على حافة الرصيف
الدولة العراقية وما حلّ بها.. فهل من علاج؟
عصام الياسري
منذ غزوه لازال النهب المنظم لثروات العراق من قبل المتعهدين السياسيين والمسؤولين من حملة الجنسية المزدوجة ذوي الأصول العراقية، الذين جاء بهم الاحتلال الامريكي ليحكموا العراق كأدوات لتنفيذ مخططاته السياسية والستراتيجية. وشارك بمحفل النهب والاحتيال الحر دول اجنبية واقليمية طامعة، شاركت في تطبيق القضم الجيوبوليتكي للعراق، وتجريف اقتصاده وقدراته العسكرية، التي القت بظلالها على الأمن القومي الذي فقد تماما. وكان الحاكم ” بول بريمر” سيئ الصيت قد اصدر في أيلول 2003 قوانين تحظر فرض العديد من التعريفات الكمركية، ووضع سقفا لضريبة الشركات والدخل، بالكاد ان تكون. وباشر في خصخصة الصناعات المملوكة للدولة العراقية وبيعها بأثمان بخسة، مع أن اتفاقية “لاهاي” لعام 1907 حول الأنظمة المتعلقة بقوانين الحرب وأعرافها حيال الأرض، تمنع المحتل من بيع أصول وموجدات البلد المحتل. وفي أب 2003 قرر رئيس لجنة تطوير القطاع الخاص في العراق “خصخصة جميع المشاريع التي تملكها الدولة العراقية في غضون شهر”، وعندما قيل له بان ذلك مخالف للقانون الدولي رد قائلا (لا آبه لشيء من هذا القبيل ولا أقيم وزنا له فقد تعهدت للرئيس بان اخصخص مشاريع الأعمال في العراق).
من جانب آخر خضع العراق لأبشع إبادة بشرية وثقافية قادتها أمريكا وإيران واسرائيل، من خلال قتل العلماء والاكادميين والمهندسين والأطباء والضباط وتهجير عوائلهم، وجرى تمزيق غالبية الطبقة الوسطى لملئ الفراغ من قبل الشركات ودوائر المخابرات الأجنبية وبشكل خاص الايرانية، وجرى تفكيك النسيج الاجتماعي العراقي لتحقيق الأمن السياسي لاصحاب السلطة واحزابهم الحاكمة في العراق. وجرت حملات التصفيات الجسدية المنظمة بحق المناوئين للطبقة الحاكمة وممارساتها وفق الأجندات الإقليمية، واصبح الضحايا يخضعون لمعايير الحياة المهدورة. فيما تقدر أعداد المهجرين الذين اقتلعوا من منازلهم عنوة ضمن حرب التغيير الديموغرافي وفق إحصائيات الأمم المتحدة بعدة ملايين عراقي داخل العراق وخارجه. ويعد هذا أضخم وأبشع هجرة لشعب في الشرق الأوسط، وغالبية المهجرين شيوخ ونساء وأطفال وشباب، وقد صنفتهم مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة كضحايا الإرهاب السياسي والتعذيب الجسدي والعنف الجنسي وبطش المليشيات الطائفية والقوات الحكومية.
ويلاحظ انهيار النظام الرسمي للدولة ومؤسساتها أمام إرهاب القوة والإرهاب السياسي، خصوصا أذا علمنا أن مرتكبي تلك المجازر والجرائم لم يتم مسائلتهم وفق معايير القانون الجنائي الدولي والقانون العراقي، ونجد القتلة في أعلى هرم السلطة وأروقتها السياسية يتمتعون بحصانة غير قانونية من قبل بعض المتنفذين في مؤسسات الدولة الذين ينتمون للاحزاب السياسية الماسكة بالسلطة. الى ذلك فقد أهدرت الحكومات المتعاقبة منذ احتلال العراق ما يقارب تريليون دولار من مداخل العراق من النفط والضرائب والاستدانة والهبات المانحة على تجارة الأمن والسجون بعد تعزيز العوامل المغذية لصناعة الإرهاب، ولم ترتقي السلطة في أدائها الداخلي والخارجي إلى المستوى المطلوب لبناء الدولة العراقية ومؤسساتها. وإذا ما قيس فرق مستوى الأداء 15% عن ما كان سابقا 60%، نخرج بمقدار 4 أضعاف اقل، ونجد حاصل التكلفة الترليونية مع الحقبة الزمنية للاحتلال وآثاره بالارتباط مع مستوى كفاءة الدولة، نحصل على رقم الخسائر بنسبة 13حقب زمنية تراكمية لبناء الدولة، اي كلفة تدمير الدولة العراقية تعادل 52 ترليون دولار، اضافة الى الضحايا العراقيين بمقدار مليوني عراقي حتى هذا اليوم. فيما اتسع خراب البنى التحتية والمنظومة الاجتماعية، وتعرضت القاعدة الاقتصادية الى التفكيك، ودولة العراق على حافة الانهار. والجميع يترقب نهاية الفصل الاخير من الدراما، تاخذهم غفوة مستحبة!