في أي مجال من مجالات النشاط البشري، لا تقل أهمية النوعية عن الكمية. الشيء نفسه ينطبق بصورة كبيرة في مجال التعليم. وبينما نجد النمو العددي يحدث بوتائر مقبولة، لا يرافق ذلك نمو في جانب النوعية وجودة التعليم. وبسبب عدم وجود بنية تحتية مناسبة من حيث مستويات أعضاء هيئة التدريس والمكتبات والمعدات والمختبرات وتكنولوجيا المعلومات، فإن الجودة في التعليم العالي تواجه العديد من العقبات.
ادناه ندرج بعض العوائق التي تعرقل تحسين الجودة في التعليم العالي:
– انتشار الغش والتزوير والانتحال والسرقات الفكرية والشهادات الزائفة.
– تعيين مسؤولي الجامعات على اساس حزبي وسياسي وندرة التعينات المبنية على اساس الكفاءة والمعرفة والخبرة.
– ظلت المناهج الدراسية راكدة إلى حد ما لعدد من السنوات، في حين أن التغييرات والتوجهات في المجتمع تحدث في تتابع سريع.
– إن تطوير نهج الجودة يبدأ دائما بمستوى عالٍ من الإدارة والمعرفة ولكنه غير موجود حاليا بشكل كافٍ في رئيس القسم أو العميد أو رئاسة الجامعة.
– تقييم الأداء دون أي مساءلة يفقد دافع التدريسيين وتتدهور جودة التعليم في نهاية المطاف تدريجياً.
– التدريس التقليدي التلقيني غير المنظم جيدا وغير المصحوب بمهارة عرض قوية يؤثر سلبا على اهتمام الطلاب.
– إضفاء الطابع التجاري على التعليم العالي عن طريق استيفاء اجور، لا سيما من قبل الكليات الاهلية الهادفة للربح، هو السبب في توفير عدد أقل من البنى التحتية للطلاب وعدم كفاية المرافق والحوافز للتدريسيين.
– لسوء الحظ، ليس هناك اهتمام كافي بقواعد الكفاءة المهنية في مهنة التدريس.
– بالنسبة للمتعينين الجدد خصوصا في الكليات الاهلية، يؤثر الراتب القليل نسبيا إلى حد كبيرعلى جودة التعليم الممنوح للعقول الشابة في البلاد. وهذا يؤدي إلى فقدان الحافز والحماس ويدفع الى البحث عن مصادر مالية جانبية.
– العمل البحثي للتدريسي هو أحد العوامل المهمة في رقي الجامعة. يتأثر هذا سلبا بسبب عبء العمل الثقيل في أعمال التدريس والادارة الروتينية وعدم توفر الاموال اللازمة او المنح البحثية من الاموال العامة.
– في الواقع، التدريسيون المتحمسون هم المهندسون الحقيقيون للجيل الذي يدخل سوق العمل بمهارة لحل مشاكل الحياة الحقيقية. لا يجد هؤلاء التدريسيون ضروفا مواتية لتحقيق افضل النتائج.
– الحقيقة الصعبة تتمثل في طريقة القاء المحاضرة السيئة للتدريسيين، حيث يقدم التدريسي نمط تعليمي من نوع التلقين، باستخدام نفس المادة لسنوات وسنوات. هذا يحرم الطلاب من التدريب الأساسي لمواجهة العالم الحقيقي.
– لا يوجد استقلالية في العمل أو مساحة صغيرة من الوقت للعمل بطريقة إبداعية، ولا تمنح اي فرصة للبحث عن معرفة جديدة. حتى التدريسيين الأكفاء محرومون من هذا النوع من الحرية الأكاديمية لتشكيل مستقبل مهني ملائم للطلاب.
– القبول غير العادل في التعليم العالي ووجود القنوات الكثيرة للقبول.
– المجتمع الحالي يتطلب معرفة متعددة التخصصات وهي واحدة من أكثر السمات المفقودة في نظام التعليم العالي الحالي.
– الطلاب الذين أكملوا دراستهم الجامعية ليس لديهم الكثير من فرص في سوق العمل.
ما العمل؟
للتخلص من هذه الحواجز، نقترح على الحكومة تشكيل لجنة وطنية بهدف اصلاح التعليم العالي وإنشاء اقتصاد قائم على المعرفة بالاعتماد على مدخلات فكرية من داخل وخارج البلاد.
