يقف على طرفي المعادلة السياسية في العراق اليوم خصمين مدججين بالسلاح أحدهما يمتلك قاعدة جماهيرية واسعة ومنضبطة ومطيعة وهو التيار الصدري والآخر يملك منتسبي الحشد الشعبي الذين يحركهم كما يشاء تحت تهديد قطع أرزاقهم إذا لم يطيعوه ويخرجون تنفيذاً لأوامره وهو الإطار التنسيقي. وهذا الأخير الذي حكم البلاد طيلة 19 عشر عاماً وفشل وأغرق العراق في بحر من الفقر والحاجة والتأخر والتفكك وانعدام الخدمات والدمار والنهب والسلب والفساد والطائفية والمحاصصة ، ما يزال يعتقد إنه يمثل المكون الاجتماعي الأكبر أي الشيعة وإنه مصر على الدفاع عن ” الشرعية الدستورية” بمعنى الدفاع عن مصالحه وامتيازاته التي راكمها طيلة عقدين من الزمن وكدس المليارات التي نهبها من أموال الشعب العراقي وفي مواجهته يقف التيار الصدري اليوم مطالباً بالتغيير الجذري للعملية السياسية في العراق فلم يعد الإصلاح ممكناً من داخل العملية السياسية القائمة التي يهيمن عليها الإطار التنسيقي الفاسد ، لذلك يطالب الصدريون بحكومة أغلبية وطنية عابرة للطائفية والمحاصصة والتوافق. هناك أزمة ثقة بين طرفي المعادلة تعمقت ووصلت على نقطة اللاعودة فكل طرف يعتقد أن خصمه، إذا نجح في الانفراد بالسلطة فسوف ينكل به ويعاقبه ويقدمه للمحاكمة ويسلب منه كل شيء، وكما أخبرني أحد قادة الإطار أنه إذا فاز الصدر فسوف يعلق مشانقنا في ساحة التحرير.
ولقد كشفت التسريبات الأخيرة التي بثها المدون والناشط المدني علي فاضل أن قوى الإطار وعلى وجه الخصوص نوري المالكي يعرفون هذه الحقيقة وباتوا يخططون للقيام بعملية انقلاب مسبق على الوضع القائم وإطاحة حكومة مصطفى الكاظمي لأنها برأيهم متواطئة مع الصدريين والتشرينيين ، والعمل على تصفية التيار الصدري بقوة السلاح وقتل زعيمه والتخلص منه ليخلوا لهم الجو والهيمنة التامة على مقدرات البلاد ووضعها تحت تصرف إيران الحامي الأساسي للإطار التنسيقي ولميليشياته المتنمرة الخارجة عن القانون تحت مسمى فصائل المقاومة واحتكار الحشد الشعبي وتحويله إلى مؤسسة عسكرية تابعة وحامية لهم على غرار قوات الحرس الثوري الإيرانية وهذا ما كان يعمل من أجله قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس وقيس الخزعلي وأبو ولاء الولائي وأبو فدك وغيرهم من قادة الميليشيات . فالحشد الشعبي هو الآن بيد قوى الإطار الذي يعد ويخطط لهذا التحرك الانقلابي ومهاجمة النجف واحتلال بغداد وإعلان حالة الطوارئ لأنه يخشى من تحركات الصدر بينما لايهتم هذا الأخير لا بالميليشيات ولا بقوى الإطار ويسخر منهم في جلساته الخاصة وهو يعرف أنهم يتربصون به ويحاولون اغتياله بأقرب فرصة ممكنة بمساعدة إيران والمخابرات الإيرانية.
