قراءة في كتاب أوار الذاكرة.
أ.د. سناء عبد القادر مصطفى
اسم الكتاب: أوار الذاكرة
المؤلف: خضيرعباس محمد
الناشر: دار ومنشورات جلجامش، العراق – بغداد،
الرقم الدولي: ISBN:978-9922-9800-2-7
رقم الايداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 692 لسنة 2022.
عدد الصفحات 166 صفحة.
تعرفت على المؤلف خضير عباس محمد أبو سهيل شفهيا من خلال أخيه نعيم عباس محمد الذي كان زميلي الحميم في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية (الملغاة) – كلية الإدارة والإقتصاد بجامعة بغداد في الفترة الزمنية 1968- 1972 والتقيت به لأول مرة في بيت أخيه فاضل (حافظ) أبو أمير في منطقة صبر التابعة الى محافظة لحج والذي كان يعمل حينذاك في معمل الألبان في عدن في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وحسب ما أتذكر في ربيع العام 1983، حيث عملت وقتذاك أستاذا في كلية الاقتصاد بجامعة عدن (1983-1985). كان لقاءا ودياً تحدثنا فيه عن العراق والعالم بشكل عام.
كما التقيت به للمرة الثانية في ستوكهولم بالسويد بتاريخ 6 تشرين الأول 2019 ، بصحبة الدكتور عقيل الناصري وكذلك ابنه الدكتور سهيل، كان لقاءا وديا وحينها اقترحنا عليه أنا والدكتور عقيل الناصري بضرورة كتابة مذكراته ونشرها والذي أجابنا بدوره بأن توجد لديه نفس الفكرة. تفارقنا على أمل اللقاء في المستقبل ومتابعة اصدار كتاب مذكراته. وها قد صدر الان هذا الكتاب ومن الضروري اعطاء الرأي فيه.
يعكس الكتاب مسيرة نضالية طويلة ومواقف بطولية من أجل رفعة المبادئ التي تربى عليها الكاتب في عمله الحزبي وشجاعته في طرح الآراء اثناء الاجتماعات الحزبية . وهذا الذي يراد به من الرفاق اللذين عاصروا قادة الحزب وعاشوا وعملوا معهم.
نحن بأمس الحاجة الى معرفة ما كان يجري ويدور خلف الكواليس الحزبية في تنظيماته السرية. هناك الكثير من الخفايا والأسرار التي حان الوقت من الإطلاع عليها من خلال قراءة ما يكتبه الرفاق المخضرمين من أمثال أبو سهيل اللذين عايشوا هذه الفترات الصعبة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي، منذ بداية تأسيسه في 31 آذار 1934.
وها هو أبو سهيل يسبر غور هذه السنوات العجاف والصعبة من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي ويقدمها للقارئ كي يتعرف من خلالها على ظروف تأسيس الخلايا الحزبية وتنظيم عملها وخصوصا بين العمال والفلاحين والكادحين والطلبة والشبيبة والمثقفين…الخ . فليس من السهولة بمكان تنظيم مظاهرة أو اضراب في المجتمع العراقي. وليس من السهولة الحفاظ على رباطة الجأش في الاعتقال واثناء التحقيق من جلاوزة الشرطة والأمن وفي وقت المحاكمة وتوجيه الاتهام من قبل المدعي العام في المحاكم المدنية والعرفية. وليس من السهل تحمل التعذيب وسياط الجلادين وتحمل ظروف الاعتقال والسجون ، فقد خرج الكثير من السجن بعد انهاء محكومياتهم وهم مصابون بمختلف أنواع الأمراض النفسية والعصبية ومنها الشيزوفرينيا بمختلف درجاتها. كان الحرس القومي يقطر الماء البارد فوق رأس المعتقل المصاب بالصلع بعد ربطه وشده بقوة على كرسي لعدة أيام وغيرها من أنواع التعذيب الأخرى مثل الفلقة والتعليق بالمروحة السقفية وقلع أظافر اليدين والرجلين …الخ هذا وقد استشهد الكثير من رفاق الحزب تحت التعذيب. لا أريد أن أدخل كثيرا في شرح تفاصيل الكتاب حتى لا أفسد شغف قرائته من قبل جمهور القراء.
ومن ملاحظاتي على الكتاب بالإضافة الى الأخطاء المطبعية التي يمكن تلافيها في الطبعة الثانية ما يلي:
في صفحة 16 لم يذكر أبو سهيل اسم اخته منى من ضمن أسماء الاخوان والأخوات.
كما ورد في صفحة 112 ، 4. ” أما الحديث عن خير الدين حسيب ورده عليك (يقصد هنا باقر ابراهيم أبو خولة) برسالة ودية، تمنيت لو لم تكتب له، فلا أريد هنا أن أحدثك عن طائفيته المقيتة، ولكني أقول لك أن هذا الشخص له مغازلات وعلاقات مشبوهة مع النظام”.
من الغريب أن يتكلم أبو سهيل بهذا الشكل عن المرحوم الدكتور خير الدين حسيب ، وهنا أود أن أذكر بعض المعلومات عن الدكتور حسيب التي أعرفها جيدا.
أن الدكتور خير الدين حسيب كان قد اعتقل في قصر النهاية في العام 1968 بعد استلام حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة في العراق في تموز العام 1968 وبقي هناك لمدة سنة ونصف تحت التعذيب. وبعد اطلاق سراحه اعيد للعمل في الجامعة.
