استغلال الموارد المائية لإعلان حرب المياه على العراق
مصطفى محمد غريب
كانت وما زالت موضوعة الموارد المائية في مقدمة اهتمام الشعوب والدول التي تدرك مدى أهميتها بالنسبة للحياة، واهميتها بالنسبة للأمن المائي المطلوب ، وظهرت خلال السنين السابقة مخاطر حرب المياه كحقيقة ملموسة وبدأت تُفعل في الوقت الراهن في السياسة والعلاقات بين دول العالم والمنطقة وبخاصة الدول التي تشترك في مجال منابع ومصادر المياه للأنهر والجداول والينابيع والتجمعات المائية، هذه القضية ابتلت بها بعض الدول واستغلت من اجل الاستئثار والهيمنة والتسلط وفرض واقع جديد في السياسة الخارجية وتأثيراتها على شؤون الدول الداخلية التي أصبحت ضحية حرب المياه وتشعباتها وواقعها الجديد.
لقد سبق وأشرنا في أكثر من مقال بان الاستنتاجات والتنبؤات التي طرحت في أوائل القرن العشرين بدأت تتحقق في استغلال الموارد المائية لصالح طرف على حساب طرف آخر وصارت الهواجس مسلمات قيد التحقيق وبخاصة في مسألة العراق وجيرانه مع شديد الأسف ( الاخوة الأعداء ) تقريبا، ان هؤلاء الجيران على الرغم من العلاقات التاريخية والدبلوماسية والتعاون التجاري الكبير والواسع يعدون العدة بهدف خنق العراق مائياً لإخضاعه واستغلال موارده وموقعه الاستراتيجي وذلك..
1 ــــ التدخل في شؤونه الداخلية والقرارات السياسية وإيجاد مواقع داخلية ممكن استغلالها لتصدير البضائع المنفلت كيفما اتفق واستغلال اراضيه وجعلها مسرحاً للصرعات المسلحة.
2 ــــ الحصول على أكبر قدر من الأرباح من خلال صادرتهم التي تقدر بمليارات الدولارات واستغلال المياه للضغط وتمرير ما يمكن تمريره.
3 ـــــ العلاقات النفطية واستغلالها من خلال المساومات والتصدير وفوائده
4 ـــــ عدم احترام العلاقات التاريخية بين شعب العراق وشعوبهم المبنية على التفاهم والصداقة والتاريخ المشترك والعلاقات الاجتماعية
5 ــــ لم يستجب لا حكومة طهران ولا حكام تركيا للمطالبات العراقية الرسمية وما قدمته الوفود العراقية حول الحقوق المائية والمنصوص عليها في المواثيق الدولية.
6 ـــ التحجج بحجج واهية وقضايا بعيدة كل البعد عن مصالح العراق وبقي الشعب العراقي يدفع الثمن بينما يرى الجميع بوادر جفاف دجلة والفرات والانهار الباقية وخاصة في موسم الصيف
7ـــــ الهيمنة المفرطة على نهري دجلة والفرات من قبل تركيا بواسطة السدود الكبيرة، وما تقوم إيران من قطع مياه الزاب ونهر سيروان والكارون والكرخة. وأكثر من 45 نهر وجدول ومنابع للمياه.
8 ــــ تتحمل الحكومات السابقة في تاريخ العراق المسؤولية ايضاً لأنها لم تضع برامج وخطط علمية لقراءة مستقبل المياه، ولم تتخذ إجراءات ملموسة في بناء السدود والتجمعات المائية ، ولم تستفد من المياه التي كانت تهدر وتذهب للبحر بواسطة شط العرب
بسبب تردي الوضع المائي واستمرار تعنت الدولتين بمواقفهما المضرة هدد مهدي رشيد وزير الموارد المائية ” الاحد 11 / 7 / 2021، باللجوء الى المجتمع الدولي في حال عدم التزام إيران بإطلاق حصة العراق المائية حسب المواثيق الدولية” واكد وزير الموارد المائية على انهم تحدثوا “مع أيران وتركيا للاتفاق على بروتوكول تقاسم المياه لكن لم نحصل على إجابة حتى الآن”. ونقول بثقة لن تحصلوا على أي إجابة أو اتفاق او موقف إيجابي بسبب تعنت الدولتين ، وحبس المياه الحاق الضررالذي من مخاطره توسع رقعة الجفاف للأراضي العراقية والاضرار التدميرية للمزارع والبساتين والحقول والمواشي وفي مقدمتهم طبعاً البشر ومصالح ملايين الفلاحين العراقيين.
