أزمة المياه في العراق فمن المسؤول؟؟ تحول الاراضي الزراعية من اراضٍ خصبة ومنتجة الى اراضٍ قاحلة
عصام الياسري
ليس الحدود الجغرافية العراقية، ارضا وجوا وبحرا، تتعرض للاستباحة فحسب. بل ان مياه العراق كافة، تتعرض من قبل دول الجوار تركيا وايران والكويت على مدى ستة عقود للاغتصاب والكوارث البيئية دون موقف وطني حازم، بسبب ضعفه العسكري وافتقار الحكومات المتعاقبة للمشروع الوطني وتناحر القوى والاحزاب السياسية على السلطة بدل الارتقاء بالمسؤولية الوطنية، والدفاع عن حقوق العراق للمياه، التي لم يتجرأ احدا حتى نهاية الحكم الوطني لثورة تموز التجاوز عليها وتعريض العراقيين للعطش والواحات الزراعية تتحول الى صحارى.
ربما تكون ديالى أبرز مثال على العطش الكبير الذي يهدد العراق. البلد، الذي يغذيه نهرين عظيمين “دجلة والفرات”، اللذان عليها قامت حضارة وادي الرافدين، التي عرفت بأول حضارة بشرية منذ آلاف السنين.
سنة بعد أخرى من الجفاف المميت وعناد جارين مشاركين بالجفاف سوف يعني بانه لن تكون هناك كمية كافية من المياه بمتناول اليد. فكل من تركيا وايران عملا على بناء السدود وتحويل مجرى الانهر والروافد التي تغذي ما يقارب 60% من مناسيب نهري دجلة والفرات تاركين العراق في ازمة شح مياه حادة.
بيد ان التدفقات المائية القادمة من تركيا بهبوط مستمر وصل الى معدل الثلثين، ومن ايران انخفضت بمعدل العُشر عما كانت عليه. وبدل ان تتعاون ايران مع العراق، فقد قامت بتحويل مجرى الأنهر لداخل أراضيها مما سببت ضرر الجفاف”. ويبدو ان الدول التي تسببت بالاضرار وتعريض العراق لازمة المياه، غير معنية، لا بل غير مهتمة لاجراءات وزارة المياه ورفعها شكوى قضائية ضد ايران وطلبها من وزارة الخارجية الاتصال بمحكمة العدل الدولية.
وعلى نحو يائس لم تنفع مناشدات المسؤولين جيران العراق للمساعدة في تخفيف الازمة. على الرغم من توقيع العراق اتفاقية مع انقرة يفـترض من خلالها ضمان قيام تركيا باعطاء العراق حصة عادلة من المياه لتغذية دجلة والفرات. وفي طهران جوبهت المناشدة العراقية بالصمت.
ورافقت شحة المياه تحولات أوسع في المجال البيئ البيئي، ارتفاع درجات الحرارة في العراق، وكشفت منظمة، بيركلي ايرث Berkeley Earth، الأميركية المعنية بعلوم التغيرات المناخية بان درجات الحرارة في العراق ازدادت بمعدل الضعف عن المستوى العالمي. ويحتل العراق المرتبة الخامسة ضمن قائمة الأمم المتحدة للبلدان الأكثر تعرضا لتأثيرات التغير المناخي. ويشير البنك الدولي في تقرير له انه بحلول العام 2050 ستزداد معدلات درجات الحرارة بمعدل درجة مئوية واحدة مع انخفاض معدلات هبوط الامطار بنسبة 10% مما قد يؤدي بالعراق لفقدانه خمس موارده المائية المتوفرة. ووفقا لهذه الظروف، فان ما يقارب من ثلث أراضي العراق الزراعية ستحرم من المياه.