قام المرحوم الدكتور خير الدين حسيب بتدريس مادة “اقتصاديات العراق والوطن العربي ” لطلبة السنة الرابعة المنتهية في كلية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد للسنة الدراسية 1971-1972 وكنت من ضمن الطلبة اللذين درسهم بالإضافة الى أخيك نعيم وبعض اللذين تعرفهم مثل: شاكر حسون الدجيلي وعصام أدهم الزند وعبد المحسن راضي وحسن عبد الله بدر وعبد الكريم حمد القسام وصالح ياسر(رئيس تحرير مجلة الثقافة الجديدة في الوقت الحاضر) . كان مجموع عدد الطلبة يفوق 300 طالب وطالبة ومن مختلف مدن وقصبات العراق (عربا وأكرادا وتركمان ومن مختلف الديانات والمذاهب) بالاضافة الى طلبة من جميع الدول العربية ، لم نسمع في يوما ما بأن الدكتور خير الدين حسيب كان طائفيا في علاقته مع الطلبة من أي طالب أو طالبة، وإنما على العكس كان أستاذا متمكنا من المادة وعلمنا طريقة البحث العلمي الصحيحة ، دمث الأخلاق ومحبوبا من قبل جميع الطلبة. وفي إحدى زيارات زملاؤنا شاكر الدجيلي وعصام الزند وصالح ياسرللدكتور حسيب في بيته حدثهم عن أساليب التعذيب الجسدية والنفسية التي تعرض لها المعتقلون في قصر النهاية السيء الصيت .
وفي العام الدراسي 1973-1974 قام المرحوم حسيب بتدريس طلبة الماجستير- تخصص اقتصاد في كلية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد. كان من ضمن الطلبة اللذين تعرفهم شاكر حسون الدجيلي وحسن عبد الله بدر وكذلك سناء العمري رئيسة اتحاد نساء العراق التابع للسلطة وهي بعثية من الموصل. لم يسمح خير الدين حسيب للطالبة سناء العمري بتأدية الامتحان النهائي لكثرة غياباتها. تم تشكيل مجلس تحقيقي حول الموضوع من قبل كلية الادارة والاقتصاد- قسم الدراسات العليا وقام المجلس التحقيقي باستدعاء جميع طلبة الماجستير حول القضية اللذين شهدوا لصالح حسيب ومن ضمنهم شاكر الدجيلي وحسن عبد الله بدر. كان بامكان حسيب أن يغض النظر عن غيابات سناء العمري كونها من الموصل وسنية المذهب ويسمح لها بأداء الامتحان ولكنه عمل العكس. تم اعفاء حسيب من التدريس في الدراسات العليا حينما كان في انتداب علمي في شهر شباط العام 1974 لإلقاء محاضرات عن الاقتصاد العراقي في معهد الاستشراق في موسكو آنذاك . وفي رده على هذا القرار قام بارسال برقية من موسكو الى جامعة بغداد طلب فيها إعفائه من التدريس في الدراسات الأولية- البكالوريوس. وبعد عودة حسيب الى بغداد نقل الى العمل في مركز البحوث الادارية والاقتصادية التابع لجامعة بغداد. أنا أعرف هذه التفاصيل لاني عملت آنذاك معيدا في قسم الاقتصاد بكلية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد قبل سفري الى الاتحاد السوفيتي لتكملة دراستي العليا بزمالة من قبل الحزب الشيوعي العراقي.
ارفق نص الرسالة من زميلي الدكتور حسن عبد الله بدر التي أرسلها لي حول هذا الموضوع:
” أخي العزيز سناء أبو ميمن
من موقعي كطالب جامعي، ثم طالب دراسات عليا، لم ألمس أي مواقف أو آراء تُشم منها رائحة الطائفية لدى استاذي الجليل والكبير خير الدين حسيب. وكذلك لم أسمع من زملائي الطلبة حينذاك أي شيء يفيد بوجود أي ميول طائفية لديه. ومع ذلك، لابد من أن نتذكر أننا كنا طلبة حينذاك، وأن عمرنا وخبرتنا ودرجة قربنا من المرحوم كأستاذ لا تتيح لنا فرصة كبيرة للحكم الدقيق والمنصف، سواء عليه أو الاساتذة بشكل عام. وكذلك أنا من المؤمنين بأننا، كعراقيين، نتعلم منذ طفولتنا شيئاً من العادات والتعابير و”الشمرة” الطائفية البسيطة والبريئة تظل ترافقنا في دواخلنا، ولكّنا، حين نكبر، نسيطر على هذا الشيء القليل وغير المؤثر من العادات. وتصوري أن معظم العراقيين، سنهً وشيعة، هم من هذا النوع بالفعل بحيث يمكن أن نقول بأمان أنهم غير طائفيين بتاتاً. وهذا يسري على المرحوم حسيب كعراقي. ولنتذكر أيضاً أنه كان في فترة من حياته في العراق (أواخر الستينات وبداية السبعينات) سكرتيراً للحركة الاشتراكية العربية، وكان يعمل معه وتحت قيادته عددُ من كبار رجال العراق ومنهم زعماء شيعة مثل اللواء الركن ناجي طالب والاستاذ المحامي أحمد الحبوبي وغيرهم، وذلك دون سماع شيء أو شكوى من هذا القبيل.
سلامي الحار للعائلة، مع تمنياتي لكم بالصحة والعافية وطول العمر.
أخوك أبو ديار”.
وآخر دليل على عدم طائفية المرحوم الدكتور خير الدين حسيب هو تنظيمه لندوة مستقبل العراق حينما كان مديرا عاما لمركز دراسات الوحدة العربية في بيروت في 25-28 تموز سنة 2005 . وقد شارك في المؤتمر 108 شخصا من مختلف الطوائف والمذاهب في العراق. ومن ضمن المشاركين اللذين تعرفهم : د. عبد الحسين شعبان ود. محمد جواد فارس وباقر ابراهيم أبو خولة وأنا كاتب هذه السطور. مع العلم أني أحتفظ لحد الآن بجميع وثائق المؤتمر.