تفاقم الأزمة السياسية لم ينته.. واصحاب السلطة مستمرون بسرقة العراق
عصام الياسري
في العراق وعلى الرغم من انتصار عنصر المساومة الذي تمارسه الأحزاب الطائفية التوافقية على المبدأ، لاتزال الأزمة الاقتصادية ومشاكلها القديمة والجديدة تتفاقم، ويتكشف زيف الادعاء “بإنهاء مشكلة االمحاصصة وإعادة الأمور الى نصابها وبناء البنية التحتية التي خربتها الحروب المنظمة وفساد ما بعد الاحتلال . وانكشف أمر الطبقات السياسية وادعاءاتها الكاذبة بمنح المجتمع العراقي فرص عيش أفضل، مادية ومعنوية ومعيشية، وبلغت الصفقات السياسية والاقتصادية السرية بين اطراف منظومة الاتلاف الحكومي (الشيعية والسنية والكردية) الذي تكلل نفاقها السياسي مؤخرا بتشكيل الحكومة التوافقية، بسبب أخطاء الصدر وضيق افقه السياسي من جهة، وتأثير الاطراف الخارجية، امريكا وايران وتركيا الى جانب الشركات ومؤسسات “الاحتكار” الاجنبية العملاقة القريبة منها للحيلولة دون حدوث أي تغيير سياسي ملموس وعزل المنظومة المتسلطة عن إدارة الدولة. وتؤكد التقارير الدولية على ان النفط لازال يتدفق دون عدادات ومن دون حساب أو مراقبة أو إشراف وطني عراقي، وتجري محاولات خارجية لفرض إمداد اوروبا بالنفط من دون توفير الشروط اللازمة لضمان مصالح العراق.
وتشتد أزمة البطالة لتصل إلى معدلات مرعبة ينتشر معها الخراب الاجتماعي والأخلاقي، وتتدهور الخدمات العامة بشكل لا تجده حتى في البلدان المتخلفة والفقيرة. وتتشوه الحياة العمرانية والمدنية في كل المدن العراقية، ويدخل الريف مشاكل تقنية وإنمائية وفنية ومادية لا حصر لها تقود نحو المجهول. وتكبر ظاهرة الفساد الإداري والمالي الذي تمارسه جهات حزبية وسياسية وحكومية يدعمها أطراف خارجية، وأصبحت المشاركة الجماعية لأصحاب النفوذ الجدد في عمليات النهب المنظم لممتلكات الدولة ومؤسساتها، ظاهرة شائعة تجري بمقاييس وأساليب مروعة.
إن شعار”الحرية والديمقراطية” الذي تدعيه الأحزاب الطائفية لتسويقه خارجيا، لا يمكن أن يؤسس قطعاً تحت حراب ومظلة الضغوط الخارجية، وهو شعارات لا تنسجم مع طبيعة وأهداف من جاء بهم المحتل. لذلك ظل نظام المحاصصة التوافقي يتخبط بإجراءاته منذ ساعة تنصيب غارنر وبريمر، وتعيين ما يسمى بمجلس الحكم الانتقالي ومن ثم تشكيل الحكومة المؤقتة، انتهاءً بالانتخابات الشكلية، التي لم تتوفر فيها شروط الحد الأدنى ـ السياسية والقانونية والفنية والأمنية. فيما تم إقصاء شرائح أساسية من مكونات المجتمع العراقي وتجميد الخطوات الضرورية لتفعيل العمل السياسي الوطني واستبداله بمصطلح (العملية السياسية) التي يديرها بكل تفاصيلها منظومات أجنبية، بما يتماشى ومصالحها وبمساعدة أطراف سياسية عراقية عديدة، بما فيهم من شارك وعمل مع ما سمى (مجالس الحكم). الأمر الذي جعلنا لا نعتقد أو نتوهم بان “حل الانتخابات” هو الوحيد الذي من شأنه حل كل المشاكل التي يمر بها وطننا وشعبنا، ونعلم بأنها حلقة تدور في فلك (الأحزاب الطائفية) بكل أنواعها لتجميل نشاطها الاستبدادي المحموم وتحسين صورة وجودها، أو إضفاء شرعية مزعومة على عملها.
