عازفة الكمــــان
جميل حسين الساعدي
أعيدي اللحْـنَ عازفـــــــةَ الكمـــــانِ
فكـمْ في اللحــنِ هــذا مِــــنْ معـــانِ
فؤادي لــمْ يـزلْ طفـــلاً وديعــــــاً
برغــمِ توجّعــــي ممّـــا أعـــــاني
وبين جوانحــي يهفــــــو حنيــــنٌ
إلــى مــا فاتَ في ماضــي الزمانِ
أعيدينــي إلى لَعِبي ولهـــــــــــوي
إلى دنيـــا اندهاشي وافتتانـــــــــي
إلى زمــنِ الطفولــــةِ حيثُ أغفـو
قـــــريرَ العينِ في حضْنِ الحنــانِ
إلى زمـــنٍ تراءى مثلَ طيـــــفٍ
ومـرَّ مرورَ أحــــلامِ الحِســــانِ (1)
وخلّفَ بعدهُ زمنـــــاً عصيبـــــا ً
عنيــــداً قدْ خســرتُ بــهِ رهاني
أعيدي اللحنَ ثانيةً أعيـــــــــــدي
وصبّي خمـــرَ لحنكِ في دِنـــاني
فإنّــي مُنتشٍ باللحـــنِ حتّــــــــى
كأنّـــي قد سكـــــرتُ بخمرِ حانِ
أنــا من طافَ في البلدانِ طــــولاً
وعرضــاً سائرا ً خلفَ الأمـــاني
أهـــاجرُ من بلادٍ نحْــوَ أخــــرى
لأحيـــا مُطمئناً فــــي أمـــــــــانِ
فتسخــــرُ حينها الأقدارُ مِنّــــــي
لأنّي لـمْ أجــــدْ يومــا ً مكــــاني
تعقّبنــي الجحيــمُ على دروبـــي
يُنــــادي لا وصــولَ إلى الجِنانِ (2)
أنا فــي كلّ أرضٍ تبتغيـــــــــها
ترى نـاري هنــاكَ مــعَ الدخانِ
تجاهلتُ النـــــداءَ وقلتُ صبراً
فبالغت الليـالي فــي امتحـــاني
***
أعيدي اللحـنَ أسمعــــهُ بقلبــــــي
أنا المولودُ مِـــنْ رَحِــمِ الحنــــانِ
رقيـــقُ الطبْــعِ لكنّــــي عصـــيٌّ
على مُتجبّـــــرٍ يبغـــــي هَـوانـي
جُبلتُ على الطبيعـةِ لا أحــابي
وما في القلبِ يجري في لساني
أصــاحبُ كلّ مسكيــنٍ فقيـــــرٍ
عزيز النفسِ يُخفي ما يُعــــاني
فأوثــرهُ علـــى نفسـي وأهلــي
وأرفعـــــهُ إلى أسمى مكــــانِ
وليسَ بصاحبي رجلٌ بخيــــلٌ
ولا أرجــو الشجاعةَ من جبانِ
هوَ الإنســانُ يفنــــى ذاتَ يومٍ
وتتبعــــهُ المصـــانعُ والمباني
فإنّ العمْــرَ مهما طالَ يبقــــى
قصيــــراً كالدقائقِ والثوانـــي
أعيـــدي اللحْـــنَ ثانيــةً وغنّــي
معي بيتـــاً تردّدَ فـي جَـنانـــــي
( أضاعوني وأيَ فتىً أضاعوا )
فآهٍ ثــمَّ آهٍ يـــــــا زمــــــــــاني (3)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 ـ الحســان : جمع حسنــــاء
2 ـ الجنان : القلب
3 ـ صدر البيت المحصور بين قوسين هو من بيت للشاعر العرجي ، وهو شاعر غزل مطبوع من شعراء العصر الأموي
والبيت هو:
أضاعوني وأيّ فتىً أضاعوا *** ليومِ كريهـــةٍ وسدادِ ثغْــرِ