علي كريم عبيد ـ المخرج ليس إعلامياً والمنصّات توفّر المُشاهدة لكثيرين
علاء المفرجي
يُقيم علي كريم عبيد، الممثّل وكاتب السيناريو والمخرج العراقي، في ألمانيا. تخرّج من “أكاديمية الفنون الجميلة”، جامعة بغداد مخرجاً مسرحياً، ثم غادر إلى ألمانيا طالباً. فيلمه القصير الأول، “حسن في بلاد العجائب”، عُرض في مهرجانات سينمائية عدّة. ثمّ أنجز فيلماً قصيراً آخر؛ “أبراهام” “، عُرض في مهرجاني Odense وInterfilm.
تتناول أفلامك موضوعاً يكاد يكون واحداً: الحرب على الإرهاب، وتداعياتها. ألا تعتقد أنّ هناك مواضيع أخرى مهمّة تستحق المعالجة؟
حقيقة، أفلامي القصيرة تركّز على العنف بصورة عامة، مع اعتبار أنّ الارهاب أحد أكثر وجوهه دموية. أشير إلى أنّي كنتُ منتمياً إلى الجماعة العراقية “لا عنف”، وحاولت أنْ أعكس التوجّه اللاعنفي، خصوصاً في فيلمي الأول، “حسن في بلاد العجائب”، الذي يُبيّن كيف ينشأ العنف عند الأطفال من خلال الألعاب.
أعتقد بوجود مواضيع كثيرة أخرى، بدليل أنّ فيلمي القصير الجديد يبتعد كلّياً عن العنف والحرب، إذْ يتطرّق إلى موضوع سلب التكنولوجيا لوظائفنا. سأنتهي قريباً من عمليات ما بعد الإنتاج.
في أفلامك خروج عن المألوف الذي درج عليه زملاؤك الشباب، من حيث التقريرية والمباشرة في إظهار مأساة الحرب، حدّ الوقوع في فخّ التقارير الإخبارية التي تبثّها الفضائيات. هل وجدت في ذلك ضرورة معيّنة؟
ليست ضرورة، بقدر ما أنّه بديهيٌّ بالنسبة إليّ. المخرج السينمائي ليس صحافياً وليس ناشطاً في مجال حقوق الإنسان، ليوصل أفكاره إلى المتلقّي بتقريرية أو بكليشيهات. السينما عالمٌ لا متناه، ومنفتح على كلّ المفاهيم بشتّى أنواعها. لذلك، أرى من واجبي كوني مخرجاً أنْ أجعل المتلقّي يُفكّر أبعد، بطرح أفكار خارجة عن المألوف، وتُثير القلق في داخله.
أدرك تماماً وعي المتلقّي، وأحبّ استفزاز مسلّماته. لذلك، أبتعد عن التقريرية والمباشرة وتقديم أجوبة مقولبة له. أفلامي أسئلة لا أعرف أجوبتها، ولو عرفت لما صنعتها. لذا، أبحثُ مع المتلقّي عن أجوبة مع انتهاء الفيلم نهاية مفتوحة، تتقبّل تأويلات عدّة. ينتهي الفيلم، وتبدأ الأسئلة.
أعرف أنّك منشغل الآن في فيلمٍ طويل. ماذا عن فكرته وموضوعه؟
إنّه “المترجم العربي”، ويتحدّث عن حسن، الشاب المسرحي العراقي، الذي ترك الحرب الأهلية تشتعل في بغداد، بعد حصوله على منحة دراسة في برلين لإكمال دراسة المسرح. يبدأ حسن حياة جديدة هناك، بعيداً عن الحروب التي عاشها في العراق، وعن كل شيء يكرهه فيها. عزل نفسه، وابتعد عن كلّ ما يذكّره بالماضي. كلّ شيءٍ جرى بحسب ما خطط له. لكنْ، بعد التخرّج، لم يجد عملاً في اختصاصه كممثل مسرحي. بحسب القانون الألماني، يتوجّب عليه العودة إلى العراق. الاستثناء الوحيد الذي يُبقيه في ألمانيا، يتمثّل في عمله مترجماً، بين العربية والألمانية، مع اللاجئين العرب في دائرة الهجرة. بعدها، تبدأ قصص اللاجئين، التي يترجمها حسن، بجرّه إلى الماضي الذي هرب منه دائماً.
