على حافة الرصيف ـ الأوضاع المضطربة وما تركته من أحداث موجعة
عصام الياسري
الأوضاع المضطربة وما تركته من أحداث موجعة منذ تسعة عشر عاما، كانت ولاتزال نتيجة حتمية لغزو القوات الأجنبية يوم 9 نيسان 2003 للعراق واحتلال الولايات المتحدة الأمريكية أراضيه. اليوم ومنذ اندلاع المظاهرات المناهضة لنظام المحاصصة الطائفية والفساد السياسي والإداري في 2011، فإن الصورة باتت واضحة لأوساط واسعة من الذين تفاءلوا بالقدوم الأمريكي. وبمجرد النظر إلى واقع البلاد، فالصورة التي أصبحت عليها حالة الدمار قد طالت الصناعة والزراعة والاقتصاد بالإضافة لمؤسسات الدولة والبنى التحتية برمتها، وانتشر الفقر والتخلف والمجاعة التي يعاني منها المجتمع العراقي برمته، ووصل الحال بالعراق والعراقيين بسبب تصاعد الصراعات الطائفية والعرقية من أجل المكاسِب الفئوية والسلطوية إلى حافة الهاوية.
بسبب كل ذلك، ولأجل التغيير الشامل للنظام السياسي، اندلعت ثورة الشباب في تشرين الأول أكتوبر 2019 في العراق من جديد. شكلت انعطافا سياسيا هاما، تكلل بسقوط الحكومة والاستجابة لبعض مطالب المتظاهرين، كما وكشفت زيف الحكومة وضلوعها في قتل مواطنيها بدم بارد ومنعهم من التظاهر لنيل حقوقهم. والأهم أنها فضحت أولئك الذين يروجون للديمقراطية الزائفة والدفاع عن حقوق الإنسان؟. ومع بدء استخدام الرصاص وسقوط أول متظاهر شاب كشفت عن حجم السخط الذي تكنه الطغمة الحاكمة للمجتمع والإنسان العراقي.
إن الفضاءات السياسية المستقبلية المحتملة، بعد أن تركت أحداث أيلول في المنطقة الخضراء أكثر من خمسين قتيلا وما لا يقل عن 400 جريح من المواطنين الأبرياء، إثر صدامات جندت لها مليشيات أحزاب شيعية متصارعة على السلطة انسحبت على المتظاهرين الذين مارسوا حقا دستوريا. فإن الصورة على ما يبدو أكثر غموضا إذا ما خرج الشباب من جديد لإحياء الذكرى الثالثة لثورة تشرين 2019، وهم أكثر عزما وإصرارا للاحتجاج ضد ظلم النظام والتمرد على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ومن أجل التغيير الشامل لنظام الحكم واستعادة حقوقهم المشروعة بما فيها الحريات العامة التي تكفلها الشرائع والقوانين. ومن المتوقع أن تقوم السلطة بفرض حظر التجول وقطّع الطرق وإقامة الأسلاك الشائكة وإعطاء الأوامر لقوات الأمن والشرطة والجيش لضرب المتظاهرين المسالمين ومنعهم بكل الوسائل من الخروج للشارع. وربما ستمنع الصحافيين ووسائل الإعلام من نقل وتداول الأخبار حول مطالب المحتجين وشعاراتهم في العراق.
الانتفاضة هذه المرة أن قامت، ستصبح ثورة شاملة ومن المؤكد أن تأثيرها سوف يتجاوز المناطق الجنوبية، ولن تكون بمنجى عن تأثيرها عموم المحافظات العراقية. مبشرة بتغيرات عميقة، ستشمل الوضع السياسي لنظام الحكم برمته، إذ سيعاد تشكيله من جديد ولن يبق كما كان عليه قبل تشرين الأول 2019؟ وسترغم الطبقة المتنفذة، التي طالما اعتبرت المجتمع العراقي مجتمعا لم يهتم ولم يبال ما يصنعون به، على إعادة حساباتها مجبرة، وسيرتفع صوت الشعب ضد قادة أحزاب السلطة الطغاة الذين حظوا بمساندة بعض الأطياف الانتهازية بقدر أو بآخر.
لكن ما يثير القلق خطاب القوى والأحزاب خارج السلطة، إذ لازال، لا يرتقي إلى المستوى المطلوب وأحيانا يتسم بازدواجية المعايير. وظل يفتقر إلى التمسك بالثوابت الوطنية والرؤية الموضوعية والشاملة في تحليل الأزمة العامة التي يمر بها البلد ومعالجة الآثار التي أفرزتها التطورات الأخيرة. كما أن بعض هذه القوى لم تقم وزنا للعديد من القضايا المصيرية الحساسة لأسباب سياسية أفقدتها مصداقيتها. وليس هناك ما يدل على أن الحكومة ستبدل موقفها المتعنت وهي مستمرة في صم آذانها لمطالب الشعب. وما زالت تهدد المواطنين وتمنعهم من ممارسة حقهم الدستوري في التظاهر لنيل حقوقهم المشروعة. علما ان حق التعبير ينبغي ان يكون حقا لا نقاش فيه لكل الفئات الاجتماعية والمهنية في كل مكان من أرض العراق الواسعة.