دولة العصر.. أطفالالعراق وشبابهبلاآفاق ومستقبل مفقود
عصام الياسري
منذ خمسة عقود وأطفال العراق جيلا بعد جيل يعانون العديد من المظالم والانتهاكات، واشتدت معاناتهم وتراكمت ممارسة أساليبها دون رادع قانوني على المستويين الداخلي “الوطني” والدولي ناهيك عن المعاهدات التي من شأنها عادة في أي بلد مدني أن تحمي حقوق الطفولة والأمومة ورعايتهما، إلا في العراق الذي لا زال منذ احتلاله عام 2003 غير مستقراً، سياسياً وأمنيا. فالأطفال والشباب على وجه الخصوص يعانون من سوء المعاملة على المستوى الإداري والمجتمعي ويجري سحق طفولتهم وأمانيهم بكل الوسائل والطرق. من هذا القبيل، يوجد دون محاكمات عدد كبير من الأطفال والشباب في السجون العراقية المنتشرة في عموم البلاد، تحت طائلة الاتهام الكيدي كالادعاء لمشاركتهم في المظاهرات على أنهم عملاء أو اتهامهم بالانتماء إلى داعش. وغالبا ما تكون العودة إلى أسرهم مستحيلة، وإذا ما تيسرت عودتهم إلى مناطقهم سيما المحافظات الجنوبية وبغداد، فإنهم معرضون لخطر الوصم والاستبعاد أو التعرض للمساءلة والعنف من قبل زمر تابعة لأحزاب السلطة. وفي أغلب الأحيان يعيشون في طي النسيان بلا أمل في المستقبل بعد سنوات من المعاناة من العزلة.
إن انتهاك السلطات العراقية قواعد “عدالة الأحداث الدولية وحقوق الطفل” على أساس قوانين مكافحة الإرهاب المثيرة للجدل، تشكل العقبة الأساس لعدم استقرار حياة الأطفال والشباب. تنص “اتفاقية الأمم المتحدة” المتعلقة بحقوق الطفل والتي صادق عليها العراق أيضا، على: إن احتجاز الأطفال مسموح به فقط إن كان الملاذ الأخير لأقصر وقتا ممكنا. ومن بين أمور أخرى، فإن مبادئ الأمم المتحدة بشأن الأحداث، تؤكد على أن الاحتجاز السابق للمحاكمة يجب أن يكون ممكنا فقط في حالات استثنائية، إلا أن التقارير، تتحدث عن حوالي 270 قاصرا كان رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة لفترة غير مسموح بها في نهاية عام 2020، ولا يوجد مبرر لعدم اتخاذ إجراءات لإنهاء هذه الانتهاكات.
فالمئات من القاصرين ما زالوا محتجزين بسبب ادعاءات كيدية مزعومة “بعيدًا عن الأنظار”. وإن العديد من الأطفال والشباب المسجونين يتعرضون للعنف وسوء المعاملة ويحتجزون في بعض الأحيان مع البالغين. وتشير التقارير المتوفرة لدى المنظمات الدولية التي تقيّم الوضع في السجون بناء على مقابلات مع خبراء محليين: إلى أن “النظام بأكمله مثقل بالأعباء بشكل كبير”. ويعاني الأطفال والشباب الأيزيديون والتركمان العراقيون بالإضافة إلى القاصرين العرب السنة من مناطق داعش السابقة من هذا، كما لا توفر السجون للمعتقلين مساحة كافية للجلوس والاسترخاء والنوم. والمشكلة الأكثر خطورة: إن برنامج إعادة تأهيل وإعادة دمج القاصرين المسجونين لا يتم تطبيقه من قبل الحكومة العراقية ومؤسساتها.
إن وضع أطفال العراق القاصرين اليوم في ظل نظام المحاصصة الطائفية التي أسس لها الاحتلال: وضع مشابه لما قبل سقوط صدام حسين. والمشكلة الأساسية هي أنه “لا توجد خطة عمل وطنية أو استراتيجية متماسكة” لتحسين الوضع. وأدى زعزعة النظام العميق الجذور بسبب سيطرة الجماعات الدينية والميليشيات المسلحة منذ عدة سنوات على القرار في البلاد، إلى زيادة “انعدام الثقة” وتدمير التماسك الاجتماعي وجعل المحاكمات تفتقر للمعايير العادلة. و “التمييز البنيوي” والظلم يعملان كمحركين قويين لإنتاج آثار مجتمعية سلبية محتملة على المدى الطويل. والأكثر خطورة “جعل الجماعات المتضررة من الناس مرة أخرى تقبل الجماعات المتطرفة”.
الموضوع “حساس وصعب للغاية” بالنسبة لحقوق الإنسان في العراق وبالنسبة للآلاف المواطنين الأبرياء “المسجلين أو غير المبلغ عنهم” في السجون الرسمية أو التابعة بشكل وآخر للأحزاب المنفذة دون محاكمات على أساس “سيادة القانون”. غير أن أصوات القاصرين وآلامهم في السجون لأسباب كيدية منظمة، قد أخرجت الحكومة والقضاء عن بؤرة الادعاءات إلى رأي عام يجذب الانتباه ويدعو لوضع رادع لها.