غرفة التظهير
قيس الزبيدي
- ” إن الذي أهدف إليه في العمق وفي الصورة التي تؤخذ لي هو الموت فالموت هو جوهر هذه الصورة (…) كل هؤلاء المصورين الشباب الذين يتحركون في العالم ويرهقون أنفسهم للامساك بما يحدث من أخبار راهنة، لا يعلمون بأنهم وسطاء الموت”.
رولان بارت
- ” كل الصور الفوتوغرافية تذكرنا بالموت. حينما تلتقط صورة، فأنت تساهم في ضعف وتجمد وموت شخص (أو شيء) آخر. بأن تقتطع هذه اللحظة منه وتجمدها، فكل الصور دليل على ضياع العمر”.
سوزان سونتاغ
لا توجد-حسب بارت- سوى قلة من النصوص العظيمة الشخصية حول الفوتوغرافيا، لأنها كما يجدها ضحية من سمعة، تأتي من نقل الواقع أو أجزاء من الواقع، لذا تجاهل المرء قوتها الحقيقية. ولم يتم الاهتمام بها كابنة للحضارة. كما يرى الفوتوغرافيا والسينماتوغرافيا بمثابة نتاج ثورة صناعية صرف، ولا ينتميان إلى أي إرث أو أية تقاليد، على هذا فإن التحليل مهم للغاية. وعلى المرء أن يبتكر علم جمال ينشغل في نفس الوقت بالفيلم وبالصورة الفوتوغرافية ويميز بينهما، آخذين بالحسبان، وجود علم جمال فيلم، يعمل، في الواقع، بقيم أسلوبية ذات نمط ليس أدبياُ.
مُزامَنَةً
أَزْمَنَ بالمكان: أَقام به زَماناً،
أول مُكوّنات السينما،الأساس، هي الصورة الفوتوغرافية،التي لا تفعل سوى تحنيط زمن الأشياء والناس أما السينماتوغرافيا، وقد أضافت الحركة إلى الفوتوغرافيا، فإنها تجاوزت تحنيط الزمن إلى طباعته وبث الحياة فيه.
يكتب بارت:” لقد أعلنت أن الصورة لن تكون أبدا ضد السينما ، ومع لك لم استطع أن افصل بينهما (…) وأما ما كان يأسرني في الصورة فهي رغبة “كينونة“. وقد اخترت:
“أن أحب الصورة الفوتوغرافية أكثر مما أحب السينما، مع أني لم استطع أن أفصل بينهما. لكني قررت ، ان اتخذ بعض الصور منطلقا لبحثي ، أي تلك الصور التي كنت متأكداً أنها وجدت من أجلي(…) وسأحاول أن أصوغ انطلاقا من بعض الحركات الشخصية ،السمة الأساسية والكونية، التي من دونها لا يوجد تصوير”.
ينقسم كتاب بارت إلى قسمين: في الأول هناك 24 حاشية يكشف فيها بارت خصوصية الصورة وعبارات فقهية حول التصوير الفوتوغرافي.
أما في الثاني ، فهناك 23 حاشية، يحاول فيها، بشكل حميمي للغاية،التعرف على صور كان تاريخها هو ما يفصله عنها، فأثناء وبعد وقت فليل من موت أمه اخذ في ترتيب بعض الصور، ليعثر على صورة وحيدة لطفولة أمه: “أن الزمن الذي عاشت فيه أمي قبلي، هو التاريخ بالنسبة لي. وهنا يسأل بارت : هل تعرفت عليها؟ “.
ومع أن بارت يعود للحديث عن هذه الصورة مراراً وتكراراً لكنه لا ينشرها في الكتاب كما فعل مع صور عديدة أخرى.
لم يكن عند بارت، سوى تجربتين : تجربة الذات الناظرة وتجربة الذات المنظور إليها(…) فإن يرى المرء ذاته بذاته غير ما يرى ذاته في المرآة.وفي فهمه للفوتوغرافيا يرى ان هناك اتجاهان كل منهما مبالغ فيه أو خطأ: الأول يجدها مجرد نقل ميكانيكي للواقع، والثاني يجدها مجرد بديل عن الرسم، أي ما يسمى فن الفوتوغرافيا، وهو أمر مبالغ فيه أيضاً، لأن الفوتوغرافيا ليست فنا بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، فما تعيد الصورة الفوتوغرافية إنتاجه، هو ما يحصل مرة واحدة فقط، لأنها تكرر ميكانيكياً ما لا يمكن تكرار وجوده أبداً (…) إن كل ما يمكن أن تُريه عين الصورة للعين وكل ما يمكن أن تجسده هو غير مرئي دائماً، هو ليس كما نراه في الصورة (…) فالصورة لا تسترجع الماضي ولا تؤثر فينا عبر ما تعيد إنتاجه وما تحفظه، بل إن ما نراه، حسب قناعتنا، هو ما كان موجوداً هنا بالفعل. لا تقول الصورة بالضرورة ما لم يعد موجوداً، ولكنها تقول فقط ن وبكل تأكيد ما كان موجوداً. (…) سيكون اسم لب جوهر التصوير إذاً: “كان – هذا – موجوداً“
ما الذي حصل حينما تم اختراع صورة فوتوغرافية ثابتة، تحنط لحظة زمنية لأي شيء في الواقع الفيزيائي؟
يعد عام 1839 بحق بداية تقنية الميديا، التي أصبح بإمكانها إعادة إنتاج الواقع بشكل تام وبرهنت على منافسة جادة مع فن الرسم، الذي بدأ يتحرر، على أعتاب القرن العشرين، من عقدة التطابق الشكلي. كما جمعت كل خصال الوثيقة الدامغة، إضافة إلى المصداقية، وعدت أشبه بنقيض لكل ما يدخل في نطاق التأويل. واحتلت مكان الصدارة وعدت النص-الوثيقة الأكثر دقة وأمانة في نظام النصوص في بداية القرن العشرين باعتراف الجميع من الخبراء الجنائيين إلى المؤرخين والصحفيين. أما بالنسبة للثقافة اليومية فقد عدت الفوتوغرافيا اكتشاف وسيط جديد استخدمت كأداة لإحياء الذّاكرة.
