مهرجان عراقي على قدر من البهجة والتنظيم والشعور بالألفة والانتماء
عماد كريم
لا أتذكر أن سبق لي حضور اجتماع أو مهرجان عراقي بهذا القدر من البهجة والتنظيم والشعور بالألفة والانتماء, كما شعرت في مهرجان “ابداع” في السبت الماضي في المدينة الصغيرة بولهايم بالقرب من مدينة كولونيا. كان المهرجان مفاجئة بحق. أول ما لفت النظر هو الحضور النسائي الفاعل والمتألق, ابتداء من عريفات الحفل إلى المشاركة في الرقصات والفعاليات وسوق المنتجات اليدوية من الحلى والفن والاكلات مثل الكليجة واصناف الحلى, كلها فعاليات تميزت بروح فنية عالية وألوان زاهية تعبر عن روح العراق واطيافه المتعددة وتحتفي بالتراث العراقي العريق. الحضور النسائي الجميل والبديع والطاغي دعاني إلى التساؤل فيما إذا كانت تلك إشارة إلى بداية تغير في المجتمع العراقي, أم إنها ظاهرة استثنائية أو محلية تقتصر على جزء من الجالية العراقية في ألمانيا. في حديثي مع بعض الحاضرات أكدن لي بأن ذلك تعبيرعن تغير فعلي صار يسري في المجتمع قاطبة, وخصوصا في صفوف الشابات والشباب.
التنظيم الدقيق لفقرات المهرجان زادت من الشعور بالمتعة وعدم تسرب الوقت. الحضور كان كبيرا ويقدر بعدة مئات. حيث جاء الناس من كل حدب وصوب ولم يقتصر على العراقيين, بل كانت هناك مشاركة سورية فاعلة, على مستوى الفنانات والفنانين الذين عرضوا منتجاتهم أو المطبخ السوري الشهي. الألمان كان لهم حضور أيضا, بل حتى عمدة المدينة بعث من ينوب عنه ويلقي كلمة في الافتتاح.
الفقرة الأولى خصت أفلام عراقية وثائقية لمخرجين عراقيين في المهجر الألماني أو الأوروبي بحضور المخرجين. أفلام تعالج بعمق مواضيع مهمة.
أما فرقة ” انكيدو” السويدية فكانت النجمة الساطعة بقطعاتها الغنائية الراقصة وبأزياء رائعة والتي عبرت بصدق وفنية عالية عن التراث العراقي حيث طغى العنصر النسائي أيضا.
الفقرة الأخيرة خصصت لمغنية المقام العراقية المعروفة فريدة وفرقتها.
يتساءل المرء عن سر نجاح هذا المهرجان الذي يتكرر للمرة الرابعة, بحيث
يكون هناك كل مرة موضوع يشّكل مركز الثقل, ليكتشف شخصية عراقية وراء
كل ذلك, هو فراس الاحمدي, مؤسس مركز ابداع في ألمانيا, الذي يسارع عن ابعاد “التهمة” عنه بالقول إن النجاح يعود إلى كل المشاركين في المهرجان. غير من الواضح أنه يقف وراء هذا النجاح الباهر بقدراته التنظيمية وعلاقاته الواسعة ونمط تفكير جديد يستفيد إلى أقصى حد من الاعلام وإمكانية الشبكة العنكبوتية, هذا إلى المثابرة والقدرة على كسب الاخرين وتحفيزهم, إذ قيل لي بأن التحضير للمهرجان يستغرق قرابة عام بأكمله.
مهما يكن من أمر فإن وجود وانتشار مثل هذه المهرجانات, سواء في الداخل أو الخارج حري برفع الوعي وحرث أرضية المجتمع لتجاوز الجمود وخض مياه
جديدة في شرايينه, شريطة أن تتوسع اللقاءات والوشائج والمشاريع ولا تقتصر على المهرجانات الموسمية أو السنوية.
خرجنا بعد منتصف الليل جذلين لا ندري هل نحن خارجين من حلم أم مقبلين على فجر عراق جديد.