مهمات لجنة المعرفة الوطنية بما يتعلق بالتعليم العالي: يتم تشكيل لجنة المعرفة الوطنية كهيئة استشارية رفيعة المستوى لرئيس الوزراء بهدف تحويل العراق إلى مجتمع معرفة. تقدم هيئة المعرفة توصيات في عدة مجالات منها التعليم العالي. وتمنح تفويضا لتوجيه السياسات والإصلاحات المباشرة في مجالات مثل التعليم والعلوم والتكنولوجيا والزراعة والصناعة والحوكمة الإلكترونية. لإلقاء نظرة سريعة، ساقدم بعض التوصيات بما يتعلق بالمرحلة الأولى للتعليم العالي:
– نظام التعليم العالي بيروقراطيا لدرجة كبيرة ولكنه ضعيف اداريا. لذلك هناك حاجة ماسة لتفعيل مجلس التربية والتعليم العالي الذي اسس في ايلول 2016 كوسيلة للتنسيق بين المدارس والجامعات والذي يمكن ان يعمل على تحقيق استقلالية الجامعات (حكومية واهلية) وبحيث يمكن للجامعات الوطنية توفير تعليم بأعلى جودة مع القبول على أساس المساواة الشاملة.
– زيادة معدل الالتحاق الاجمالي بنسبة 20٪ بحلول عام 2025 ومراجعة او إعادة هيكلة المناهج مرة واحدة على الأقل كل ثلاث سنوات.
– يتم تطبيق نظام المقررات على كل الاصعدة في الجامعات الحكومية والكليات الاهلية.
– بدلاً من مجرد الامتحان مرة واحدة في السنة يقر نظام التقييم المستمر.
– استبدال نظام القبول المركزي بنظام حديث مبني على اساس امتحان سيكومتري.
– يجب أن تصبح الجامعات مراكز للبحث الحقيقي ويسهم في حل مشكلات المجتمع والبلاد.
– بذل جهود واعية لجذب أعضاء هيئة التدريس الموهوبين وتشجيعهم من خلال توفير ظروف عمل اكاديمية أفضل مصحوبة بحوافز للأداء.
– ضرورة تحسين المكتبات والمختبرات ومراكز الاتصال المعلوماتي وترقيتها الى وضع افضل وعلى أساس منتظم.
– ضرورة تحرير الجامعات من سلطة الاحزاب السياسية والتدخلات المباشرة أو غير المباشرة من جانب الحكومة، ويجب أن يستند التمويل إلى تقييم الاداء ومقارنة الأقران فقط.
– هناك حاجة ماسة لإصلاح هيكل حوكمة الجامعات ومنحها الاستقلالية الادارية والمالية والاكاديمية.
– تقييم الكورسات والتدريسيين من قبل الطلاب وكذلك تقييم الأقران للتدريسيين من قبل الاساتذة المرموقين.
– تعزيز البنى التحتية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
تحسين جودة الشهادات والبحث العلمي المرتبط بالشهادات
يعتمد تحول البلاد إلى اقتصاد المعرفة والمهارات بشكل حاسم على البحث والتطوير الجاري داخل الدولة، وندرج ادناه التوصيات ذات الصلة لتحسين جودة الشهادات:
– إنشاء مجلس اعلى للتطوير السريع للمهارات اللازمة في التنمية الاقتصادية.
– تمكين البيئات البحثية المسؤولة في الجامعات مثل الوسائط الرقمية، بالتوازي مع الأموال، والمكتبات والمختبرات الأفضل.
– تقديم كورسات مخططة جيدا لمدة سنتين متضمنة تدريب المهارات وفترة بحث لا تقل عن ثلاثة سنوات للبحث لتمكين الحصول على شهادة الدكتوراه.
– تمتين البحث العلمي عن طريق التعاون الخارجي وذلك بجعل التعاون والاشراف المشترك اساسا لبحوث الدكتوراه.
– وضع شروط تعيين مبنية على شهادة دكتوراه متميزة وخبرة بحثية لما بعد الدكتوراه لجذب أفضل العقول الشابة لشغل وظائف في التدريس والبحث على جميع المستويات.
– ضمان إدارة كفؤة يرأسها رئيس الجامعة وعميد الكلية للاشراف على تعيين الكفاءات كمدرسين في الجامعة، ويجب أن تستند هذه التعيينات الى التنافس وشروط المقابلة وإلى أوراق اعتماد أكاديمية وإدارية وتقييم خارجي لزيادة الكفاءة والشفافية في التعينات على جميع المستويات.
– دعم وتعزيز برامج التدريس والبحث متعددة التخصصات، وتعزيز التعاون بين وحدات البحث والتطوير بين الصناعة والجامعات واشتراط ان يكون بحث الدكتوراه مقرونا بحل مشكلة حقيقية تواجه المجتمع والبلد.
– يجب أن تندرج الهيئات التنظيمية الحالية ضمن لجنة وطنية عليا للتعليم العالي والبحث.
– لا تقتصر مهمة الجامعات على نقل المعرفة الى الشباب فحسب، بل تتمثل أيضا في منحهم الفرصة لتكوين معارفهم الخاصة.