تتشكل للمرة الأولى صورة العالم الخارجي بصورة آلية، دون تدخل خلاق من طرف الإنسان، وكما يقول الفيلسوف ستانلي كافيل: التصوير الفوتوغرافي يحافظ على حضور العالم من خلال غيابنا منه.
يمكن تلخيص ثلاث خواص حاسمة لصورة (الفوتوغرافيا) ، مهدت بشكل غير مباشر لاختراع صورة (السينماتوغرافيا):
- استنساخ الواقع الخارجي.
- إعادة إنتاج الصور المستنسخة.
- تداول الصور الفوتوغرافية جماهيريا ونشرها.
يقف التصوير تقنيا على منعطف إجراءين متميزين من بعضهما تماما،أحدهما يتبع النظام الكيميائي: فعل الضوء في بعض الماهيات، والأخر يتبع النظام المادي: تشكيل الصورة من خلال جهاز بصري.
ويلاحظ بارت أن الفوتوغرافي هو حصيلة ثلاثة نشاطات: فالفاعل هو المُصوّر ، والمشاهد، هو نحن جميعا الذين ننقب في الجرائد والكتب والبومات الصور وفي السجلات وفي مجموعة الصور والمَرجع الذي يُصوًر. والغريب أن الناس غالباً ما كانوا، قبل اختراع الفوتوغرافيا، يتحدثون عن وجود نسخة ثانية من الإنسان.
وتعد كل صورة شهادة حضور (…) وإذا جئنا إلى وجهة النظر الظاهراتية في التصوير فستجد ان سلطة التوثيق تعلو على سلطة التمثيل، لأن جوهر التصوير يرتبط ارتباطا ما مع الثقب الصغير الذي يُنظَر من خلاله ويضع في المنظور ما يرى أن يستحوذ عليه وأن يباغته.
أما سوزان سونتاغ ، الناقدة والروائية الأميركية، صاحبة كتاب “حول الفوتوغرافيا” الذي تشكل نصوصه عن الفوتوغرافيا أساسا لمرجعية الباحثين في العصر التقني الحديث، فقد نشرت عن بارت دراستين في New Yorker الأولى “في ذكرى بارت” في العام 1980 والثانية “الكتابة لذاتها” في عام 1982 واعتبرته مأخوذا في التصنيف بابتهاج، واللعب بجدية العقل وأكثر اهتماما في منح الثناء ، وتقاسم عواطفه.
ترى سوزان سونتاغ أن التصوير الفوتوغرافي: “يعني الاستحواذ على الموضوع المصور، ولا تبدو الصور أشبه بأخبار عن العالم، إنها قطع، منمنمات من العالم، تكتسب قيمة، تُشترى وتُنقل ويًعاد إنتاجها. بوسع كل امرئ أن يصنعها أو يقتنيها، يصغرها أو يكبرها، يقصها أو (يروّتشها)، يتلاعب بها أو حتى يزورها. إنها تلصق في البومات وتبروّز وتوضع على مائدة أو تعلق على حائط أو تعرض كدياس، تطبع في الصحف والمجلات وتحفظها الشرطة في ملفات، وتعرض في المتاحف”.
وكأن بارت يعقب على سونتاغ: “لقد دفع بعض من ينتمون إلى الكومونات حياتهم، إرضاء للذات في الوقوف أمام المتاريس لأخذ صورة ، وإنهم عندما هُزموا، عرفتهم الشرطة ، فاعدموا جميعا ، على وجه التقريب، رميا بالرصاص”.
- المصادر
- رولان بارت. غرفة التظهير حاشية على التصوير. ترجمة د. منذر عياشي. دار نينوى للدراسات والنشر والتوزيع دمشق /سورية 2017
مصادر يمكن الرجوع إليها”
- تنتين باندوبولو. الفوتوغرافيا والسينما. ترجمة د. وجدي كامل صالح. كتاب الرافد 16. دائرة الثقافة والإعلام/ الشارقة 2001
- هيرمان ليبر. الصورة كوسيط بين الموضوع والذات. جامعة ريغينسبورغ معهد للتربية الفنية 2002
- رولان بارت ” الغرفة المضيئة: تأملات في الفوتوغرافيا” . ترجمة هالة نمر. .المركز القومي للترجمة. 2010
- قيس الزبيدي. الفيلم التسجيلي- واقعية بلا ضفاف. وزارة الثقافة الفلسطينية رام الله /فلسطين- 201
6 -Susan Sontag
On Photography
Paperback, New Edition
Published 1979 by Penguin (first published 1973)
May 15, 1980 Issue ،April 26, 1982 Issue
WRITING ITSELF: ON ROLAND BARTHES By Susan Sontag The New Yorker
Über Photographie
Fischerverlage Taschenbuch frankfort am Main 2008