال صوت المعلق الذي كان يعلق على بعض الإحداث التاريخية السياسية لكن كاتب التعليق والباحث لم يوفقوا وارتكبوا بعض الأخطاء القاتلة منها أن الزعيم عبد
الكريم قتل إثناء قصف وزارة الدفاع ودفن تحت الأنقاض !.
كان يمكن إن يستعينون بباحث تاريخ عراقي بجانب الباحث الغربي لأنه اعرف بتاريخه وأكثر اطلاعا” .
وفي نهاية الفيلم لاحت فرصة لم تعوض لو تم استغلالها وتوظيفها بشكل جميل عندما يقف لطيف العاني يصور أطفال الاهوار وبيده كاميرا وكانت هي أخر مرة في حياته يمسك الكاميرا ويلتقط صورة ، تصورت سوف يقوم المخرج بعرض الصور الذي التقطها لطيف لنا في تلك اللحظات كأجمل خاتمة لفنان فوتوغرافي قضى أكثر من سبعين عاماً وهو يحتضن آلة التصوير ويتنقل فيها بين أرياف وقرى ومدن العراق ويصورها لكن المخرج لم يظهر هذه الصور، ولا أعرف هل تم تنفيذ رغبة وأمنية الرجل وأولاده الذين صورهم العاني بأن يحصلون على نسخ من الصور وهم الذين وفروا لهم مكان للتصوير واستنفذوا بعض من جهده ووقته واشغلوا صغاره بالقادمين من خارج العراق حتى يكونون في حالة استعداد للتصوير إمام الكاميرا الفوتوغرافية وإمام الكاميرا السينمائية !.