على حافة الرصيف
عصام الياسري
في وضع سياسي معقد ونظام حكم طائفي راديكالي ما زال حال العراق كما هو، ويبدو ان ما بعد الانتخابات الاخيرة وما يحيطها من جدل وآراء متباينة، سوف لن يطرأ تغيير في مواقف القوى المتصارعة على السلطة. ولن يسود العدل والقانون ولن تنتهي الفوضى والمناكفات السياسية، ولن يتوقف تعرض حياة الانسان للخطر وانتهاك حقوقه. واذا كان ثمة عقل يفكر بالتغيير السياسي الشامل، فليس هناك في واقع الحال مع مرور اكثر من 18 عاما على تجربة سياسية ونظام حكم طائفي مرير، سوى “خيار الثورة الشعبية” لانهاء سلطة الفساد والظلم والمحن التي لا تنتهي. اذ ان الصراع الطبقي القائم بين طرفين متناقضين في المواقف والفكر والممارسات والمناهج والرؤى، بين من ينظر لمستقبل منير، ومن ينشد الظلامية والجهل، سيدفع بحتمية الى ذلك الخيار. ان سلطة شللية ـ طائفية شوفينية لا تنظر الا لمصالحها الحزبية والشخصية الضيقة، لا يمكن لها تحت ضغط معارضة جماهيرية واسعة مسحوقة، همها الاصلاح والعدالة الاجتماعية وتحقيق السلم الاهلي والحفاظ على الوطن وأمنه، ان تستمر لتعبث بمصير الامة والدولة!.
لقد كان قرار الشباب غير المنتمي الى اي جهة سياسية او حزب، النزول الى الشوارع عفوياً دون مطالبة هؤلاء لجهة تتحدث باسمهم، قرارا ثوريا بالمعنى الفلسفي، اتسم وهو “المهم” بموقف ومضمون وطني الهدف والغاية، في مرحلة عصيبة تراكمت فيها مطالب الشعب العادلة دون انجاز يذكر. ان اسباب اندلاع المظاهرات من جديد كما يبدو أمر متوقع، وربما ستؤدي بسبب اضطراب الوضع الى اسقاط النظام برمته، اذ ان المنظومة السياسية لاتزال مصرة على حكومة “توافقية” تضمن مصالحها، بعيدا، عن اي تغيير في طبيعة الحكم ونهجه الطائفي، او وضع حد للازمات المتراكمة منذ ثمانية عشر عاما. فإن عادت هذه المرة “اي الانتفاضة” ستكون بشكل مختلف يرقى الى مستوى الاسطورة الوطنية بعيدا عن الايديولوجيا، لكنها متناغمة موضوعيا مع طبيعة المرحلة وتجاهل السلطة للقانون والمجتمع على حد سواء بشكل يفوق كل التوقعات، وجعل اصلاح ما بعد الانتخابات الاخيرة في اتون المجهول خصوصا وان العراق يغلي على صفيح ساخن.
ان جزئية مفهوم الدولة والسلطة والموقف منهما في ظرف اشتدت فيه التناقضات بين اطراف الصراع خلال الانتخابات الاخيرة، كان من شأنها ان تفضي الى تحول حقيقي في حياة المجتمع ومصير البلد. فالدولة على انها تعني مفهوم “الوطن” قطعا، وليس “الحكومة” كما يعنيه البعض، وجودها وامنها متأصل في جذور ابنائها. أما سلطة تتبجح بديمقراطية زائفة وتقمع شعبها وتسلبه قيمه وحقوقه، فسبيلها مهما اشتد الضيم وطال الزمن سيكون الزوال بالتاكيد. اذن.. الانتفاضة ان قامت، فإنها سوف لن تكون عفوية، انما أشد عمقا واقترابا من موضوعتين هامتين أعادتا الى الواجهة مجددا: ظاهرة النهج الثوري لتحقيق التغيير، وتجلي الموقف الوطني والاخلاقي لتحمل مسؤولية الاصلاح والتغيير .
السؤال؛ هل ستحسم القوى المعارضة للنهج الطائفي موقفها من السلطة دون رجعة وتنحاز للحراك الثوري بمزيد من النضج والمسؤولية الاخلاقية والوطنية بعيدا عن مصالح الاحزاب الفئوية؟ أم انها ستبحث في الاروقة المظلمة عن حلول ترقيعية تعيد للطبقة السياسية الحاكمة تموضعها وتضييع فرصة التغيير من جديد؟ والسؤال الاهم؛ هل ستخضع احزاب السلطة لإرادة الشعب أم تستمر للانقضاض على الحراك بقسوة؟. لتغليب كفة الميزان لصالح التغيير الحقيقي، فلابد من خروج الشعب الى الشوارع في كافة المحافظات لتحقيق تلك المعادلة.. فلننتظر الى ما تؤول اليه الاحداث في قادم الايام ونرى من هو صاحب الشرعية الحقيقية!!