في مقدمة كتاب «الصورة وطغيان الإعلام» للفرنسي لايناسو رامونه، يعرفنا مترجمه نبيل الدبس بالمؤلف الذي كان يكتب مقالاته في الـ«لوموند ديبلوماتيك» الشهرية حول سينما العالم الثالث، التي ترأس بعدئذ إدارتها لفترة امتدت بين عامي 1990 و.2008 والمهم في الكتاب الذي أصدرته الهيئة العامة السورية للكتاب، تحليله العميق لأزمة الإعلام المعاصر، وكشفه عن أمثلة حماقاته العديدة وجرائمه الكثيرة.
كانت المعلومات، لوقت طويل، نادرة وباهظة الثمن، وفي يومنا صارت غزيرة بسرعة مذهلة وقلّت كلفتها وأصبحت مضللة أكثر فأكثر. وليس التضليل سوى إلباس الكذب لبوس الصدق و«إن أكثر ما يخيف في الاتصال هو لاوعي الاتصال»، وتكشف أمثلة الكتاب كيف ينتج «اللاوعي» من التضليل، ومن سلطة الإعلام، كما يكشف أسباب ومصلحة من يقف وراءه.
نعرف في مجال الاتصال ثلاثة أنظمة علامات: النص المكتوب والصوت والصورة. وتتلخص الثورة الرقمية، أساساً، في أنها وحّدت الانظمة الثلاثة في نظام واحد، سيطر كاملاً على أنظمتها بسرعة الضوء. وحقق الإنترنت بذلك طموح ومصالح أباطرة صناعات المعلومات الجدد. وأنتج الإعلام خلال السنوات الثلاثين الأخيرة كمية من المعلومات تفوق ما أنتجته البشرية طوال الخمسة آلاف سنة الفائتة. وحتى لو افترضنا قارئاً يقرأ كل يوم ألف كلمة في الدقيقة، على مدى ثماني ساعات في اليوم، فإنه سيحتاج إلى شهر ونصف الشهر للانتهاء من قراءة المعلومات التي تنشر في يوم واحد!
في الأيام التي أعقبت مقتل الأميرة ديانا في حادثة السيارة، حققت الصحافة في بريطانيا وحدها أرقاما قياسية في حجم مبيعاتها، فصحيفة «الأحد» باعت 3.9 ملايين نسخة و«الميرور» 4.2 ملايين و«الديلي ميل» 3.2 ملايين نسخة، وبثت مئات القنوات التلفزيونية مراسم جنازة الأميرة وشاهدها نحو 5.2 مليارات إنسان في العالم. وعقبت عالمة الاجتماع فرانسواز غايار«لم نعد نحسن البكاء لا على مصائب الدنيا ولا على مصائبنا الشخصية، فقد ذرفنا كل الدموع التي كنا نجهد في حبسها».
لا أخبار من دون صور ولا وجود لأحداث لا تصورها عدسات التصوير. أما صدمة الصور التي تظهر المعاناة والموت والكوارث فتأثيرها أقوى بما لا يقاس من تلك التي تتناولها وسائل الإعلام الأخرى. ويصبح التلفزيون بهذا وسيلة لنشر الحقائق، ووسيلة لقلب مفهوم الخبر«إذا كان الانفعال الذي تحسونه كمشاهدين صحيحاً، فإن الأخبار صحيحة».
تعتمد التلفزة على سطوة الصورة، وتعتمد الصحافة على وثائق إدانة مكتوبة، لهذا تنصرف في الكشف عن معظم قضايا الفساد. ففي قضية كلينتون – لوينسكي، مثلاً، لم تتوافر صور أبطال الفضيحة، ما اضطر شبكات التلفزيون لأن تُنظم جلسات يتحاور فيها محررو الصحافة المكتوبة. وخصصت المحطات الأميركية الرئيسة الثلاثة وقتاً للفضيحة وصلت مدته إلى 43 ساعة، وفاقت مجموع بث الساعات المخصصة للأزمات العالمية الخطيرة.
يملك التلفاز القدرة على جعلنا نرى ونفهم التاريخ وهو يُصنع أمامنا، ففي حرب الخليج، مثلاً، قيل لنا إنكم ستشاهدون الحرب في بث مباشر. وشاهدنا في بث مباشر حقاً كيف يخفي الإعلام المُزيف صورة الحرب الحقيقية.