بغض النظر عن أي شيء فالعراق يحتاج الى اتخاذ قرار “ردعي” يحفظ حقوق العراق المائية وأمنه المائي ومنها قضايا العلاقات الاقتصادية والنفطية واتخاذ تدابير وقائية تحفظ حقوق البلاد.
ان شن حرب المياه من قبل تركيا وإيران على العراق وشعبه منذ عقود وبطرق شيطانية منها بناء السدود على دجلة والفرات وتحويل مجاري الأنهار وغلق الجداول الذي تسبب بالتدريج الى اتلاف وتدمير أراضي واسعة من الاف الهكتارات الزراعية ليصل الامر الى كارثة نتائجها وخيمة بسبب نقص المياه وهبوط منسوب الانهر والتجاوز على حقوق البلاد المشروعة.
ان العديد من المحاولات من قبل العراق التي بذلها منذ عقود لم تفلح الى إيجاد حلول لهذه المشكلة، إلا ان قضية المياه أصبحت ورقة ضاغطة لتعميق الازمة واستغلالها من قبل تركيا وايران بهدف الحصول على تنازلات لصالحهما وظهر ذلك من خلال التحكم القسري بمياه دجلة والفرات من قبل تركيا والانهار والجداول من قبل ايران وعند العودة الى احتياجات العراق وكميات الاستهلاك فيحتاج العراق حسب المصادر الرسمية الى ( 53 ) مليار متر مكعب اما في المواسم التي يحتاجها في أوقات الجفاف فتقدر ( 44 ) مليار متر مكعب، وبسبب هذه الحرب التي تشن يتوقع الخبراء والعاملين في هذا المجال ان عام 2040 سيكون العراق بلا دجلة ولا الفرات ولا الأنهار الأخرى التي تنبع مياهها من ايران وبهذا سيحل الجفاف الموت البطيء للأراضي الزراعية ولملايين العراقيين ولن تجدي اية حلول للعودة الى اقل من نصف الطريق، من المسؤولية الوطنية عن حياة ملايين العراقيين المكتوين بنار المحاصصة والفساد والسرقات يجب على الحكومة العراقية ان تتحرك بشكل حازم تجاه هذه الدولتين الصديقتين المسلمتين!! ” الله يجرم ” ولا نعني بالموقف الحازم الذهاب للحرب التي نقدر مآسيها ونتائجها التدميرية ونحن نعرف وضع العراق “ورحم الله من عرف قدر نفسه” فالحرب تحتاج الى دعم الشعب بدون استثناء للدفاع عن كيان البلاد وثرواتها وكرامتها وفي المقدمة الدفاع عن حياة الناس، ولكن في العديد من القضايا المائية والحقوق بالموارد المائية فان خيار الحوار الجاد واللجوء للمحافل الدولية بما فيها المحاكم المختصة كونه الدواء السليم في الظروف الراهنة واننا نتجاوز قضية العنف ونعتبر الحل السلمي هو هدف ممكن في المرحلة الحالية ويحتوى هذا الهدف
أولاً: التوجه للمحافل الدولية وفي مقدمتها الأمم المتحدة ومجلس الامن وحشد كل ما يمكن حشده في سبيل حقوق العراق بموارده المائية وحماية لأمنه المائي
ثانياً: الخطوة الأخرى المهمة هو العلاقات الاقتصادية وفي مقدمتها خلق وعي مرتفع بمقاطعة البضائع من كلا الدولتين الصديقتين إذا لم تحل إشكاليات حبس المياه عن العراق !! وتحجيم الواردات وتقليلها شيئاً فشيئاً
ثالثاً: الوقوف بحزم ضد القواعد والتواجد التركي في الأراضي العراقية ومنع إيران واجندتها التحجج بالطائفية واستغلال المزارات الدينية وغيرها من التدخل في شؤون العراق الداخلية.
