تشكيل الحكومة الجديدة في حلبة المصارعة.. فما النتيجة المنتظرة؟
عصام الياسري
يثير انتظار تشكيل الحكومة العراقية الجديدة منذ اعلان نتائج اجراء الانتخابات الاخيرة 2021 ، انتهاءً باحداث الجلسة الاولى للبرلمان العتيد وانتخاب رئيس المجلس ونائبيه بحضور اكثر من ثلثي النواب المنتخبين ومن ثم تقديم شكوى للمحكمة الاتحادية لحسم الموقف القانوني من النتائج، العديد من التساؤلات والجدل والصراعات بين الاحزاب والكتل السياسية التي تتقاتل لبقاء التوازن التوافقي ـ الطائفي وعدم إعادة هيكلة الدولة العراقية. ومن جانب آخر بين الاوساط العراقية التي تنشد تغيير النظام السياسي بالكامل وتأسيس دولة المواطنة والقانون. دولة في ظلها يبدأ عهد جديد ينتج حكومة وطنية من أصحاب الكفاءة والنزاهة، بغض النظر عن ميولهم السياسية والعرقية والعقائدية، وبذلك تنتهي محاصصة توزيع المناصب والامتيازات على اساس طائفي وعرقي بين الكتل والاحزاب المهيمنة على السلطة منذ عقدين.
العراق الذي يعيش انقساما بين الاحزاب الشيعية وقيادتها داخل السلطة وخارجها لاجل الغنائم، كشف عن زيف تجربة النظام الطائفي ـ التوافقي وفشله الإداري المزري، فضلا عن اتساع رقعة الانقسام الداخلي وتقويض الإنجازات الوطنية، الصناعية والعلمية والمجتمعية الموروثة، فاصبح عاجزا عن صد التهديدات المختلفة القادمة من المحيط الاقليمي والدولي.
بعد سقوط نظام صدام عام 2003 جاء الاحتلال بنظام لم يعهده العراق الحديث منذ تاسيسه، اذ أقر معادلة سياسية لم تشهدها اي دولة الا لبنان، وهو تأسيس نظام طائفي ـ توافقي اخضع السلطات الثلاث للدولة حكرا للشيعة والسنة والاكراد. واذا ما افترضنا ان لبنان استطاع استيعاب هذا الشكل من نظام الحكم واحتوائه بقدرة قادر لتجاوز محنة الحرب الأهلية في ثمانينات القرن الماضي ولغاية اليوم. فهل ستنجح التجربة على المدى البعيد في بلد كالعراق، تتعايش فيه منذ عهود مجتمعات ذات ثقافات متنوعة ـ متصاهرة، تتعارض مصالحها المشتركة قبول نظام متخلف هكذا. والعراق في محيطه العربي، منذ تأسيس الدولة العراقية، قولا واحداً، لم تتجرأ حكوماته المتعاقبة إقامة نظام رجعي، تشوبه مظاهر الحساسيات الدينية التاريخية والطائفية، او جعل مناصب الدولة العليا على اساس العقيدة والعرق، بدل مبدأ الانتماء للعراق وكيانه الجيوديموغرافي “ارضا وشعبا”. ومنذ تاسيس الدولة العراقية ايضا، ليس مهم ان تناط مهام الدولة مهما كان شأنها باي مواطن عراقي كفوء، يؤمن بعراقيته ورفع شأن بلده في المحافل الدولية بغض النظر عن انتمائه السياسي او الطائفي او القومي. غير ذلك، وفقا للمباديء الاساسية ـ الدستورية والقانونية والاخلاقية، لا يجوز لا في العراق ولا غيره، تكليف اي حزب او فرد يعبر كمسؤول على الدوام وفي العلن، عن حلم الانفصال وعدم اعترافه بإنتمائه للبلد الذي انجبته امه، او متهما بالفساد واختلاس أموال الدولة أو ارتكب جرما غير اخلاقي. تسلم منصب سيادي او وظيفة حساسة في الدولة وكياناتها. “رئاسة الجمهورية ـ وزارة الخارجية ـ الامن والجيش والشرطة “، لاعتبارات مصيرية. العراق يجب ان لا يكون مثالا سيئا لحالة كهذه تهدد امنه ومصالحه للخطر. قطعا كما تعمل به الدول المتقدمة.. (اقتبس: نحتاج إلى تكريس مبدأَين مُهمين وضروريَين لأي أمة تبحث عن الإصلاح وسيادة القانون والعدالة والمساواة بدون تمييز على أساس ـ أن لا أحد أكبر من الوطن ولا أحد فوق القانون./ الكاتب عرفان نظام الدين )
ان تجربة نظام المحاصصة الطائفية ـ التوافقية، لم تثبت وعلى كافة المستويات الوطنية والمعنوية منذ 2003 ولغاية اليوم جدارتها. فالاحزاب الشيعية وميليشياتها لا تتعامل مع العراق الا من منظور جغرافي تابع لدولة ولاية الفقيه، بالاضافة الى تعاملها بما يتعلق بمفهوم السياسة بقوة السلاح. وقادة أغلب الاحزاب السنية مرتبطون عقائديا وسياسيا بدول الجوار مثل السعودية وتركيا. فيما الاحزاب الكردية، سيما الوطني الديمقراطي والاتحاد الوطني، فمواقفهم واضحة فيما يتعلق بالسياسة العامة للدولة العراقية. ينظرون لمصالحهم القومية على ان لها أولوية اهم من مصالح العراق على قاعدة “اربيل واقليم كردستان اهم من بغداد، فيما الامر يتعلق بالكرد”، كما وان مشاركتهم بالحكومات المتعاقبة، ليست الا وسيلة لتحقيق مآربهم الانفصالية والاقتصادية الانية، التي لم يحصد الشعب الكردي المغلوب على امره منها اي ثمرة سوى الويل والثبور.
انه لمن المؤسف، شعب اقليم كردستان العراق يعيش في الماضي، يقتات على سمعة كاذبة، معزولا عن الحقائق بسبب هستيريا الدعاية القومية الزائفة التي يمارسها مناصري ومستشاري كل من حزب “برزاني” وحزب “طالباني”. وقد يلتمس الأكراد مجبرين العذر لقادتهم بسبب محنهم المعيشية والمجتمعية، لكنهم كانوا يأملون في مستقبل أفضل منذ عهود ولكن دون جدوى، حالهم حال باقي العراقيين بمختلف اجناسهم.
ان سكوت الحكومات العراقية المتعاقبة خلال كل هذه الفترة عن هذه الاوضاع وعدم معالجتها ووضع الحلول الجدية، دلالة على تواطؤ جميع الاطراف السياسية والقبول بها لاسباب منفعية ومصالح وغايات فئوية. كما ويعتبر تقصيرا واضحا من الحكومات المتعاقبة منذ العام 2003، في إداء واجباتها المنصوص عليها دستوريا.. في دول متحضرة غير العراق، تتحمل الاحزاب والكتل السياسية مسؤولياتها الدستورية والقانونية والاخلاقية لمحاسبة الحكومة عن اي تقصير وقد تعتبره تعديا صارخا على السيادة الوطنية.