يقول الكاتب الروسي أنطون سيخوف: “كمْ أصبحنا ضعفاء في وطننا. وما أبشعنا. حين نستسلم لمن سرق حقوقنا وجعلنا نعيش على الفتات المترامي”. وفي كتابه “جوهر الفلسفة” يشير الفيلسوف الألماني “فيلهلم دلتاي” إلى ضرورة “ردم الهوة بين الذات والموضوع وأن لا يكون” المنهج “من حيث جوهر القضية قابلاً للتأويل والاحتمالات”.
مع هاجس التحديات الخطيرة وتفاقم الأوضاع السياسية والأمنية وتسويف احزاب السلطة ومحاولاتها تجيير الانتخابات لصالحها. فمن أهم الموضوعات التي تخيف الكتل السياسية الماسكة بسلطة الدولة العميقة مسألة الدعوة لانتخابات مبكرة بالشروط التي يطالب بها المجتمع العراقي وحراكه الشعبي في أغلب المدن العراقية. ورغم تأكيد أغلبية قطاعات المجتمع العراقي وجماهير الحراك الشبابي، إلا أن الطبقة السياسية التي تتشدق بالتزامها، لا تزال تتصرف بمنطق: المصالح الشخصية والفئوية فوق رأي اي مرجعية قانونية وقضائية، ولا تريد التفريط بأي حال من الاحوال بالسلطة. وعلى قدر خطورة الموقف ودلالاته فيما يتعلق والقضايا التي يتطلع لها الشعب العراقي، هناك مسألتان لا بد من الوقوف بجد عندها: (تركيبة الأحزاب ومفهومها للانتخابات) للخروج من المسارات الفاشلة للدولة. الامران في العراق من الناحية الموضوعية والواقعية، لم يكونا يوما موضع اهتمام ما يسمى بالاحزاب التقليدية، بين مزدوجين (معارضة). انما كانت تصف ولاتزال، نظام الحكم الذي ولد من رحم العملية السياسية غير الشرعية بالنظام الديمقراطي والعراق بالدولة المدنية. انها مفارقة خطيرة!.
انه لمن المؤكد إذا ما استمرت التجاذبات السياسية لأجل السلطة بالاتجاه غير المنتظر، فان الانتخابات المبكرة تصبح مطلباً حكيماً وحقا مشروعا لاعتبارات مجتمعية. بالنسبة للعراقيين ما يهمهم بالأساس، مصداقية مؤسسات الدولة، التشريعية والتنفيذية والقضائية، وتقديم الخدمات وتوفير الأمن والاستقرار الاقتصادي والمعيشي. واذا لم تتحقق هذه المطالب، فليس أمام القوى المدنية التي تسعى الى التغيير، من الناحية المنطقية والموضوعية، إلا الذهاب إلى المؤسسات الدولية، أيضاً، العودة الى القضاء العراقي ومطالبة رئيس الجمهورية، ان كان جادا بتنفيذ مسؤولياته ويمارس صلاحياته الدستورية كرئيس لكل العراقيين وليس كردي يدعو للانفصال، لحل مجلس النواب، وإعلان حالة الطوارئ لقطع الطريق امام الاحزاب الطائفية ليكون بالمستطاع معالجة الازمات المتراكمة.
وفقا لعقيدة العناصر الثلاثة) الدولة والشعب والسلطة)، فان القانون الدولي يؤكد على الدولة: أجهزتها، شعبها، مناطقها، اشكالها ـ يرتبط بموجبها الناس بعضهم ببعض لحماية مصالحهم المشتركة أن تلتزم بالوقائع والمعايير، لضمان التوازنات المتبادلة بين الحقوق والواجبات داخل المجتمع تحت رقابة أحزاب فاعلة داخل وخارج المنظومة البرلمانية. لكننا نتساءل ببساطة: ما هو دور الأحزاب، وما هي اسهاماتها منذ 2003 في بناء دولة المواطنة؟ وهل هي فاعلة داخل المجتمع؟ لنحكم بينها وبين قراءة الحدث السياسي وما يحيط مؤسسة الدولة من إشكاليات كما هو حال العراق.
للمشاركة في تشكيل الإرادة السياسية للشعب، تتمحور أنشطة الأحزاب عادة حول، تأثيرها على تحريك الرأي العام لمطالبة الحكومة بمعاملة جميع المواطنين على قدم المساواة، وتطبيق مبدأ التعامل بين الدولة وافراد المجتمع بحيادية تامة، والأهم الدفاع عن مصالح الدولة. لكن على ما يبدو ان جميع الاحزاب في العراق غير مؤهلة للقيام بمثل هذه الادوار.
بالنسبة للمتظاهرين الذين يهمهم بالأساس، الكشف عن قتلة المتظاهرين وتقديمهم للعدالة، تحقيق مطالبهم الأخرى ومنها إقرار قانون الانتخابات وتشريع قانون الاحزاب وإعادة تشكيل مفوضية الانتخابات وحصر السلاح بيد الدولة. واذا لم تتحقق هذه المطالب، فليس أمام المتظاهرين والقوى المدنية التي تسعى الى التغيير، من الناحية المنطقية والموضوعية، إلا الدعوة لإجراء انتخابات جديدة بإكتمال شروطها الوطنية والقانونية…