رابعاً: هناك طرق وأساليب عديدة للدفاع عن وجود الشعب العراقي وعلى كيان العراقي الوطني والسعي لوقف الاستيلاء موارده المائية.
ان الجفاف المقصود الذي يطل برأسه لأغراض ضيقة يعتبر عبارة عن اعلان الحرب بطريقة باطنية على الشعب العراقي والتوجه العدواني لتجيف دجلة والفرات والانهار الأخرى من خلال بناء السدود التي تحجب حصة البلاد وهذه الأنهار ومصادرها هي شريان الحياة للملايين العراقيين.
ــــــ ما العمل ايها المتصارعون على الكراسي واموال العراق وأنتم تصرخون لإنهاء وجود القوات الامريكية ( ونحن معكم ) بدون أي إشارة للدول الأخرى وتدخلاتها !! لا بل الصمت على عدوانية عطش العراقيين وتدمير أراضيهم الزراعية ثم التحكم بالأمن المائي، لقد كشف برهم صالح رئيس الجمهورية وقال في كلمة ألقاها بمناسبة اليوم العالمي للبيئة، “من أن 54% من الأراضي الزراعية في البلاد معرّضة لخطر فقدانها زراعياً بسبب التملح، والتصحر يوثر في 39% من مساحة العراق” وتابع برهم صالح مؤكداً ان ” بناء السدود على نهري دجلة والفرات أدى إلى نقص متزايد في المياه بات يُهدد إنتاجنا الزراعي وتوفير مياه الشرب وزحف اللسان الملحي نحو شط العرب، وقد يواجه البلد عجزاً يصل إلى 10.8 مليار متر مكعب من المياه سنوياً بحلول عام 2035″. ومع احترامنا لبرهم صالح لم يشر الى جفاف انهار مثل سيروان وكارون والزاب والكرخة وحوالي ( 45 ) جدول ونهر قامت ايران ببناء السدود وتحويل مجاري البعض منها كما دأبت في ضخ مياه المبازل الملوثة في شط العرب والأراضي العراقية المجاورة للحدود، كان المفروض به كرئيس الجمهورية توجيه الدعوة الشديدة للكف عن حبس المياه وهو اضعف الايمان!.
ان الاحصائيات التي اشارت الى الواقع المأساوي الذي حل بالعراق والشعب العراقي ومن خلال وثائق مثبتة ان حوالي أكثر من ( 7 ) ملايين تضرر بسبب الجفاف مما دفعهم للنزوح الاضطراري عن مناطقهم وقد يكون الخطر المحدق في استمرار سياسة الاستيلاء على موارد المياه التي ستلحق اشد الاضرار في المستقبل وبخاصة عندما تتضاعف اعداد السكان بحلول عام 2050 الى حوالي ( 100 ) مليون بينما اشارت المصادر ان تعداد السكان في العراق في الوقت الحالي حوالي ( 40 ) مليون
على كل مسؤول وطني شريف أن يفكر بروحية وطنية في الكوارث والمصائب التي تلف البلاد وملايين الكادحين وأصحاب الدخل الضعيف والفقراء ؟ نتمنى ان لا تغلق الضمائر قبل العيون؟ وينتهي العراق الى بلد بلا ماء حاله حال بلدان الجفاف بعد ان كان لملايين السنين يطلق عليه بلاد ما بين النهرين.