لم يلتفت أحد الى إستخدام الولايات المتحدة الأمريكية اليورانيوم المنضّب في تصنيع الذخائر التي قصفت بها الجنوب العراقي في الناصرية والسماوة والفلوجة وعلى الأخص مدينة البصرة منذ العام 1991 حتّى العام 2003 ، لا من المنظمات الدولية ولا من قبل الأقطاب الرئيسية للمعارضة العراقية التي كانت ولازالت تسير وفق المخططات الأمريكية، بل على العكس فأنّ بيل كلينتون ومادلين اولبرايت قالا في تعليقهما على قصف العراق بالأسلحة المحرمة دوليا وعلى الرغم من سقوط مئات الالاف من القتلى والتشوهات التي طالت وتطال مئات الالاف من الأطفال من أن الامر أي قصف العراق يستحق ذلك، في الوقت الذي كان فيه من يمتلك القرار السياسي ببغداد يشجع امريكا على هذا الأمر!! وقد تمّ الإلتفات الى خطورة هذه الذخائر في حرب البلقان، بعد تعرض جنود من حلف الناتو لآثار هذه القنابل التي إستخدمتها الولايات المتحدة في تلك الحرب، والتي علاوة على قتل البشر وتدمير الآليات المصفحّة والدبابات فأنّ هذه المادّة تترك آثارا شديدة الخطورة على التربة والمياه الجوفية ما يؤثر على الإنتاج الحيواني والزراعي في المناطق الملوثّة ولعقود طويلة.
كانت ” الامانة العامة في مجلس الوزراء في 2018 شكلت فريقا وطنيا وتم تشخيص وجود 23 موقعا ملوثاً في محافظة البصرة”، وأنّه وكما قالت “تم اجراء مسح شعاعي في البصرة وفحص 86 كيلومترا مربعا والعثور على 400 ألف متر مربع ملوثة باليورانيوم والاشعاع النووي وبدأ الفريق بتنظيف هذه الاماكن”!! هذه التصريحات غاية في الخطورة رغم معرفتنا بها دون الأرقام التي ذكرها مجلس الوزراء، الا إننا نقف منبهرين أمام إمكانية العراق بطي صفحة التلوث الإشعاعي كما أعلن جاسم الفلاحي الذي اعلن أواخر كانون أوّل / ديسمبر 2021 ” انتهاء صفحة التلوث الإشعاعي في البصرة، واصبحت خالية من التلوث” أقول منبهرين ، كون السلطات الأمريكية كشفت يوم أمس 16/10/2022 عن ” تلوث إشعاعي كبير في مدرسة ابتدائية في ضواحي مدينة سانت لويس بولاية ميزوري الأمريكية حيث تم إنتاج أسلحة نووية خلال الحرب العالمية الثانية، وفقًا لتقرير جديد صادر عن مستشاري التحقيق البيئي”، و ” تقع المدرسة في سهل الفيضي لخور كولد ووتر، التي تلوثت بالنفايات النووية من إنتاج الأسلحة خلال الحرب العالمية الثانية” ، وعلى الرغم من أنّ سلاح المهندسين الأمريكي يقوم بتنظيف الخور منذ أكثر من 20 عاما وبأحدث الأجهزة وتحت أنظار أفضل الخبراء، الا أن ” مستويات النظائر المشعة مثل الرصاص 210 والبولونيوم والراديوم والسموم الأخرى كانت “أكثر بكثير” مما توقعته شركة بوسطن كيمكال”. السؤال هو كيف تمكّن العراق بضحالة إمكانياته وفساد قادته وأمّية هيئاته العلمية وضعف تقنياته من تنظيف المنطقة من التلوّث الإشعاعي، ولم تستطع الولايات المتحدة بكل التقنيات التي تمتلكها من الحذو حذو العراق في تنظيف مدرسة من التلوث الإشعاعي بعد 20 عاما من بدأها مشروعها في تنظيف المكان!!؟
