لم يكن الاعتداء الصاروخي التركي في الثاني والعشرين من شهر تموز، هو الأول، وليس الأخير من نوعه، ولم يكن ذكر اسم المعتدي من ناحية الفعل والتوقيت هو الدارج الوحيد بالنسبة لحجم الجريمة، إنسانيا وأخلاقيا وسياسيا ودوليا. فإيران والولايات المتحدة ودول الجوار كما هو حال تركيا تصول وتجول في أرض السواد، وليس هناك على المستوى الوطني والدولي من يواجه هذه الاعتداءات ويضع حدا لها. العراق وشعبه ليس مستباحا فحسب إنما مستهدف بالصميم. تنهب ثرواته وتقطع عنه المياه وتجفف أنهاره ويقتل مواطنوه ولا من حسيب ولا رقيب. والأنكى من هذا، دون تجميل الواقع السياسي “للعملية السياسية” التي يتبجح بقدسيتها أصحاب السلطة ومن خارجها. ليس لدى هذه القوى التي تضع مصالح أحزابها فوق مصالح الوطن والشعب، أي سلطة أو موقف، من أي نوع، لردع أية اعتداء ينتهك سيادة الوطن ومقدراته بسبب ولائها، كلها، لدول خارجية. كما وكانت قد رحبت باحتلال العراق وغزوه ومن ثم القبول بالعملية السياسية المشروخة التي وضع أسسها وحماها المحتل لغاية اليوم في السر والعلن. لذا لم تعد مواقفها في المراحل السابقة وفي المستقبل، ليس إلا التستر على المشهد الدرامي برمته للفصل بين ساعة الحدث، أي حدث، للحد من غضب الجماهير.
الساعة، ما يتوجب قوله وفق مبدأ المصارحة بين الحقيقة والذات: إن من يتحمل مسؤولية هجوم صاروخي مدمر في شمال العراق راح ضحيته عشرات الأبرياء، حكومة أنقرة. لكن بغداد والحكومات المتعاقبة منذ 2003 تقع عليها المسؤولية الأكبر، لأنها سمحت لتركيا بالتموضع بشكل واسع في الأراضي العراقية ولم تطالب بانسحاب الجيش التركي منها منذ ذلك الحين. وبحسب التقارير الإعلامية، سقطت أربعة صواريخ تركية في باراخا، بالقرب من بلدة زاخو، في عملية عسكرية يُزعم أنها استهدفت منظمة حزب العمال الكردستاني السرية. لكنها سقطت داخل “المنتجع”، غير البعيد عن الحدود التركية، ووجهة معروفة للسياح العراقيين الذين يتطلعون إلى الهروب من حرارة الصيف. وكان هجوم عشوائي تعرض له ضحايا من المدنيين أغلبهم من “شباب وأطفال”. إنه مشهد مروع ومفجع حينما تشاهد أم تصرخ في حالة صدمة وهي تسلم طفلتها المتوفية البالغة من العمر سنة واحدة، إلى ضابط شرطة ينقلها بعيدا. الطفلة هي واحدة من ثماني قتلى و 23 جريحا بسبب ذلك الهجوم الوحشي على منتجع سياحي في محافظة دهوك في منطقة الحكم الذاتي شمال العراق. إنه مشهد يتكرر مرارا وتكرارا، أيضا، في العديد من المحافظات العراقية على يد قتلة أو بأشكال إجرامية أخرى. قصف صاروخي، هجوم إرهابي، اعتداء إجرامي ميليشياوي بدافع سياسي، صراعات عشائرية، دون أن تتخذ إجراءات حازمة لردعها. فيما صراع القوى السياسية داخل البرلمان، لا يبدو دردشة بين الأصدقاء “لترطيب” العلاقات، بقدر ما يشكل الحاضر السياسي الأقوى عنفا لتدمير البلد ومواجهة الشعب ومصادرة حقوقه للبقاء في السلطة وتقاسم الغنائم بقوة السلاح.
إنه من غير المؤكد أن الحكومة العراقية وهي حكومة تصريف الأعمال قادرة الآن على اتخاذ إجراءات جريئة للحد من التواجد التركي، أو أنها على الرغم من الغضب في جميع أنحاء العراق تستطيع بشكل لا لبس فيه إجبار تركيا إلى الانسحاب عسكريا من العراق، على عكس سلوكها السابق المتناقض ـ لكن بأي طريقة؟. وعلى ما يبدو، أنه سيكون من الصعب أيضا على حكومة الحكم الذاتي الكردية في شمال العراق، بقيادة عشيرة البرزاني، وقف مواصلة التعاون مع تركيا ضد حزب العمال الكردستاني. وأن كل ما سيتعين على تركيا في الوقت الحالي، إيقاف عملياتها في شمال العراق لفترة، لكنها لن تدوم طويلا. حيث، ليس هناك إلى جانب إيران، في حالة خروج تركيا “افتراضيا”، من سيملأ الفراغ لتأمين مصالح الأحزاب الطائفية وبقائها في السلطة رغم أنف العراقيين!.