تُقاس مؤشرات السلام بثلاث مستويات أساسية، أولها – الأمن والأمان على المستوى المجتمعي؛ وثانيها – مستوى النزاعات وبؤر التوتّر؛ وثالثها – درجة العسكرة، ويستخدم معهد الاقتصاد والسلام في أستراليا 23 مؤشرًا نوعيًا لتصنيف البلدان وفقًا لذلك.
وعلى الرغم من درء قيام حرب عالمية ثالثة، إلّا أن اندلاع صراعات مسلحّة وحروب إقليمية ونزاعات أهلية ما يزال ظاهرة سائدة في العديد من مناطق العالم في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللّاتينية، فضلًا عن أوروبا، خصوصًا في الحرب الروسية الأوكرانية (شباط / فبراير 2022)، وكذلك في المنطقة العربية التي تُعدّ من المناطق الشديدة السخونة، حيث شهدت ظروفًا استثنائيةً تتطلّب معالجات استثنائية لتحقيق السلام.
لم يعد كافيًا الجهود المبذولة على أهميتها لإطفاء بؤر التوتر، بل يحتاج الأمر إلى مبادرات مدنية شعبية أيضًا لتعضيد المساعي الرسمية. وقد شهدت جامعة الدول العربية وبرعاية الأمين العام أحمد أبو الغيط حدثًا تاريخيًا ربما غير مسبوق على هذا الصعيد، وهو احتضان الاجتماع التأسيسي لمجموعة السلام العربي. وهي كما جاء في تعريف نفسها في نظامها الأساسي: مجموعة مستقلّة تسعى ” لنشر ثقافة السلام والقيام بمهمات وساطة نزيهة بين الأطراف العربية المتنازعة وعبر الحوار وصولاً إلى تسويات سلمية وتفاهمات سياسية من خلال مقترحات ومبادرات تكون متممةً ومكملّةً وداعمةً لدور الجهات الرسمية للقيام بواجبها السياسي والقانوني والأخلاقي والإنساني”. والاجتماع في مقر الجامعة يعتبر رسالة تطمين إلى الدول العربية جميعها، بأن المجموعة التي تضم شخصيات وازنة سياسية وفكرية وأكاديمية ليست جزءًا من محور ضدّ آخر أو منحازة مع طرف ضدّ طرف آخر، بل هدفها مدّ الجسور مع الجميع لتحقيق السلام.
وقد أكّدت التجربة التاريخية أن البلدان العربية كلّما اقتربت من بعضها وتعاونت فيما بينها حققت نجاحات على طريق التقدم والتنمية، والعكس صحيح فإنها كلّما تباعدت واحتربت كانت النتائج سلبية على الجميع؛ ومثل هذا الأمر يحتاج إلى تفكّر وتدبّر، مثلما يتطلّب حوارًا معرفيًا ثقافيًا فيما بينها يراعي المصالح المشتركة والمنافع المتبادلة، وبقدر ما يمكن للحكومات أن تقوم بهذا الدور فإن المنظمات غير الحكومية يمكن أن تكون رديفًا وداعمًا لهذا التوجّه.
وتؤكد التجربة أيضًا الحاجة إلى أصوات عربية عقلانية مستقلة تكون شريكة ومتممة وراصدة للعمل الرسمي المشترك وعاملًا مساعدًا في توفير الأرضية المناسبة لنجاحه كقوّة اقتراح، ليس لتحقيق السلام الذي هو ضرورة لا غنى عنها للتنمية فحسب، بل لمواجهة التحديات والأطماع الخارجية أيضًا.
وبقدر ما يكون السلام هدفًا فهو وسيلة أيضًا، ووجود مؤسسات غير حكومية تعمل على تحقيقه يكتسب أهمية بالغة لخلق التوازن بين العمل الحكومي والعمل غير الحكومي التي تستوجبها عملية بناء السلام وإدامته على الصعيدين الفكري والعملي وارتباطًا بالواقع والظروف والقوى المشاركة فيه، وهو أمر يتطلّب خلق ثقافة ووعي عربيين لدعم السلام والحيلولة دون انفجار النزاعات واندلاع الحروب، وذلك جزء ممّا نطلق عليه الدبلوماسية الشعبية الموازية للدبلوماسية الرسمية، سواء على صعيد كل بلد عربي أو على صعيد العمل العربي المشترك تبدأ بالحوار والتفاهم وصولًا إلى المصالحة وبناء السلام والحفاظ عليه. “وإذا كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام” حسب دستور اليونيسكو، وصدق من قال أن 100 عام حوار خير من ساعة قتال.
ولنشر ثقافة السلام والترويج لها يحتاج الأمر إلى دبلوماسية وقائية يمكنها استخدام وسائل الإعلام، إضافة إلى التربية والتعليم بما يؤدي إلى إعلاء قيم العيش المشترك والمواطنة المتكافئة والاعتراف بالآخر والحق في الاختلاف والتسامح ونبذ الكراهية والتعصّب والتطرّف والغلوّ. وهناك ثمّة عقبات وعراقيل وتحديات بالضدّ من ذلك بسبب تصارع أيديولوجيات وتضارب مصالح واختلاف رؤى وتداخل عناصر خارجية.
ولعلّ مفتاح الوصول إلى السلام لا يتمّ إلّا بالحوار، ولا بديل عن الحوار إلّا الحوار، لأن عكسه سيؤدي إلى الصدام واستمرار الصراع والاحتراب، مثلما ستكون الحرب بالضدّ من السلام، ذلك أن التشبّع بثقافة السلام والحرص على تحقيق أهدافه يرتبط بعلاقة الغاية بالوسيلة، فلا غاية شريفة دون وسيلة شريفة، ولا يمكن تطبيق أهداف عادلة بوسائل خسيسة، والوسيلة إلى الغاية مثل البذرة إلى الشجرة كما يقول المهاتما غاندي رائد المقاومة السلمية اللّاعنفية، وشرف الغاية من شرف الوسيلة، مثلما شرف الوسيلة ينبغي أن يكون من شرف الغاية.
وتأسس مجلس السلم العالمي في العام 1950، وأعلن مهمته قيادة حركة الشعوب للدفاع عن السلام والأمن ومناهضة اندلاع حروب جديدة، وذلك بعد المآسي التي شهدتها البشرية في الحرب العالمية الثانية، وتشكّلت منظمات إقليمية تصبّ في ذات الأهداف العامة بعد مؤتمر باندونغ لحركة عدم الانحياز في العام 1955 ومنها منظمة التضامن الأفروآسيوي في القاهرة العام 1957 وغيرها. ويمكن إعتبار مجموعة السلام العربي امتدادًا لهذا التوجّه كمنظمة إقليمية، وهو ما عكسه الاعتراف القانوني الرسمي بها وفقًا لقانون الجمعيات الأردني رقم 51 لعام 2008 وتعديلاته.