الطابع الوصائي الأبوي يتعارض مع التجانس التقدمي لأي مجتمع
سامر خالد منصور
تدور أحداث فيلم ” على جثتي ” انتاج وبطولة النجم أحمد حلمي ، والممثلين حسن حسني و غادة عادل ، حول رجل يمتلك سلطة المال في محيطه الاجتماعي ويتعامل مع من حوله كما يتعامل في منزله وفق حس أبوي وصائي فيفترض في نفسه أنه الأكثر حكمة ودراية ويفرض على من حوله اتباع وجهات نظره ورؤيته ويظهر بطل الفيلم مهندس الديكور ” رؤوف ” كشخص ثري يمتلك ويدير معرضاً كبيراً للمفروشات ومنذ المشاهد الأولى يُخاطب موظفيه خطاباً ينم عن التزام أخلاقي واستنكار للانحراف ويبدو ” رؤوف ” كرجل حازم يعرف ما يريد ويسعى إلى خير من حوله ، حيث يحرص على أن يقرأ ابنه الصغير الكتب القيمة ويحضر الهداية لزوجته على الدوام وتسير أحوال جميع من حوله بشكل مقبول يبالغ في ضبطه ، إلا أن هناك وساوساً تراوده تجاههم كما في المشهد المُتخيل للموظفة التي تطلب نقلها إلى القسم المخصص لغرف النوم من معرض المفروشات الذي يمتلكه.
يتعرض ” رؤوف ” لحادث سير ويدخل في غيبوبة وتجوب روحه في أرجاء المدينة ، وهنا نرى مشاهداً مدروسة ومنفذة بعناية ، ألا وهي تلك المشاهد التي تظهر موظفيه منغمسين بالإهمال والتفلّت إلى حين ، كردة فعل على الضغط النفسي الذي كانت تتسبب به إدارته الصارمة . يتمنى جميع الموظفين موت “رؤوف” ، حتى ابنه الذي في الصف الرابع الابتدائي يرمي النبال على صورة وجهه ، فرحاً بغياب ” مُعنِّفهِ ” وزاجره و المتحكم بكل تفاصيل حياته ، وكأن كاتب العمل يُشير إلى المرض النفسي المسمى بالـ ” الأوديبية ” ويلفت إلى ارتباطه بالتعنيف المتواصل.
” رؤوف ” بعد أن أضحى شبحاً ، يرى الجميع ولا يرونه يكتشف أن كثيراً من سياساته الصارمة وسعيه للتحكم بمن حوله ، كان يتم الالتفاف عليها بطرائق حاذقة مختلفة ، وأن من حوله نجحوا في الحفاظ على حيزٍ من حريتهم واستقلاليتهم برغم توهمه خلاف ذلك ، مما يشكل صدمة بالنسبة له ، وعندما يستيقظ من غيبوبته يغالي في صرامته وقسوته ووساوسه مما يجعله وحيداً منبوذاً مذموماً فاقداً لمكانته الاجتماعية والأسرية .
يدخل ” رؤوف ” في الغيبوبة مجدداً وتهيم روحه ولا يبقى أمامه سوى التأمل فيما جرى ليكتشف أن الآخرين ليسوا بالسوء الذي كان يحسبه ، و تُجلي له الرَويّة ومحاولة تفهم الآخرين حقائق جديدة تساهم في إعادته النظر في سلوكه ، و تساهم في اعتداله .
جسَّدَ فيلم (على جثتي) والذي أخرجه محمد باكير ، عملاً فنياً من نوع “حصان طروادة” انتقد تفشي الطابع الأبوي الوصائي حيث من وَضع نفسه في موضع الوصي ينظر إلى من تحت سلطته وكأنهم جُهّل غرائزيون يجب توجيههم إلى ما هو صواب ، وليس مشاركتهم في القرارات المصيرية مما يقود إلى النفور منه ويصادر الصيرورة لصالح سيرورة ، يحسب من يمارس الوصاية أنها حميدة وبناءة ولكنها في حقيقة الأمر تُضيّع فرصاً هامة بسبب نمطيتها التي يَحسب الوصي أنها كلما ازدادت صرامة ازدادت نجاحاً .
برغم أن فيلم ” على جثتي ” مأخوذ عن الفيلم الأجنبي ” مدينة الملائكة ” في جانبه الفنتازي إلا أنه جّسَّدَ عملاً فنيّاً أصيلاً لجهة النقد الاجتماعي المتجه إلى صلب معاناة بعض المجتمعات العربية من ” الدكتاتورية ” ، حيث الفيلم زاخر بالإسقاطات ، فبطل الفيلم ” رؤوف ” يشترك مع ” الدكتاتور العربي ” بما يلي :
– الهوس بالجانب الرقابي والمعلوماتي الأمني خشية على نمط الحياة الذي يفرضه على الآخرين ، وتجلى ذلك في الفيلم بكثرة كاميرات المراقبة والهوس بها .
– الإعلاء من شأن ذاته وتوهم أنه العارف المُجيد لتدبير كل الشؤون ، وتجلى ذلك في انفراد ” رؤوف ” بالقرارات الإدارية في معرضه وفي خُطبه التي يلقيها على مسامع موظفيه كل حين ، ومما ورد في إحداها : ” كلنا واحد.. أنا ” .
– يرى التسامح يُظهره بمظهر الضعيف وبالتالي لا يمكن إلا أن يزداد قسوة وصرامة.
– معاقبة الآخر واقصائه إن هو خرج عن سياقات النمطية والتبعية الأيديولوجية و رفض تقديم الطاعة لـ ” رؤوف ” .