– يجب أن يكون الخريجون معرضين بشكل كافٍ لخبرة متعددة التخصصات يمكن أن تحافظ عليهم عندما تتغير متطلبات سوق العمل. ويجب أن تكون المعرفة النظرية مصحوبة بالخبرة العملية.
– للتدريس بفعالية على المستوى الجامعي يحتاج التدريسي إلى مشاركة فعالة في البحث.
– يجب تغيير استراتيجية تصميم وإعادة تصميم المنهج الدراسي، ويجب تغيير نمط التقييم والامتحان واستخدام الممارسات التربوية الحديثة من قبل التدريسيين.
– تطوير المناهج في مختلف التخصصات مثل العلوم الإنسانية والعلوم الاجتماعية وما إلى ذلك بطريقة متكاملة.
– تصميم برنامج توجيه كامل للتدريسيين المعينين حديثا، والذي يجب أن يركز على المناهج الدراسية ومهارات الاتصال والتقييم.
– استخدام أنواع جديدة من تصميم الكورسات للمهنيين مبنية على اساس التعلم في جميع المجالات من الإدارة إلى الهندسة المعمارية ومن الطب إلى الهندسة.
– يجب أن يحصل الطلاب على فرص للتفاعل مع أفضل أعضاء هيئة التدريس بالجامعة، وخاصة من هم بدرجة استاذ.
– يجب أن يتمتع التدريسي باستقلالية كاملة في الأمور الأكاديمية لتأطير مقرره ونظام التقييم.
– تأسيس هيئة اعتماد وجودة مؤسسات التربية والتعليم وان تكون هذه الهيئة مستقلة وخالية من ضغوط القوى السياسية والسلطة المركزية.
– يجب تكثيف حملة توعية حقيقية في الجامعات لمفاهيم واساليب تحقيق الجودة والاعتماد.
– دور التدريسي هو شيء يتجاوز المناهج الدراسية، لذلك يجب عليهم أيضا مشاركة تجارب التعلم الحياتية المختلفة مع الطلاب.
– يجب تشجيع التدريسيين على متابعة العمل البحثي لأنه الطريقة الصحيحة لتطوير المعرفة حول الممارسات الاكاديمية العالمية.
– يجب تطوير خبرة التدريس لسنوات عديدة من خلال التغذية الراجعة المناسبة من التدريسيين الأقران ورؤساء الاقسام، كما يجب إدخال تصنيف التدريسيين من عدة زوايا أخرى لجعلهم قادرين على المنافسة.
– من الضروري جداً تدريب الطلاب حسب حاجة سوق العمل. يمكن تحقيق ذلك من خلال إعادة تصميم المناهج الدراسية في المجالات الأساسية.
– يجب لنظام التعليم العالي الكامل تزويد الطلاب ليس فقط من خلال التخصص أو التخصص الفائق ولكن أيضا بالمعرفة متعددة التخصصات.
– يجب على الكليات والجامعات أن تأخذ زمام المبادرة لتطوير علاقة قوية مع الوزارات والقطاع الخاص لزيادة نسبة التوظيف للموارد البشرية المدربة والمهنية للمجتمع.
– يمكن تقليل حاجز القيود المالية للإصلاح من خلال إقامة اتصال مع المنظمات العلمية العالمية ورجال الاعمال المحليين الذين لديهم أموال كافية قيد البحث والتطوير من أجل النهوض بالمجتمع والبلد ككل.
استنتاج
سيكون من دواعي سروري أن تعتمد وزارة التعليم العالي والبحث العلمي مشروع مبني على هذه الاقتراحات لتجديد وإصلاح نظام التعليم الحالي ولتعزيز التميز في التعليم العالي بهدف المساهمة في نهوض الاقتصاد الوطني. يمكن أن ينجح المشروع بالكامل إذا عملت الحكومة المركزية وحكومة اقليم كردستان جنبا إلى جنب مع أقصى قدر من التعاون من خلال التعامل مع التعليم باعتباره قضية وطنية. علاوة على ذلك، فإن عبء التنفيذ الناجح للإصلاحات التعليمية يقع على عاتق التدريسيين المعرفيين والمتحمسين والمتفانين. يمكن أن تزدهر صفات هؤلاء التدريسيين في بيئة أكاديمية مواتية ومشجعة، والتي يجب أن تنشئها الجامعات والكليات بدعم مالي نشط من الحكومة دون أي تدخل سياسي. من أجل التنفيذ السليم لأي سياسة تعليمية، يجب أن يكون للتدريسيين مكانة مركزية ويجب أن يكون شرطا لا غنى عنه لنجاح الإصلاحات التعليمية.