الإطار التنسيقي الشيعي ممثلا برئيس وزراءه الجديد السيد السوداني أكّد في لقاء له بالسفيرة الأمريكية ببغداد السيدة ألينا رومانوسكي على ” رغبة العراق في ترسيخ علاقة شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة من خلال تعزيز العمل على اتفاقية الإطار الاستراتيجي في جوانبها المختلفة الاقتصادية والتعليمية والثقافية والسياسية وقضايا مواجهة آثار التغير المناخي، فضلا عن التعاون الأمني في مجال تقديم الدعم والمشورة لتمكين القوات الأمنية العراقية”. الجانب التعلمي والثقافي هما جزء من إتفاقية الإطار الإستراتيجي بين أمريكا والإطار الشيعي تحت أي مسمى كان، ولكن هذا لم يمنع من إنهيار التعليم وحقل الثقافة بالعراق الإسلامي. كما لم يكن فاعلا في بناء نظام أقتصادي متطور أو يسير بخطى محسوبة نحو التطور وإن ببطأ، أمّا حول التغير المناخي وضرورة مساهمة العراق غير الصناعي وغير الزراعي فيه، فأنّ ما لا يعرفه الأطاريون والمتحاصصون أو يعرفونه ويغمضون عيونهم عنه هو أنّ الولايت المتحدة الأمريكية رفضت مشروع الأتفاق المطروح على مؤتمر المناخ في كوبنهاغن سنة 2009 ، كما انسحبت من مؤتمر باريس للمناخ سنة 2015 !!
السفيرة الأمريكية في تغريدة لها لم تشارك السيد السوداني في تصريحاته الا في مسألة المناخ، رغم أنّ بلادها مسؤولة عن التلوث الأشعاعي بالبلاد. وكتبت على حسابها الشخصي في تويتر، أنّ ” التقدم في تحقيق المصالح المشتركة بين أمريكا والعراق، مهم للعراقيين”. وأشارت في تغريدتها إلى أهمية وجود “عراق يحارب الفساد ويخلق فرص العمل، وعراق مستقر من خلال مؤسسات أمنية حكومية قوية وخالٍ من داعش، وعراق مرن للتعامل مع التغير المناخي”!!
عراق خال من الفساد أيها السفيرة، وبالأمس فقط وكنزر يسير من الفساد الذي جاء على ظهر دباباتكم تمت سرقة 2.5 مليار دولار من قبل حيتان الفساد!! إيجاد فرص عمل، والبطالة تزداد نسبتها بأستمرار وتطال حتى خريجي الجامعات وتحولهم الى باعة متجولين!! عراق مستقر، والميليشيات تعيث به فسادا والسلاح يباع في اسواق مدينة الثورة علنا وتحت حماية الميليشيات وغياب الدولة!!
العراق اليوم لا سيادة له، حيث المعسكرات التركية تتواجد في أراضيه بشكل علني وتحت مرأى ومسمع السفارة الأمريكية ببغداد والقنصلية الأمريكية في أربيل والتي تطالب بالسيادة من خلال أتفاقية الأطار الأستراتيجي، والقوات الإيرانية كما التركية تقصفان القرى والبلدات والمدن الكردية متى ما أرادوا. فهل اتفاقية الإطار الأستراتيجي قادرة على وقف العدوان التركي الإيراني على الاراضي العراقية!؟
على حكومة الأطار ان تطالب الولايات المتحدة وكبادرة لتحسين ملف المناخ، أن تتحمل مسؤوليتها في تنظيف الجنوب العراقي من آثار اليورانيوم المنضب التي أستخدمتها في حروبها ضد العراق. وحينها فقط تستطيع البدأ بتنفيذ باقي نقاط المشروع، والا فأن بلادنا ستسحق بين أطاري الاطار الشيعي والأطار الأستراتيجي، ونحن بالحقيقة مسحوقون كبلد وشعب.
قالت آشلي بيرنو، رئيسة جمعية الآباء والمعلمين في جانا والتي لديها ابن في المدرسة: “لقد شعرت بالفاجعة… يبدو الأمر مبتذلاً للغاية، لكنه يأخذ أنفاسك منك”. فهل سيشعر قادة الإطار وباقي مثلث الفساد بالفاجعة، وهل الأمر مبتذلا حقّا بنظرهم….!؟