الإسلاميّون وعمائمهم علّموني الوطنية والنزاهة والأخلاق..!!
زكي رضا
لا أظنّ أنّ العنوان غريب أو بعيد عن الحقيقة مطلقا، على الأقل بالنسبة لي شخصيا. كوني تعلّمت من الإسلاميين وعمائمهم ، الوطنيّة والنزاهة والأخلاق كما لم أتعلمها من غيرهم قبلها بهذا الوضوح قَط، اللهمّ الّا من البعثيين الذين هم كما الإسلاميون أيضا علّموني وجماهير واسعة من العراقيين الكثير من الوطنية والنزاهة والأخلاق، كلا حسب رؤيته لها وهم على رأس السلطة بالعراق لعقود.
كمدخل للمقالة أعود الى الشاعر والمتصوّف الفارسي سعدي الشيرازي أحد أبرز الشعراء الكلاسيكيين في القرون الوسطى، وتحديدا الى ديوانه “گلستان” أي الروضة أو الحديقة والذي هو بالحقيقة مجموعة من الحكم والمواعظ مزج فيها الشاعر الشعر بالنثر بلغة فارسية رقيقة فيها الكثير من العربية. ومن أشهر حكمه في ديوانه هذا والذي تتناقله الأجيال لليوم هو ما نظّمه عن لسان لقمان الحكيم الذي ورد ذكره في القرآن، إذ كتب قائلا: “قيلَ للقمان: ممّن تعلمت الأدب؟ فقال: ممّن لا أدب لهم، فأجتنبت كلّ ما أستهجنته منهم”(1)
اليوم والاسلاميون على رأس السلطة فأنني تعلّمت منهم النزاهة، فأجتنبت الفساد الذي يمارسونه. تعلّمت منهم الأمانة، فأجتنبت السرقة التي يجيدونها ببراعة. تعلّمت منهم حبّ العلم، بعدما رأيت منهم عشق لا مثيل له للجهل والتخلّف. تعلّمت منهم الحكمة، بعد نشرهم الحُمق في المجتمع. تعلّمت منهم حبّ الأطفال، بعدما رأيت الآلاف منهم بلا مستقبل في ظلّ حكمهم الذي هو حكم الله والنبي والأئمّة الأطهار من آل بيته كما يدّعون. تعلّمت منهم أحترام المرأة، بعد أن أصبحت في عهدهم عورة وتباع في سوق نخاسة الدين متعة. تعلّمت منهم عشقي لدجلة وفيضانها، بعد أن أصبحت عهدهم مجرى صغير لا حياة فيه. تعلّمت منهم حبّي للعمران، بعد أن حولّوا البلاد الى خرائب تنعق فيها غربان طائفيتهم اللعينة. تعلّمت منهم عشقي للمزارع والحقول، وأنا أرى الأرض في عهدهم تموت عطشا والفلّاح جوعا. أحببت هدير الآلات وضجيج المكائن في المعامل والمصانع، بعد أن صمتت وبيعت خردة لدول الجوار في عهدهم الكارثي. أحببت الصحّة والناس الأصحّاء، بعد أن حولّوا المستشفيات الى مسالخ بشريّة ذبائحها أجساد الفقراء. الفقر ذُل وباب للرذيلة فكرهته، لشيوعه عهدهم وهم يجملّونه عن طريق الدين كباب واسع للجنّة. علّموني عشق بغداد أكثر من أي وقت مضى، بعدما شاهدت حقدهم الهمجي عليها. في عهدهم كرهت الموت ليس خوفا، بل لأنّهم يقدّسون الموتى وأنا أكره التقديس. كرهت العربات التي يجرّها العتّالون في الأسواق والطرقات، بعد أن أصبح خريجو الجامعات في عهدهم عتّالين . بتّ أعشق كلّ الألوان، الّا لونهم الأسود كما لون قلوبهم وأفكارهم. في عهدهم عشقت العراق أكثر، بعدما رأيت خيانتهم له جهارا نهارا. لهذا فأنا شخصيّا، تعلّمت الأدب والوطنيّة والنزاهة والأخلاق منهم وقبلهم من البعثيين.
يروى أنّ عصابة من اللصوص أغارت على قافلة كان فيها لقمان الحكيم، فنُهِبَت. فقيل له: الا تلقي سيدي كلمات من الحكمة والموعظة على اللصوص عسى أن نستردّ شيء ممّا نُهِب، فقال: ويا حسرة لكلمة حكيمة تُلقى على أمثال هؤلاء. “إنّ الحديد متى أودى به صدأ فليس بالصقل تبدو منه آثار … لا يدخل الوعظ قلبا مظلما أبدا ولا يغوص بقلب الصخر مسمار” (2)
عصابات المؤمنين بالله اليوم وهي تنهب قافلة العراق لا تفيد معهم كلمات الحكمة ولا التظاهرات والتجمعات الموسمية والمطلبية، فمعدنهم صدأ وقلوبهم كما افكارهم سوداء ومظلمة كظلمة اللحد. ولا حلّ لأنقاذ البلاد والعباد من جرائمهم الّا من خلال إنتفاضة مستمرّة وعصيان مدني يستمر حتى قبرهم غير مأسوف عليهم في أقرب مزبلة للتاريخ.
الإنتفاضة في بلادنا الميتّة سريريا فعل ثوري عليه أن يستمر حتى تحقيق أهدافه بعودة البلاد للحياة ثانية، وليس طقس أو مناسبة نحتفل بها سنويا.. فلنعي ذلك