هذه فكرة الفيلم، باختصار. الباقي تُشاهده في الفيلم، المنتج بشكل مشترك بين العراق وقطر وألمانيا والسعودية وفرنسا. يُعالج الفيلم كيف بدأت أوروبا تتحوّل سياسياً إلى حيوان إقليمي. هذا النوع من الحيوانات لا يقبل الآخر في الأقاليم التي يُسيطر عليها، لإيمانه بأنّها له وحده، لا يُشارك أحداً بها.
للأسف، أصبحنا سياسياً كهذه الحيوانات، لا نقبل الآخرين في دولنا، ونبني جدراناً لصدّهم، لأنّنا مؤمنون بأنّ دولنا أقاليم لنا وحدنا فقط.
هل سيكون الفيلم في السياق نفسه لأفلامك القصيرة؟
لا أتمنى ذلك، لأنّي أحاول مواكبة تطوّر الأحداث حولي. من جهة أخرى، تختلف آلية صنع فيلمٍ طويل عن آلية صنع فيلمٍ قصير، كما تعلم.
هل ستتعامل مع فريق عمل عراقي في جديدك هذا؟
فريق العمل سيكون ألمانياً، ومن دول أوروبية أخرى. البعض عمل معي في أفلامي القصيرة، والبعض الآخر أعجبت بعمله عند مُشاهدتي أفلاماً عمل فيها.
هل ساعد وجودك في ألمانيا على إنجاز هذا المشروع، إنتاجاً وتمويلاً؟
بالتأكيد، خصوصاً أنّ الجزء الأكبر من تصويره سيكون في برلين. من ناحية أخرى، السوق الأوروبيّة لصناعة الأفلام مُتقدّمة كثيراً عن العالم العربي. هناك محاولات مهمّة في المنطقة العربية لدعم السينما، كـ”معهد الدوحة للأفلام” الذي بدأت منه بعد حصولي على دعم تطوير السيناريو، ومشاركتي في ورشة كتابة الأفلام في الدوحة، مع كتّاب ومُدرّبين عالميين. كذلك، هناك “الهيئة الملكية للأفلام” في الأردن، و”مهرجان البحر الأحمر” في السعودية. كلّها تجارب مهمّة. لكن، نطمح إلى مزيد من الدعم، خصوصاً في العراق، لأنّ صناعة الفيلم المستقلّ عملية حسّاسة وطويلة جداً.
ما رأيك بالمشهد السينمائي في العراق، وتوجّه الشباب، بهذا الشكل، إلى فنّ السينما؟
لا يوجد مشهد سينمائي عراقي واضح المعالم، بل محاولات فردية للمخرجين أنفسهم. بالنسبة إلى الأفلام القصيرة، يُمكن تقبّل هذا الأمر. لكنّ الفيلم الطويل، كما ذكرتُ، عملية صعبة للغاية، والمخرجون العراقيون يحتاجون إلى الدعم، خاصّة الحكومي. كلّ دول العالم، بما فيها دول جوار العراق، تخصّص من ميزانياتها، كلّ سنةٍ، مبالغ لصنع أفلامٍ طويلة، إلاّ في العراق. هناك محاولات، لكنها خجولة. نطمح إلى نهضة سينمائية، على غرار قطر والأردن والمغرب.
ما أبرز المعوقات التي تواجه السينما العراقية؟
أهمّ المعوقات الدعم المالي، وتطوير الخبرات السينمائية العراقية. أعرف شباباً طموحين في العراق، لكنّهم يفتقرون إلى الدعم والتجربة. السينما صناعة، وكلّ صناعة تحتاج إلى كوادر وطاقات لإدارتها. ما يحزّ فيّ أنّ في العراق شباباً واعين ومتحمّسين سينمائياً، لكنّهم يفتقرون الى البيئة الصحيحة. أتمنّى أنْ يتغيّر الوضع السينمائي العراقي قريباً.