هذه الحالة موجودة حاليا على ارض الواقع في ديالى. كل المحافظة تقريبا قد تم حذفها من حصصها المائية ضمن خطة الحكومة الزراعية لمحاصيل الصيف، باستثناء مزارعي محاصيل الحنطة والشعير الستراتيجية. مما اضطر مزارعون هناك للاعتماد على ما يقارب من 200 بئر لإرواء بساتينهم العطشى وكذلك ارواء عطشهم أيضا. وما يدعو للاستغراب ان الحكومة تقطع معوناتها الخاصة بالاسمدة والبذور ومادة الكاز الخاصة بتشغيل مضخات المياه. ورغم انها منعت استيراد أنواع معينة من المنتجات لحماية المزارعين العراقيين، لكنها مع وجود الرشوة عند نقاط تفتيش معابر حدودية معينة، فانها غير قادرة على التعرض لشاحنات محملة بالفواكه والخضروات القادمة من بلدان مجاورة مثل تركيا وايران وما تزال تشاهد عند أسواق محلية، مسببة بتدني المنتجات الزراعية المحلية.
شحة المياه توجه الضربة القاضية للمنتوج الزراعي المحلي..
ان السنوات الثلاث الأخيرة كانت الأشد صعوبة، حيث أجبرت المزارعين على الحفر لعمق 140 قدما للحصول على مياه من الآبار والتي أصبحت
اكثر ملوحة بسبب الضخ الزائد. جعل ذلك محاصيل الفواكه تبدو جيدة من الخارج لكن الثمرة من الداخل جافة ولم تكن فيها قطرة عصير. وينفق المزارعون اموالا كثيرة لحفر الآبار ووضع المضخات ومد خراطيم المياه، ولكن كل ذلك دون جدوى. فاصبح أغلب المزارعين يعانون من قلة المحاصيل والموارد لتأمين حياتهم ومستقبل اراضيهم. مما اضطرهم للتخلي عن خططهم غير المثمرة بالكامل، فاصبحت العديد من القرى بدون سكان.
وبسبب شح المياه وقلة العشب وتجاوز درجات الحرارة الخمسين مئوية. فقد رعاة الغنم الكثير من مواشيهم مما اضطرهم الى بيع المتبقي باسعار زهيدة. فالأرض التي يملكها اصحاب الغنم للرعي كانت وافرة العشب. الان ارض قاحلة، والبرك المائية التي كانوا يعيشون قربها جفت وباتوا بلا رواتب ولا أي موارد تذكر.
ان هبوط منسوب المياه لسد دربندخان الذي يبعد بمسافة 80 ميلا شمال شرقي ديالى على امتداد نهر سيروان، تعكس ازمة المياه وصعوبة تنظيم تدفقات مياه النهر لمزارعين المناطق البعيدة نزولا الى البصرة جنوبي العراق. ومن المفترض ان يحصل العراق على ضعف الكمية من ايران، التي تسيطر على 70% من مخزون السد، والتي حفرت مؤخرا قناة بطول 29 ميلا لتحويل مجرى المياه عن نهر سيروان. ما أدى ذلك، فضلا عن قلة هطول الامطار، الى تراجع مناسيب السد بمعدل الخمس، والى تدني “منسوب مياه السد” بشكل لا يطمئن، وأثرعلى مستوى المياه التي كانت سابقا بشكل يدعو الى القلق ما لم تتخذ الاجراءات وتحرك العراق بجدية للمطالبة بحقوقه المائية التي تنص عليها المعاهدات والقوانين الدولية.. المثير حسب رأي موظف إيراني يعمل في مجال الموارد المائية لدى وزارة الطاقة الإيرانية، قوله “لا اعتقد بان الشكاوي العراقية ودعواتهم لمقاضاة ايران هي عادلة. ليس لديهم موقف قانوني في المحاكم الدولية لان كل المشاريع المنفذة في ايران تقريبا شهدت تدفق مياه كافية داخل الأراضي العراقية”. لكنه قال ان إيران “تتملص عن مسؤوليتها”، حسب المصادر المنشورة له في وسائل الاعلام. فما هو فعلا الموقف الرسمي العراقي وما النتائج غير الوهمية؟. والى متى يبقى العراق الطرف المفعول به بسبب تضارب المصالح الداخلية والخارجية؟.