اليوم وبعد مرور صفقة تشكيل الحكومة العتيدة نتساءل: ما هو موقف القوى السياسية التي أرادت من تشكيلها وسيلة لجني ثمار ما تركه الصدر لها، بأنها ستقوم بالإيفاء بوعودها ومنها، القضاء على الفساد ومحاسبة قتلة المتظاهرين واسترداد أموال الدولة وممتلكاتها، أو إصلاح النظام السياسي وتحقيق الاستقلال الوطني وبسط السيادة على كامل تراب الوطن؟.
فالسلطة الطائفية السياسية في أشكالها الفجة والمقيتة، لا زالت تكرس نظام توزيع الغنائم والامتيازات والعقود والصفقات السرية التجارية والاقتصادية فيما بينها. وتتخذ الحركة السياسية الكردية موقفاً انعزالياً شوفينياً ضيقاً، وهي لا تجد نفسها ملزمة لاتخاذ موقف يتعارض مع طبيعة النظام التوافقي والحد من معاناة المجتمع العراقي برمته، كما أنها غير معنية بالدفاع عن سيادة العراق وتحقيق استقلاله، بل وصل الأمر بها حد استغلال الظروف الصعبة التي يمر بها العراق وشعبه لفرض شروطها الاستراتيجية والتكتيكية والذاتية، مستظلة بغطاء أجنبي، وهذه نظرة قاصرة وغير موضوعية ستؤذي الشعب العراقي وتلحق الأضرار بمصالحه، بما فيها مصالح الأكراد… إن المشاكل القومية بحاجة إلى حوار وطني موضوعي هادئ، بعيداً عن الابتزاز والتعصب الشوفيني، وفرض الحلول الأحادية. إنها بحاجة إلى تقديم مبدأ الحلول الوطنية العامة على الحلول الوقتية والصفقات السرية التي لا تدوم كونها غير شرعية وخالية من مستلزماتها الموضوعية، وعلي الحركة السياسية الكردية تقع مسؤولية الابتعاد عن المجاملات المفتعلة والتمادي في فرض سياسة الأمر الواقع، وأن لا تسير نحو المنزلق الخطير الذي يبدد أحلام الجميع.
إذن لا حرية في ظل الانتهازية والنفاق السياسي وغياب القانون المدني ومؤسسات الدولة المستقلة، ولا أمن واستقرار، ولا حريات عامة وحريات شخصية في ظل (قوانين الميليشيات والعصابات المسلحة) التي تتقاسم البلاد من شمال العراق إلى جنوبه، وتتدخل في حياة الناس وشؤونهم. وللأسف أن الحركة الوطنية العراقية لم تستطع حتى اللحظة من طرح برامجها وشعاراتها بوضوح، لمواجهة أحزاب السلطة وإرهاب ميليشياتها المنظمة لإنجاز مهمة تحقيق “دولة المواطنة” وصولاً إلى إنهاء التدخل الأجنبي وتحقيق الاستقلال الوطني والأمن والاستقرار السياسي…
إن الحاجة إلى تأسيس عمل وطني يطرح المهمات الملحة ويقود العمل الجماهيري الواسع والمتنوع ميدانياً، وتأسيس منظومة مفاهيم وطنية وقانونية وحقوقية جديدة، تعتمد الثوابت الوطنية أساساً في التعامل، وتستوعب التطورات الاجتماعية والسياسية الداخلية والعالمية، وتتجاوز أخطاء الماضي وفق منهج ومفاهيم ديمقراطية متطورة تأسس لحياة ومستقبل أفضل، أصبح ضرورة ملحة… إننا بحاجة إلى وعي وطني جديد يدرك المخاطر والمتغيرات، كما أننا بحاجة إلى صحوة تقود إلى مستوى المسؤولية وعلى الشعب أن ينهض كي يتخلص من عقدة التعامل مع قضاياه الوطنية بشكل سلبي… وعلى الحركة الوطنية في هذه الفترة الحرجة من تاريخنا الوطني المعاصر بذل الجهود، وعدم الركض وراء خداع الناس وإيهامهم بوعود وشعارات زائفة.