سحب الصدر من تحت أقدامهم زمام المبادرة واحتل مجلس النواب يوم الأربعاء الماضي ومن ثم طلب من أنصاره الانسحاب حيث كان يأمل أن رسالته قد وصلت لمسامع الإطاريين لكنهم استفزوه ببيانتهم وتصريحاتهم وإصرارهم على تشكيل حكومة يرأسها محمد شياع السوداني لذلك كرر الصدر تحركه السابق وأحتل من جديد مجلس النواب مقر السلطة التشريعية وأعلن الاعتصام العام كخطوة أولى نحو التغيير الشامل ودعي كافة قوى الشعب المدنية والعشائرية للالتحاق بثورة محرم والنزول إلى الشارع يوم الإثنين الساعة الخامسة لإسناد معتصمي مجلس النواب من أتباعه لذا قام الإطار التنسيقي ، وجناح المالكي والخزعلي تحديداً، لأن هناك تحفظات في جناح حيدر العبادي وهادي العامري وعمار الحكيم من داخل الإطار التنسيقي ، بدعوة أتباعهم وميليشياتهم إلى النزول إلى الشارع بأسلحتهم في نفس اليوم ونفس التوقيت أي الإثنين الساعة الخامسة لتطويق المنطقة الخضراء التي يتواجد بداخلها أتباع مقتدى الصدر ما يعني حتمية حصول احتكاكات بينهم لايحمد عقباها قد تتطور إلى اقتتال بين الجانبين في بغداد وكافة مدن الوسط والجنوب الشيعية التيار، فيما نرى التيار المدني والتشرينيين يطالبون بتشكيل حكومة مستقلة حيادية تكون مؤقتة بكامل الصلاحيات تعمل على تعديل الدستور وقانون الانتخابات وتشكيل مفوضية جديدة للانتخابات والتحضير لانتخابات مبكرة خلال ستة أشهر أو سنة على أبعد حد للخروج من الانسداد الخطير الحالي وهي نفس الشروط التي أعلنها التيار الصدري. الإطار فشل في قيادته للعراق طيلة عشرين عاماً وصار محط كراهية من جانب كافة فئات الشعب العراقي والدليل خروج العراقيين عدة مرات في تظاهرات احتجاجية ضده كانت أكبرها تظاهرات تشرين سنة 2019 التي قمعت وأغرقت بالدم على يد ميليشيات الإطار التنسيقي بتوجيه وإدارة من إيران والحرس الثوري ومباركة الولي الفقيه علي خامنئي وسقط أكثر من 800 شهيد وألاف الجرحى والمعوقين وهم مستعدون لتكرار ذات السيناريو اليوم لو تمكنوا من إحكام سيطرتهم يوم الإثنين على مفاصل الدولة في بغداد وبقية المدن الشيعية وسوف يهددون أيضاً المدن ذات الأغلبية السنية في غرب العراق والمدن الكوردية في شمال العراق لإخضاعها أيضاً بقوة السلاح إذا لم تذعن لإملاءاتهم خاصة وإن هناك بعض الأكراد من الاتحاد الوطني الكوردستاني وبعض السنة ممن يقفون معهم ضد التيار الصدري وضد الحزب الديموقراطي الكوردستاني بزعامة مسعود برزاني وضد تحالف السيادة السني بقيادة محمد الحلبوس . الجيش العراقي النظامي مازال حيادياً ومعه بعض قوى الأمن الداخلي وقوات مكافحة الشغب ومكافحة الإرهاب بتوجيهات مباشرة من القائد العائم للقوات المسلحة مصطفى الكاظمي رغم معرفته بأنها مخترقة من قبل أتباع الإطار التنسيقي بعناصر تسمى قوات الدمج التي تم تعيينها وغرسها داخل قوات الجيش والشرطة والمخابرات والأمن في وزارتي الدفاع والداخلية. لنترقب الساعة الخامسة من يوم الإثنين موعد التظاهرات الحاشدة لطرفي النزاع الإطاريين والصدريين ولا نعرف موقف الحكومة الرسمي مما يجري وهل ستتدخل أم ستقف على الحياد خاصة وإن الإطار التنسيقي عازم على اعتقال رئيس الحكومة الكاظمي وإطاحته والسيطرة على السلطة التنفيذية مقابل سيطرة الصدريين على السلطة التشريعية في حين إن السلطة القضائية التي يفترض فيها الاستقلالية منحازة للإطار التنسيقي كما يتهمها الصدر الذي طالب بإصلاح السلطة القضائية وإبعادها عن تأثير الإطاريين وتغيير القائمين عليها في الوقت الحاضر.