وجهات نظر عن منصب رئيس الجمهورية !!
كريم الاسدي
الى جنب حروب الأسلحة التي تجرح وتميت وتخنق وتقتل الحياة في الأجساد هناك الحروب التي تشل الأرواح وتحطّم المعنويات وتبلبل النفوس ، وفي اعتقادي ان النوع الأخير من الحروب على المدى البعيد أخطر اذ انه يحوّل الشعوب الى خدم للمنتصر وعبيد للمهيمن ..
القيادة ، قيادة الدولة وقيادة الشعب ـ على صعيد مكنونات الأشخاص ـ مهمة جداً في كل دولة ونظام حكم حتى لو كان هذا النظام ديمقراطياً حقاً ويمثِّل حكم الشعب فعلاً .. لذا فانتقاء شخصيات القادة مهم جداً ، وعلى الأخص في المناصب العليا في الدولة مثل منصب رئيس الجمهورية و رئيس الوزراء و رئيس البرلمان وشخصيات الوزراء أيضاً ..
منذ فترة ونحن نعيش ظاهرة تولي شخص كردي لمنصب رئيس جمهورية العراق .
لا اعتراض ان يكون للعراق رئيس كردي أو تركماني أو كلداني أو أشوري أو عربي ، فهؤلاء أبناء الشعب العراقي ومكوّناته قبل ان تدخل كلمة مكونات في غيمة غبار ( العملية السياسية ) .
التوجه الوطني العراقي مهم لرئيس جمهورية العراق أو رئيس وزرائه أو برلمانه .. واذا كان من الصعب ايجاد جهاز قياس للتوجه الوطني وصدقه ، فمن الممكن ان نحتكم للتاريخ الشخصي والسياسي للشخص المرشح قبل ان يتبوأ المنصب ، بل وحتى بعد حصوله على المنصب .
تعودنا بعد الاحتلال في العام 2003 ان يكون رئيس الجمهورية كردياً وعلى الأخص من التيار المسمى الاتحاد الكردستاني ، حزب جلال الطالباني ، وجلال الطالباني نفسه كان أول رئيس كردي للعراق .. أما الآن فيزاحمهم الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يقوده البارزاني وقد رشح هوشيار زيباري وزير المالية السابق المتهم بالفساد المالي ، ورُفض ترشيحه ، وهاهو حزبه الآن يرشح احد أعضائه المُسمى ريبر أحمد والذي يشغل حالياً منصب وزير داخلية كردستان . السؤال المشروع واللازم طرحه : هل يجوز ان يكون رئيس جمهورية العراق الموحد شخصاً ذا توجهات انفصالية وتابعاً الى حزب يريد فصل كردستان العراق عن العراق وتأسيس دولة كردية مستقلة .. نحن هنا لا نريد مناقشة مطلب تأسيس دولة كردية مستقلة عن باقي العراق في كردستان العراق.. فهذا موضوع آخر ، وللحوار أوقاته ، والآراء تُحترم. انّما نريد ان نقول ان مَن يتولى منصب رئيس جمهورية بلد ، أي بلد ، يجب ان يكون مخلصاً في الحفاظ على وحدة البلد وحريصاً عليها ، ولا يجوز له ان يكون منتمياً وفاعلاً ، بل وقيادياً في تيار أو اتحاد أو حزب ينادي بفصل جزء من البلد الواحد الأُم عن البلد وتأسيس دولة أُخرى جديدة فيه مستقلة تماماً عن الدولة الأولى ..واذا تولى هذا الرئيس الانفصالي في تاريخه السابق منصب الرئاسة للبلد كله رغم كل شيء ففي المسألة اذاً اِشكال أخلاقي وسياسي معاً ، وحيث يتناقض الرئيس هنا أول ما يتناقض مع ماضيه الشخصي و ضميره ومبادئه وقناعاته ، وحيث يبدو مثل المكلَّف أو المدفوع لآداء مهمة لا تتوافق مع تربيته الحزبية والمبادئ التي تربى عليها.. وفي هذا الأمر كيدٌ ومكرٌ وخداعٌ وضحكٌ على الذقون واستهزاء بالشعب كله وبالرئيس نفسه .. يبقى الرابح الوحيد هنا هو محرِّك خيوط اللعبة أو مدير المسرح .. ونحن لا نريد ان يكون وطننا ملعب ساسة ومخططين ، ولا نريد ان يكون شعبنا مسرح دمى حيث يختلط الجِد بالهزل ، والمعقول باللامعقول ، والرصانة بالسخرية ، فنصبح مدرسة لتجريب الأساليب النفسية في ترويض وتدجين الشعوب حتى حالة الفقدان الكامل لأي ارادة وأي ممانعة وأي رغبة في ابداء رأي آخر ، وحيث يحكمك في العلن نائبُ الحاكم الحقيقي الذي توارى في السر وبعيداً وراء كواليس المسرح بينما الخيوط كلها رهن يديه..
لا أعرف حقاً ولا أستطيع ان أفهم كيف يكون سياسي من حزب قومي كردي رئيساً لجمهورية العراق الموحَّد وهو الذي أمضى شبابه وشطراً كبيراً من حياته وهو يطالب بفصل كردستان عن العراق ولم يكف عن هذا السعي في العلن الّا لرغبته ان يكون رئيساً لجمهورية العراق كله ؟!..
هل نتحدث هنا عن انسان سوي لديه ذاكرة سليمة ويحترم قناعاته وأفكاره وتاريخ حياته ؟! ثم هل هناك حقاً عملية سياسية حين نحاول ربط المفهوم اللغوي بالواقع المعاش منذ العام 2003 ، أَم في الحقيقة هناك عملية هدم وموت وبيع مستقبل وسيادة وطن في لعبة يشترك فيها طرفان هم أصدقاء وحلفاء: السيد.. من جهة وعملاؤه من الجهة الثانية ،والمضحوك عليه هو شعب كامل نفترض فيه الذكاء والعراقة.. لا أعتقد اننا سنسلم من حساب التاريخ والأجيال ان سكتنا واكتفينا بالمراقبة والصمت ، هذا اذا سلمنا من حساب الضمائر .. بول بريمر قائد العملية السياسية واستاذهم الأكبر حكم العراق ومضى تاركاً خلفه ثقباً مريعاً في الخزينة العراقية مقداره 8, 8 مليار دولار أي حوالي 9 مليار دولار ، وذلك باعتراف المشرفين على الأمور منهم ، وهذا المبلغ يعادل الميزانية السنوية لدولة من الدول النامية .. بينما يذهب طفلٌ أو شيخ ٌعراقي أو أرملةٌ عراقية يبحث عن زاده في براميل القمامة في شوارع المدن العراقية .. هؤلاء الذين أتوا عن طريق الوضع الذي يسمّونه ب ( العملية السياسية ) يحاولون الضحك علينا بهذا التعبير المُترجم والمنقول عن الأسياد والذي نتوقع ان أصله كان قد جاء به الحاكم بريمر.